مقاربات فنية وحضارية

عبد القادر الرسام الميساني.. مؤسس الفن العراقي المعاصر (1)

كاظم شمهوددأب بعض النقاد والمؤرخين لطمس وتشويه هوية جغرافية عبد القادر الرسام والاكتفاء بكونه من مواليد بغداد وانه كان ضابطا في الجيش العثماني، اما تفاصيل بداية حياته وطفولته الاولى ومراسيها فقد اغفل عنها او شطبها البعض اما تعمدا او جهلا .

اسمه الحقيقي عبد القادر عبد الرحمن ولد في قضاء قلعة صالح من مدينة ميسان عام 1882و توفي عام 1952 في بغداد، وقد كشفه المؤرخ الميساني جبار الجويبراوي عندما كان مهتما بدراسة تاريخ التعليم في ميسان بين اعولم 1917 و1958 . وقد وجد ملفا عن المعلمين في قلعة صالح عام 1916، ومن هؤلاء المعلمين وجد اسم الرسام عبد القادر وكان يلقب بالالماني لانه كان يمشي على غرار مشي الالمان العسكرية ..

2210 عبد القادر الرسام 1في بداية حياته دخل الكلية الحربية في الجيش العثماني في اسطنبول واثناء ذلك درس فن التصوير على يد اساتذة الرسم هناك حوالي عام 1904 وعندما تخرج عين ضابطا في قضاء قلعة صالح في ميسان، وهناك تزوج من فتاة من اهل المنطقة وانجب منها بنته الوحيدة - فريحة –

وعندما انتصر الانكليز على العثمانيين في العراق واحتلوا اراضيه اختفى عبد القادر من مدينته لفترة من الزمن خوفا من الانكليز ثم ظهر وفتح له محلا في قلعة صالح لبيع ورسم الصور الشخصية . وفي عام 1916 فتحت الحكومة مدرسة للتعليم في القضاء واحتاجت عدد من المعلمين من ابناء المنطقة فتقدم عبد القادر لها وعين معلما لتدريس مواد الرسم والجغرافية والتاريخ، وظل يعمل فيها حتى عام 1939 ثم نقل الى العمارة .. وفي عام 1940 احيل على التقاعد .

وعندما قبلت ابنته فريحة في دار المعلمات في بغداد اضطر عبد القادر الى الانتقال من العمارة الى بغداد مع اسرته .

2210 عبد القادر الرسام 2

بدايات شهرته

و في بغداد استاجر محلا وعرض فيه اعماله الفنية للبيع والتي نفذها سابقا في مدينته العمارة وكانت هذه الاعمال قد نالت رضى واستحسان اهل بغداد والاجانب، وكان ذلك بداية لتوسع علاقاته وسمعته فسمي بعبد القادر الرسام، وقد انهالت عليه الطلبات في رسم الصور الشخصية والمناظر والجداريات منها جدارية لسينما رويال في بغداد ثم اصبح يرسم لها مانشيتات الافلام التي تعرض فيها . وقد اسس عبد القادر مرسما او ورشه لتعليم الرسم في بغداد وانظم اليه عددا كبيرا من الشباب الهواة منهم الرواد من الجيل الثاني الذين اسسوا معهد الفنون الجميلة والتجمعات الفنية كفائق حسن واكرم شكري وحافظ الدروبي وجواد سليم وعطا صبري وعيسى حنا والحاج محمد سليم ومحمد صالح زكي وعاصم حافظ وغيرهم حيث كانوا يلتقون معه ويتعلمون وينهلون من معارفه وتجاربه العملية والنظرية التي تعلمها في اسطنبول والانفتاح على الفن الاوربي الحديث، وكان بعضهم يدرسون مادة الرسم في المدارس والبعض الاخر كانوا قد درسوا الرسم معه في اسطنبول . وبهذه الطريقة اخذ عبد القادر يثير الحماس وينشر الوعي الفني و الثقافي بين افراد الطبقة الواعية والمثقفة التي كانت تتعطش لمعرفة ما يحدث في اوربا من تطور في حركة الفن . ثم ساهم في تأسيس اول تجمع فني في العراق عام1941 اطلق عليه اسم جماعة اصدقاء الفن ضم الجيلين الاول والثاني وكان يتزعمهم عبد القادر الرسام .

2210 عبد القادر الرسام 3

في الكلية الحربية

عندما كان عبد القادر يدرس في الكلية الحربية في اسطنبول كان في نفس الوقت يتعلم الرسم على يد اساتذة اكفاء في الفن والتاريخ وكان التدريس اكاديمي ضمن المناهج الجارية في اوربا ومنها الاسلوب الواقعي والذي كان منتشرا في باريس في ذلك الوقت، حيث اسس كوربيه 1819- 1877المدرسة الواقعية وقد فتح نظرية غير مالوفة من قبل وهي نظرية الواقعية والتي اعتنقها الفكر الاشتراكي في روسيا في بداية الثورة واسسوا عليها المدرسة الاشتراكية في الفن . وقد اكد كوربيه على رسم الاشياء كما هي في الواقع دون اللجوء الى الخيال او المثالية . وقد تأثر عبد القادر بهذه المدرسة الاوربية، وكان يطلب منه وهو في الجيش برسم المشاهد العسكرية من فرسان وخيول وخيام ومعسكرات وصور شخصية وغيرها وكان معه مجموعة من الضباط العراقيين الذين درسوا الرسم ايضا في اسطنبول .

ولكن عندما اندلعت الحرب العالمية الاولى وسقطت الدولة العثمانية عاد هؤلاء الضباط الرسامين الى بغداد ليشكلوا الطليعة الاولى في تاسيس الفن العراقي المعاصر الذي اخذ يستمد طرازه وتقنياته ومفاهيمه الفكرية والفلسفية من الفن الاوربي، فاخذوا يمارسون الرسم على الحامل والذي كان غير معروفا ومالوفا يومذاك . وكانت مواضيعهم تختصر على المناظر الطبيعية والاسواق ومناظر نهري دجلة والفرات ورسم الشخصيات وغيرها .

2210 عبد القادر الرسام 4

مميزات اعمال عبد القادر

امتاز اسلوب عبد القادر بالواقعية ورصد العالم الخارجي واجادة التعبير عنه باتقان مبدا المحاكات في رسوم الاشخاص والمناظر الطبيعية، وفي اسلوبه ايضا نجد شيئا من الانطباعية ويسوده احيانا البدائية والفطرية، وكان غزير الانتاج لا يكل ولا يمل من الرسم، وقد تأثر به معظم الجيل الثاني من الرسامين الذين كانوا يدرسون في معهد الفنون الجميلة امثال فائق حسن وجواد سليم وحافظ الدروبي واسماعيل الشيخلي وغيرهم، ويذكر اسماعيل الشيخلي بان فائق كان يدرسهم الاسلوب الواقعي متأثرا باسلوب عبد القادر الرسام في معهد الفنون الجميلة ولكن عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية وجاء للعراق ثلاثة رسامين من بولونيا 1943 وكانوا تلاميذ الفنان الفرنسي الانطباعي بونار طلب فاءق من الطلبة تغير الاسلوب الواقعي الى المدرسة الانطباعية .

و كان عبد القادر شديد العناية باشكاله والاهتمام بتفاصيل الاشياء مثل رسم الاشجار والترع وضفاف الانهار والحيوانات الماشية والاثار والقباب والمنائر والفلاحين .. وكانت الوانه ساطعة مضيئة جميلة حساسة بحيث يستطيع المشاهد من معرفة وقت او زمان رسم اللوحة .. وهو ما يذكرنا بمونية صاحب المدرسة الانطباعية الذي كان اهتمامه بالضوء والظل كبيرا بحيث يرسم الموضوع او المنظر نفسه عدة مرات في اوقات مختلفة من النهار ..

يضاف الى ذلك ان عبد القادر نقل لنا كيفية الرسم على القماش واعداده وتحضير الالوان بطرق علمية حديثة تعلمها عندما كان يدرس في اسطنبول وكذلك استخدام الخامات التي تدخل في تحضير اللوحة والرسم عليها وهو بهذا المسعى خلق حركة جديدة تعتمد على الذات .. وكلنا يتذكر في نهاية الستينات من القرن العشرين حيث كان يوجد هناك محل واحد في بغداد لبيع الالوان والفرش والاستاندات والكانفاس وغيرها . وقبل هذا التاريخ كان غالبية الفنانين العراقيين يسافرون الى الخارج لشراء مواد الرسم، فكان ذلك الشح في المواد خلق ازمة وعطل الكثير من انشطة الرسامين وتوقفهم عن ممارسة الرسم . // .. سنكمل مشوارنا مع مؤسس الفن المعاصر في الحلقة القادمة .

 

د. كاظم شمهود

 

 

في المثقف اليوم