مقاربات فنية وحضارية

بورتريه المسيرة والتجربة للفنان الحروفي عبد الرزاق حمودة

ما الفن.. ما اللغة.. وما الكلمات.. من أين تأتي الألوان حاملة شجنها ومواويلها.. ومن أي الدروب تجيئ الحروف وهي ترقص ترقص ترقص.. مثل زنجي قديم.. هكذا تقف الذات الحائرة مثقلة بالأسئلة لا تلوي على غير القول بالجمال تبثه في الجهات..

ثمة نشيد قديم وبهاء وأصوات كلما سافر القلب في الحرف يستكشف خباياه يعلي من شأن الروح في لهوها الجميل.. لهو الطفولة اليانعة تجاه الحرف.. الحرف المليء بالأسرار..

نعم هكذا نمضي في عوالم تجربة فيها الكثير من الحب والسفر والفن.. والأسئلة أيضا حيث الفنان المقيم في الحلم.. في مساحات من سحر الأمكنة.. وهل ثمة أمكنة غير تلك التي تحضن الأسرار والعلامات.

ولع بالفن وله حب جنوني للحرف تشكيلا وروحا وحياة.. وللشعر كوعاء للحروف تبدي ما علق بدواخلها من معان.. وحكايات.. وأسرار.

الفنان الحروفي التشكيلي عبد الرزاق حمودة المقيم بين تونس وسويسرا ظل على عناقه القديم للحرف يستمتع بممكناته الجمالية ويحصي موسيقاه ويتأمل ما ينسكب منه من معارف وآداب وفنون وثقافات.. وحضارة بالنهاية..

مسيرة مميزة في عشق الحرف وتثبيت ما بدا من فنة الحروف على البياض.. بألوانه المميزة والخلابة وبأقلامه من قصب الروح وغيرها.. بأدواته التي تعز عليه في هذه الدنيا.. يسكب أشياءه الجميلة لتتحول اللوحات والاعمال الى ما يشبه السير والملاحم..

فنان حالم ومتحرك وله حضوره الأنيق.. معارضه ومشاركاته تعددت في عديد المدن والعواصم من العالم.. احدث حراكا فنيا جماليا من خلال نشاط جمعيته وملتقاها النيابوليسي الدولي.. فضلا عن مبادراته الثقافية ومنها ما تم خلال شهر رمضان من لقاءات بين الفنانين حيث الفن والمحبة والسلام عناوين لافتة.

تجربة مميزة وحالة ابداعية في مسارات الخط والحروفية.. وحنين للقصائد والشعراء.. ومن ذلك ما حبره فنا على سبيل العرفان تجاه الشاعر الراحل نزار.. طبعا نزار العرب.. نزار قباني.. ".. تحية الى روحك صديقي نزار.كان لنا زمن جميل وسهرات لن أنساها في جنيف.أشعارك رافقتني منذ مراهقتي، واشعارك السياسية دعمت فني وخيالك مطبوع في لوحاتي ومرسمي ورفوف مكتبتي.لقد اخافتهم أشعارك.. لقد قتلوا القصيدة.. لقد دخلت التاريخ من بابه الكبير.. ما من يوم يمر ولا نسمع أغنية من كلماتك على اثير العرب.. فقط أذكرهم بما قلت في المرأة: " انت خلاصة كل الشعر" ، يا ليتهم يعون ويفهمون.. "فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً.. فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ.. كَلِماتُنا في الحُبِّ.. تقتلُ حُبَّنَا.. إن الحروف تموت حين تقال..".

جمع عددا من الفنانين في لقاءات وهو الذي أحبهم وشحعهم وعمل على التغريف بابداعه في حالة كبرى من كرم قابسي نادر.. قابس ملهمته وارضه الأولى تجاه الرحلة الفنية والعالم.. من فكرة لمعت حكايات شتى حيث النظر بعين القلب تجاه الأحوال كشفا واكتشافا وقولا بالتفاصيل تبتكر حميمياتها في عوالم من تلوينات شتى.. ثمة ما يدفع باتجاه الأغاني فالحلم هو العنوان اللافت اذ يلتقي فتية الفنون والابداع والفكر تقودهم رغبة هائلة للاحتفاء.. الاحتفاء المتجدد بالتجارب وأهلها من العاملين في حقول الابتكار والفن والجماليات.. هي الأبواب تفتح حيث الورشات وعوالم الأتيلييه في هيجان الحركة والتلقي.. حركة الفن ودهشة من يزور وهو يتجول بين التفاصيل حيث يشرح الفنان شيئا كثيرا من تجربته وخصوصياتها وما الى ذلك من مناخات شغله الفني وصبره وعناده وكل طقوسه وهو يعارك المادة محتفيا بها يمضي بها الى أعماق نشيده والأحلام لتبدو بالنهاية على هيئات شتى.. لوحات ومنحوتات وخزفيات و.. وحروفيات.. نعم هي فكرة الطفل الحالم الفنان الحروفي المقيم بين سويسرا وتونس عبد الرزاق حمودة.. انطلق في هذا المشروع منذ أيام قليلة ليتخير في دورة أولى أربعة فنانين كان هو من بينهم لنذكر علي الزنايدي وزهير الزدام وهدى الهنتاتي.. فضاءات مختلفة وزوار من أهل الفن والأدب والثقافة في تنقل وفق برنامج مدروس نحتا لتبادل الخبرات والاطلاع والتواصل والاكتشاف.. هي بادرة وسابقة ثقافية تونسية وفعالية نوعية فيها حضور متنوع لأهل الفن والمعرفة والثقافة والابداع ومن الشخصيات الوطنية حيث حميمية اللقاء والتواصل وفق لقاءات تلقائية في جوهر المبادرة " première Porte Ouverte des ateliers d'artistes à Tunis ".. أبواب الورشات والمراسم المفتوحة لفنانين تونسيين في دورتها الأولى.. فعلا وبعد سنوات الجائحة كوفيد-19 التي ما تزال تداعياتها بين الناس وما تطلبه كل ذلك من حذر وحيطة وما شهده المجال الانساني عموما ومنه الثقافي من انقطاع جعل حكاية التواصل والالتقاء صعبة بالنظر للوضع الصحي الاستثنائي.. تجربة وفق مشروع وبادرة يقول عنها الفنان الخطاط عبد الرزاق حمودة باعثها ومنظمها ".. هي ضرب من التواصل الآخر بين الفنان والجمهور بعيدا عن التواصل المألوف عبر القاليريه والمعارض والفكرة من سويسرا " الباب المفتوح " فيها حضور مهم وتشفع بكتاب وهي تظاهرة لها شروطها التنظيمية وأردتها مبادرة تونسية أولى ومن خصائصها أن يطلع الناس على اللوحة والعمل الفني عموما قبل عرضه ويكتشفوا جانبا من حياة وحميمية الفنان.. لقد رغبت في أن أقضي شهر رمضان الكريم هذه السنة في بلدي تونس ورأيت انجاز هذه التجربة وقلت انها مناسبة لرؤية أصدقائي.. ".

نجحت الفكرة في طورها الأول ويعد لأنشطة جديدة ومنها ملتقى نيابوليس الدولي خلال الصيف المقبل وهو بذلك ظل الفنان الجوال المتحرك والأنيق.. مثل حرف الألف في وقوفه الدال..

***

شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم