أقلام حرة

ثامر الحاج امين: ليس بالذَهَبْ وحده

علاقة النساء بالذهب علاقة متينة وهي علاقة حب واعجاب من طرف واحد، وما نشهده اليوم من تهافت النساء على اقتناء الذهب والافتتان به ليست ظاهرة حديثة فرضتها الظروف الاقتصادية غير المستقرة انما هي ظاهرة قديمة عرفتها جميع شعوب المعمورة، فالمصادر التاريخية تشير الى ان أول من استخدم الذهب كمجوهرات كانت شعوب أوروبا الشرقية حوالي 4000 قبل الميلاد كذلك استخدمته الحضارات القديمة من السومريين واليونانيين ثم الرومان كما ان الاغريق ايضا عرفوا بشدة شغفهم بالمجوهرات الذهبية وقادهم هذا الشغف الى تطوير مجوهراتهم باستمرار .

 وعلى الرغم من ادراكي ان الذهب ذا قيمة ويلعب دورا مهما في حياتنا الا انه بقي خارج دائرة اهتمامي واعجابي، فقبل ان أدرك الصحة هي الثروة الحقيقية التي يتمتع بها الانسان وليس الذهب، وقبل ان اسمع ايضا ان الذهب زينة وخزينة ومصدر قوة تتسابق الدول على كنزه وزيادة رصيدها من احتياطه لتمتين اقتصادها ومواجهة الظروف الاستثنائية فان علاقتي بالذهب لم تكن علاقة ود واعجاب، فشخصيا كنت وما زلت أمقت التهافت على اقتناء الذهب والافتتان المبالغ به، فمنذ صغري وما زلت أشعر بنفور منه وكرهي للتحلي به، واكاد أجزم انه ليس وراء هذا النفور المثل القائل (الما ينوش العنب ...) فقد ولدت في عائلة ميسورة ومنذ الصغر وانا تلميذ في الابتدائية صاغ لي الأهل خاتما ذهبيا كان اسمي منقوشا عليه وعندما لاحظت انشغال اقراني التلاميذ بالتحديق المستمر في الخاتم لم يصبني هذا بالغرور بل على العكس كرهت هذا التميز بالمظاهر وكان اول عمل قمت به عند عودتي من المدرسة هو نزعي الخاتم ورميه في حضن أمي، كما انني اختلف مع القائلين ان الذهب يمنح القبح مسحة من الجمال كما لا اتفق مع المرأة التي تجد في بريق الذهب زينة، انما ارى الهدف من  لبسه رمز للرفاهية والثروة كما انه قناع لإخفاء علامات التقدم في السن، فليس بالذهب وحده يظهر المرء جميلا انما جمال المرأة في اخلاصها ورقتها وجمال روحها وثقافتها وكذلك بالحب الذي هو الذهب الوحيد الذي يزيّن الحياة مثلما يقول الشاعر الانكليزي (ألفريد تنيسون). والذي يؤكد موقفي هذا انه في أيام التحضير لقفص الزوجية الذي دخلته متأخرا بعد طول تمرد وعناد قدمّتْ لي خطيبتي مبلغا لأشتري بنفسي وحسب ذوقي خاتم خطوبتي لكنني بدلا من التوجه الى محلات الصاغة لشراء الخاتم توجهت صوب المكتبة واشتريت بالمبلغ المذكور مؤلفات الجاحظ لأزين بها صدر مكتبتي، وقد ظلت الخطيبة تراقب كفي عند كل لقاء فلا تجد فيه خاتما وحينما سألتني مستغربة عن اسباب عدم لبسي الخاتم لم اجد وسيلة للهروب من هذا المأزق الا الاستعانة بروايات الفقهاء المتضمنة حرمة لبس الذهب للرجال وحتى التختم به .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم