أقلام حرة

سجاد مصطفى: حين يبكي الوعي دمًا.. قراءة أزليّة في قضايا الحسين

الملخص: ليست كربلاء مجرد واقعة، بل هي مجرّة مشتعلة داخل الوعي البشري، ما إن تحدّق بها حتى يحترق زمنك. فالإمام الحسين لم يكن بطلًا مهزومًا على صحراء، بل كان فكرة انتصرت على التاريخ نفسه. هذه الورقة ليست رثاءً، بل وقوف دامٍ في محراب الحقيقة، حيث ينزف الوعي بدل الجسد، ويصرخ العقل على أطلال أمة خانت وعدها مع الله

مقدمة: الحسين الذي لا يموت

الحسين ليس شخصًا نبجّله، بل هو سؤال أزلي يحرجنا كلما صمتنا أمام الظلم.

لم يكن الحسين شهيدًا عابرًا في التاريخ، بل كان معيارًا كونيًا للحق، كلما ملنا انحرفنا عن ظلّه. لم يأت الحسين ليُبكي الناس، بل ليستفزّ أرواحهم حتى تفيق من خدر الدين المعلّب والطاعة العمياء.

كربلاء لم تكن حدثًا في القرن الأول الهجري، بل هي جرح مفتوح في كل قرن، في كل ضمير حيّ، في كل ساحة يُذبح فيها العدل باسم الله.

أولًا: الحسين ودم الوعي

الحسين ليس مأساة للبكاء، بل ملحمة للفهم… فإن لم نفهمه، بكينا قاتلنا ونحن نحسبه شهيدًا. قال المفكر الإيراني علي شريعتي: كل من لا يرى في كربلاء إلا الدموع، فقد خان دم الحسين.

ما معنى أن نبكي ولا نغيّر؟ ما جدوى أن نلطم الصدر ونحن نطأطئ الرأس للطغاة؟. البكاء الذي لا يوقظ الفكر.. هو بكاء على الذات لا على الحسين. الحسين هو الوعي حين يتنزّه عن مصالحه. هو الضمير حين ينتصر على فتاوى البلاط. هو النداء الذي يخترق القرون: هيهات منا الذلة

ثانيًا: الطقوس والهاوية – كيف نخذل الحسين باسم حبّه؟

نطبر الرؤوس ولا نطبر العقول،

ننزف الدم ولا ننزف الأسئلة…

أليست هذه خيانة ناعمة تُمارس كل محرّم؟

قال نيتشه: الدين الحق لا يُفرز القطيع، بل يُنبت الأفراد الأحرار

حين تصبح الطقوس بديلاً عن الفكر، وحين يتحول حبّ الحسين إلى مناسبة موسمية، نكون قد حوّلنا الحسين من صوتٍ للثورة إلى رمزٍ للتخدير الجماعي

ثالثًا: بين يزيد الزمان، وصمت الأمة

لم يكن الحسين يواجه يزيد كشخص، بل كان يحارب فلسفة كاملة تشرعن الظلم باسم السماء

يزيد ليس رجلاً مات. يزيد هو المبدأ حين ينتصر الباطل بلغة القرآن. هو حين يُلبس الظلم عمامة، ويُصدَّر للناس باسم الشرع

والأخطر من يزيد… هم أولئك الذين قالوا نصلي خلف من غلب. أولئك هم القتلة الحقيقيون، لأنهم صمتوا حين كان الموقف فرضَ عين

رابعًا: كربلاء كفلسفة: الحسين هو الإنسان حين يقول لا

كربلاء ليست تاريخًا دينيًا، بل واقعة أنثروبولوجية في صراع الإنسان مع الاستبداد.

في الحسين تجتمع سقراط الذي شرب السم، وغاليليو الذي صرخ أن الأرض تدور، والحلاج الذي قال أنا الحق فصُلب، لكنهم جميعًا لم يذهبوا إلى الموت كما فعل الحسين… بل ذهب إليهم الموت، أما هو، فمشى إليه وهو يبتسم. هذا هو الفرق بين الشهادة الصدفة… والشهادة المشروع

خامسًا: في الحسين شيء من الأزل

الحسين لا يموت، لأنه ليس كائنًا… بل قانون منقوش على جبين الخلود. كلما وُلد طفل وقال كلمة حقّ، كان الحسين حيًا. وكلما ماتت فكرة في سرير الخوف، سقطنا من الحسين خطوة نحو العدم

فالحسين ليس ذاكرة، بل هو ضمير أزلي، لا يُقيم في الماضي بل يُقيم في اللحظة التي نقرر فيها أن نكون أحرارًا أو عبيدً

خاتمة: دمعة لا تكفي… وصمت لا يُغتفر

يا من تقيمون مجالس العزاء، هل الحسين في دموعكم، أم في مواقفكم؟ هل تنادونه يا مظلوم وأنتم تظلمون صمتكم؟ هل تلبسون سوادًا خارجيًا… وتعيشون بياضًا داخليًا يُصالح الطغيان؟ ما فائدة الحداد على الحسين، إذا كان يزيد ما زال يحكم العقول؟

***

الكاتب سجاد مصطفى حمود

 

في المثقف اليوم