روافد أدبية

رنا خالد: صديقتي سعاد

جلستُ امام حاسبتي، شاردة الذهن، اكتب، ثم امسح، اطارد فكرة شاردة، لكنها عصية على الاصطياد.. يا اللهي.. هل ما امر به، هو ذهول، ام شعور بالعيش في المكان الخطأ..

استعرضتُ يفاعتي، حيث ضحكات من حولي من اخوتي واخواتي ودلال امي لي، واستذكرتُ ومضات من احاسيس المراهقة التي لم اعشها، كما عاشتها من اعرف من قريناتي، كنت ذكية كما يردد اهلي وزميلات الدراسة الاولية ومعلماتي، وكان هذا الامر يفرحني، لكن الذكاء بلا طموح كالطير دون اجنحة.

اغلقت حاسبتي، دون ان اكتب شيئا.. وتوجهت الى مكتبتي الصغيرة، فسحبت كتابا منها، ثم هيأت فنجان قهوة من التي احبها، وبدأت اقرأ.. صفحتان فقط، ثم هجم عليّ الملل، فأغلقت الكتاب، واهملت ارتشاف القهوة.. وبت ادور في غرفتي الصغيرة، لا اقوى على فعل شيء.. فرميت نفسي على اريكة ملساء آذتني كثيرا..ما العمل ؟ تساءلت: كيف انهي هذا الوقت المليء بالقلق.. لم اجد جوابا.

عدتُ الى حاسبتي.. وبدأت اصابعي ترسم حروفا.. والحروف تتجمع كلمات، فولدت ما اسميته قصة، دون ان اخطط لذلك، فتنفست الصعداء مع بطلة قصتي التي اسميتها " سعاد".. واصبحت صديقة لي، فأنني اراها الان جالسة أمام المرآة، تحدّق في وجهها كما لو كانت تراه لأول مرة. لم يكن وجهًا غريبًا، بل وجه امرأة صبورة، قوية، تخبئ خلف خطوط السنين ألف حكاية لم تُروَ بعد.

همست لنفسها: "اربعون سنة... هل هذا كثير؟ أم أنني وصلت فقط إلى البداية الحقيقية؟"

أجابتها نفسها في مرآة القلب:

– "لقد أعطيتِ الجميع يا سعاد، ولم تبخلي على أحد. ألم يحن الوقت لتُعطي نفسك؟"

عادت الذكريات سريعًا، ماذا كانت تتمنى، ثم قالت في صوت خافت:

– "كنت أحلم أن أكمل تعليمي، أن أحصل على تعليم عال، أن أكتب بحثًا يحمل اسمي...

ردّت عليها روحها التي لم تخنها أبدًا:

– "لأنك كنت تؤمنين أن لكل وقتٍ أولوية... وقد آن أوانك."

سعاد نهضت، فتحت درج مكتبها، وأخرجت ملفًا قديماً كُتب عليه بخطّها: "مشروع البحث – مؤجل". ابتسمت وهي تلمسه وكأنه كنزٌ نسيه الزمن.

– "لم أعد صغيرة، صحيح... لكنني ما زلت أملك عقلاً ناضجاً، وخبرة لا تُشترى. وما دمت أتنفس، فأنا قادرة..

كانت تلك الليلة بداية فصلٍ جديد في حياتها، لم تدرِ كم سيستغرق، لكنها كانت متأكدة من شيءٍ واحد: الوقت... صار لها.

فلم تسمح لليأس أن يُطفئ نار الطموح..

وفعلا..لا يأس مع الطموح، فمن يملك الحلم والإرادة، يملك القدرة على تغيير العالم.

وبدأت صداقتي مع سعاد، ولا اظن إنها ستنتهي !.

***

قصة قصيرة

رنا خالد

في نصوص اليوم