كتب واصدارات

علي المؤمن: حول كتاب: القانون الدستوري والنظام السياسي في ايران

المقال التالي يطرح خلاصة لمنهجية كتابي الجديد "القانون الدستوري والنظام السياسي في ايران" وموضوعاته وأفكاره، والذي صدر في ستة فصول و(305) صفحات، عن دار روافد ومركز دراسات المشرق العربي في بيروت، في آذار/ مارس 2023.

يعد القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي أفرز دستورها الحالي؛ النموذج التطبيقي، الوحيد ربما، للقانون الدستوري الإسلامي الحديث، ولذلك يمكن اعتماده عيِّنة علمية للبحث في موضوع القانون الدستوري الإسلامـي، ونشـوء قواعـده وأحكامه، والمقاربة بينه والقانون الدستوري الوضعي من ناحية الأشكال والمضامين. والسبب في ذلك يعود إلى أن القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة وعميقة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية، وقد تبلورا عبر سنين طويلة وبجهود مئات الفقهاء وعلماء القانون والسياسة.3016 القانون الدستوري

وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، وخاصة في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية والعملية، بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

وحين استهل الإيرانيون عملية تقنين الفقه السياسي الإسلامي بكتابة دستور دولتهم الجديدة؛ لم يكن بين أيديهم من قواعد تقنين ومبادىء قانونية دستورية ونصوص دستورية؛ سوى المحاولات التي رافقت تدوين دستور المشروطة في إيران في العام 1906، ثم مرحلة دستور الدولة العثمانية الذي أعيد إقراره في العام 1908، وجهود فردية وجماعية محدودة لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية (سنية وشيعية)؛ في مقابل كم هائل من تجارب القانون الدستوري المتكاملة في أوروبا، والتي تعبِّر عن خبرة تراكمية بدأت قبل عصر النهضة الأوروبية بقرنين تقريباً. ولذلك كان لابد من المرور بالمراحل المنهجية الثمانية التي تحدثنا عنها في كتابنا "الفقه والدستور"؛ لكي يخرج دستور الجمهورية الإسلامية إلى النور.

لقد استندت نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جملة من المباديء الأساسية؛ أهمها:

1- أن الدولة الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات القانونية

2- يتساوى الجميع أمام القانون، بدءاً برئيس الدولة (القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي

3- هذه الدولة وسلطاتها تستند في شرعيتها الدينية إلى الأصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفي مشروعيتها القانونية الى إرادة الشعب

4- إنها دولة دينية - مدنية، أي أن الإنتماء إليها هو انتماء سياسي- قانوني وضعي من جهة، بصفتها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي، وكذلك الإنتماء العقدي الخاص بالايديولوجية الإسلامية الشيعية من جهة أخرى.

5- إنها دولة الشورى، التي لايستبد فيها الحكّام بقراراتهم، بل يستندون إلى الشعب في ذلك، عبر المؤسسات الشورية المنتخبة، التي تبدأ من قمة الدولة وحتى أدنى مستويات عملها، وأن دستورها يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه.

6- إن جميع قوانين الدولة هي قوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية، بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة.

وتتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الإسلامي والوطني؛ فمصدراه الأساسيان هما: القرآن الكريم وسنة الرسول وآل بيته، ثم المصدران الكاشفان: الإجماع والعقل، بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، من أجل الإستجابة لمتطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية. ثم تأتي المصادر الأخرى المتفق عليها تقريباً في القوانين الدستورية العالمية، وفي مقدمها وثيقة الدستور، ثم أحكام رئيس الدولة (القائد) وقراراته. وتعد أحكام رئيس الدولة الإسلامية ذات خصوصية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية، تبعاً لطبيعة المنصب الذي يجمع بين البعد الزمني بصفته رئيساً للدولة، والبعد الديني بصفته الولي الفقيه الحاكم، ومايترتب على مبدأ ولاية الفقيه العامة (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من حقوق وواجبات مناطة بالولي الفقيه.

***

د. علي المؤمن

في المثقف اليوم