روافد أدبية

عبد الهادي الشاوي: مقامة الجسر

قال صاحبي سمعتهم يقولون لا يتآخى الجرفان إلا بجسر يربطهما، ولقد رويت يوما حكاية الجسر ولي شوق في استعادتها، فما زال عبق الماضي لا فارقني وشدة تعلقي به تنادمني وما تقوله يعجبني!

فقلت: ويحك أما علمت بأني اكره الاعادة، حتى وإن خلطت بالاستفادة، لكني خضعت لطلبه واستجبت لرغبته، فقلت:

ياصاحبي أنت لا تدرك ما يقول الجسر، ولا تحس له عسر أو يسر، تنظر إلى الأمام وتتحاشى الوقوف في الازدحام، كأنك لم تصنع مما صنع، وتثقل في حالتي الحزن و الشبع، يعجبك مظهره  ولا تستطيع حَمل وزره، أ لا ترى أنه يسمعنا حين نهجوه، أو نمدحه، لا يؤاخذنا بما نقول، ونحن على ظهره نصول ونجول، قد عبرنا باحلامنا عليه، وعلقنا بعض حاجاتنا على كتفيه، صامت حتى عدت الاقوام عليه، فرايته يجود بنفسه، ويلم أضلاعه ورسمه، لا من ذنب ارتكب ولا من خطيئة أو سبب، لكن من اطلق عليه النار غريب متكبر غدار، لقد كره منظره وفعله فاراد هدمه أو قتله، فقد سمعت يوما انينه وطار جزء ثمين من قوامه حتى حط في باب داري بوقار، وداري بعيدة عنه مئات الامتار وتحيطها النخيل والأشجار لقدعلمني ما تعنيه الحروب والدمار، فضممت تلك القطعة إلى قلبي

ودعوت ان يرعاه ربي، فقام بعد جرحه من جديد  مضمدا بالاسمنت والحديد، منحني الظهر عصى عن الاذلال والقهر، فعبره الطيبون والمفسدون من الناس وها أنا أحدثك عنه بقليل  َمن الوصف وكثير من الاحساس!!!

***

د. عبد الهادي الشاوي

 

في نصوص اليوم