مقاربات فنية وحضارية

علاء اللامي: أربع شرائع قانونية رافدانية سبقت مسلة حامورابي

علاء اللاميشاع القول إنَّ أقدم شريعة قانونية انتجتها البشرية هي مسلَّة أو شريعة حامورابي في القرن الثامن عشر ق.م. وهذه المعلومة ليست دقيقة تماما، فالمدقق في التفاصيل والمؤلفات المتخصصة يجد أن هذه المسلة هي الأخيرة والأحدث زمنا بين مجموعة الشرائع الرافدانية القديمة، وتلك الشرائع حسب تاريخ إنتاجها هي:

1- وثيقة إصلاحات أوركاجينا: ومشرعها هو الملك السومري من سلالة لكَش الأولى. يرجع تاريخها إلى عام 2355 قبل الميلاد، أي أنها أقدم من مسلة حامورابي بأكثر من خمسة قرون. وقد ورد ذكر تلك الإصلاحات في ألواح بالخط المسماري بمدينة لكش عام 1878م. وترجمها لأول مرة العالم الفرنسي تورو دانجان. وفيها ظهرت، ولأول مرة في التاريخ، كلمة حرية "أمارجي" السومرية في وثيقة مكتوبة.

ومما يذكر في هذه الوثيقة التاريخية أن أوركاجينا قد قنن القوانين التي وفرت للشعب الحرية والعدالة. ولكن الوثيقة القانونية ذاتها، والتي تحتوي على تلك القوانين لم تكتشف بعد، ويؤكد باحثون أن الملك البابلي حمورابي قد استفاد منها واستوحى منها عددا من المواد عند صياغة شريعته المعروفة.

2- قانون أورنمو: وقد سبق قانون حمورابي بثلاثة قرون، حيث عثر على قسم من الألواح التي تضمنت هذا القانون في مدينة نفر والقسم الآخر منها في مدينة أور، وقد كتب باللغة السومرية، ويقدر تاريخه بحوالي 2100-2050 ق. م. اكتشفت أول نسخة من القانون على شكل جزئين وجدا في مدينة نُفَّر "نيبور"، وقد قام صموئيل كريمر بترجمتها عام 1952، وهي محفوظة اليوم في متحف إسطنبول الأثري، وبسبب حالة الحفظ فإن المقدمة وخمسة قوانين فقط كانت قابلة للتمييز.

3- قانون لبت عشتار: خامس ملوك سلالة أيسن بين 1934 و 1924 ق.م، وسبقت قانون حامورابي بحوالي ما ئة وأربعين سنة. وهذه السلالة من السلالات الجزيرية "السامية"، ولكنها كانت تتبنى وتعتز بالثقافة السومرية. ويتألف قانون لبت عشتار من مائة مادة قانونية لم يبق منها إلا 37 مادة تتعلق بالأراضي الزراعية والحدائق والبساتين والعبيد والأحوال الشخصية.

4- شريعة أشنونا أو قانون الملك بلالاما: سُنَّت  في عام 1930 ق.م، وهي متقدمة على قانون حمورابي بحوالي نصف قرن من الزمن. وبلالاما هو ملك مملكة إشنونة، وعثر عليها في لوحين من الطين في حفريات آثار تل حرمل (قرب بغداد الجديدة) من قبل عالم الآثار الراحل طه باقر.

ويظهر من دراسة هذه المواد أن مشرعها كان قد أهتم ببعض المسائل الاجتماعية ومن ذلك وضع حد أدنى لأجور العمال وتسعير بعض السلع وتقسيم المجتمع إلى طبقات فقد وردت في هذه القوانين أول إشارة إلى تقسيم المجتمع العراقي القديم إلى طبقات ثلاث: الأحرار والمسكينوم "المساكين" والعبيد.

5- شريعة حمورابي: أو قوانين حمورابي هي مجموعة قوانين بابلية يبلغ عددها 282 مادة قانونية، سجلها الملك حمورابي سادس ملوك بابل (حكم من سنة 1792 قبل الميلاد إلى سنة 1750 قبل الميلاد) على مسلة كبيرة أسطوانية الشكل.

سجل حمورابي هذه القوانين على مسلة كبيرة من حجر الديورانت الأسود، طولها 225 سم، وقطرها 60 سم. وجدت في مدينة سوسة عاصمة عيلام، أثناء حفريات البعثة التنقيبية الفرنسية (1901-1902) ونقلتها معها إلى متحف اللوفر بباريس. وقد عُثر عليها في عاصمة بلاد عيلام جنوب إيران الحالية حيث كانت قد نُهبت من قبل الغزاة العيلاميين  بقيادة ملكهم شوقروك ناخون عندما غزا بلاد بابل في القرن الثاني عشر ق. م، ونقل كل ما استطاع نقله إلى عيلام، وحرم البابليين من هذه الوثيقة. تم العثور على نسخ مختلفة من أجزاء من قانون حمورابي على ألواح طينية مشوية، ربما يكون بعضها أقدم من شاهدة البازلت الشهيرة الموجودة الآن في متحف اللوفر/ ص 92 وما بعدها من كتاب من سومر إلى التوراة للراحل د. فاضل عبد الواحد ومصادر أخرى.3221 hamorabi

*حين نقارن بين الشرائع سالفة الذكر -خصوصا شريعتي أشنونا وأورنمو - نجد أن الشرائع السابقة لشريعة حامورابي  لم تكن تأخذ بمبدأ "العين بالعين والسن بالسن" التي انتقلت الى الديانات التوحيدية الإبراهيمة لاحقا، بل "بمبدأ الغرامات المالية على الجاني الذي يحدث جرحا أو ضررا جسديا في شخص آخر". وتميزت بعض مواد شريعة حامورابي بالقسوة والعشوائية وخاصة في مادة الاحتكام إلى النهر ضد المتهمين بالسحر والشعوذة والتي تنص على إلقاء المتهم في النهر فإذا غرق صودرت ممتلكاته واعطيت لمن اتهمه وإذا نجا أحرق من اتهمه. وكذلك المادة الثامنة التي تعاقب السارق من أملاك القصر الملكي أو المعبد فهي تنص على قتل السارق. أما السرقة خارج حرم المعبد أو القصر فيعاقب مرتكبها بتغريمه ثلاثين ضعف الشيء المسروق. وهناك مواد قاسية أخرى تتناسب ومستوى الوعي والفكر الإنساني في تلك العهود السحيقة والتي يمكن أن نصفها بعهود طفولة العقل البشري الساعي الى الأفضل عبر التجريب.

 

علاء اللامي

.........................

* الصورة لقمة مسلة حامورابي ويبدو إله العدل "شمش" جالساً على عربته وهو يسلِّم شارات العدل إلى الملك حمورابي الذي يقف أمامه بخشوع، وتنبعث من كتفي الإله حزمتان من ضوء الشَّمس رمزاً لنورها الذي يميط الظَّلام ويُنير الكَون.

 

 

في المثقف اليوم