مقاربات فنية وحضارية

كاظم شمهود: المتشابهات في الفن المعاصر

لو راجعنا الفنون الاسلامية لوجدنا انها فنون متشابهه رغم انها تنقسم الى عدة مدارس فنية وجغرافيات متباعدة، ولكن هذه المدارس ترتبط فيما بينها بعناصر مشتركة وعوامل جغرافية محلية تلعب دورا كبيرا في تمييز مدرسة عن الاخرى، وهذا البحث يحتاج الى متخصصين في الفنون الاسلامية لفرزها وتصنيفها. مثل المدرسة البغدادية والمغولية والصفوية والتركية والهندية وغيرها.

في النصوص الدينية وفي تفسير القران الكريم ورد مصطلحان هما المحكم والمتشابه والمحكم هو واضح معناه ولا يحتمل التاويل الا وجها واحدا اي لايحتاج الى نظر وتدبير وقد ورد في القران الكريم معنى المحكم مثلا (حرمت عليكم امهاتكم) وهذه لا تحتمل الا وجها واحدا اي معنى مفهوم عند الجميع.

اما المتشابهات فهو ما احتمل من التاويل اوجها واحتاج الى تامل وتفكير في الوقوف على المراد، مثلا (يد الله فوق ايديهم) وهنا يحدث التاويل حيث يد الله تعني القدرة ولهذا هناك تاويل للصفة فاليد معروفة عند الانسان ولكن عند الله تعني شيئا اخر..

وقد وصفت المحكمات بانهن ام الكتاب واخرى متشابهات...3098 فنون

في مجال الفنون البصرية نجد هذه المعاني والمفاهيم موجودة في المدارس الفنية الحديثة والتي بدات منذ القرن العشرين حيث هناك محكمات اي المدراس الاساسية والتي تعتبر ام كل الفنون المعاصرة بمختلف اتجاهاتها وفلسفاتها واساليبها، وهذه المحكمات يدور حولها كل الفن المعاصر ومنطلقا الى افاق واسعة وكبيرة.. اما المتشابهات فهي التي ولدت من رحم المحكمات والتي تشكل غالبية فنون العالم اي انها تحمل تاثيرات من المدارس الام وقابلة للتاويل والتفسير. ولا تجد عملا فنيا اليوم الا وهو ينتمي الى احد المدارس الاصلية الحديثة والتي ظهرت في بداية القرن العشرين. ويمكن ان نشبه المحكمات مثل المدرسة الانطباعية والواقعية والتكعيبية والتجريدية والسريالية والمفاهيمية وغيرها..

الا ان مع تطور الانسان على درج التقدم والخبرة الفنية كان لا بد لتلك الاساليب ان تدخل في طور الصقل على ضوء العديد من المحاولات والتجارب التي يقوم بها الفنانون الرواد..3099 فنون

ويمكن ان نصف الفن العربي المعاصر بالمتشابهات اي انه يستنسخ عن المدارس الاوربية الحديثة بمعنى ان فلان الرسام يشبه في عمله المدرسة التجريدية وان الاخر يستنبط عمله من المدرسة المفاهيمية وهكذا.. ولكن لكل فنان خصوصية يمتاز بها عن غيره مثل ضربات الفرشة او نوع الالوان ومواد الخام المستخدمة وغير ذلك. وقد اعترف الكثير من الفنانين العرب بتبعية الفن العربي للغرب ، ولكن الناقد جبرا ابراهيم جبرا ذكر بانه لا ضير ان ناخذ من الغرب ما داموا هم اخذوا منا حضارتنا سابقا.. كما ان فلسفة بعض المدارس الحدبثة بعيدة كل البعد عن المحاكات الطبيعية حيث تشيع فيها الخطوط المستتقيمة والمسطحات اللونية والخطوط المنكسرة او العفوية، اذ هي بهذا التبسيط تعتبر ممثلة لحركة فنية تجريدية تهدف الى اظهار ما هو جوهري ومعنوي وخفي دون تصوير ذلك الجسد الفاني بتفاصيله الواقعية..3100 فنون

و لهذا يكون النقد اليوم في محنة وورطة التصنيف والبحث فاذا كان الناقد ليس لديه خلفيات ثقافية عن تطور تاريخ المدارس الفنية القديمة والحديثة. وخصائصها وفلسفاتها وروادها فمن السهل ان يقع في المحذورات ويكون بحثه ليس فيه مصداقية. وقد وجدنا ان كثير من كتابات النقاد اليوم غالبيتها تتصف بالاسلوب البلاغي اللغوي وكثرة المفردات المنمقة، واحيانا تاخذ صفة الصفصطة ثم تاخذ اسلوب الوصفية بمعنى انه يصف تفاصيل اللوحة تاويلا وتفسيرا من الفكرة الى التقنية.. وهو يذكرنا باسلوب نجيب محفوظ في كتابة رواياته حيث تتصف بالوصفية اي انه يصف بطل الرواية من الراس الى القدم.... يقول المفكر الانكليزي هربرت ريد مازال النقد اكثر بعدا عن الدقة الفلسفية بحكم كونه في اصوله وتطوره امتداد لمراحل تطور النقد الادبي..

كما لاجظنا من المفارقات الغريبة ان بعض الطلبة في الفنون الجميلة يعملون مشروع رسائل الدكتوراة عن اعمال اساتذتهم؟ ولا اعرف اي مسوغات تدعو الطلبة الى عمل هكذا لون من الرساءل اذا كانت اعمال الاساتذه هي مستنسخة من رواد الفن الحديث اي تقليد للمدارس الاوربية الحديثة ؟؟.

***

د. كاظم شمهود 

 

في المثقف اليوم