حوارات عامة

القاص والمسرحي المغربي عبد الجبار خمران... في ضيافة المقهى؟؟!

:« للكتابة الحق في شرب القهوة أيضا»، من أجل التعرف على  علاقة المبدع المغربي عبد الجبار خمران  بفضاء المقهى كان الحوار التالي...

 

سؤال لابد منه.. من هو عبد الجبار خمران؟

- والجواب الذي لا بد منه: "ولد جامع الفنا" الساحة المحتفلة بالمسرح والسرد والشعر والغناء..الخ والحافلة أيضا بالمهمشين والصعاليك الخارجين عن "القبيلة" هل قلت القبيلة أقصد المدينة.. مولع بالمسرح عندما يشيد منطقة جنون ويرفع مظلة سحر ويقنع الفرد العادي بأنه ضروري مثل الحمام والفرن والمقبرة.. وبالقصة عندما ينطبق عليها وصف أحمد بوزفور: "بدلا من النبي الرائي المُلهم، تهتم بالفرد العادي، الناقص، المنبوذ والمهمش... وبدلا من الحاجات الضرورية للإنسان العادي تهتم القصة بأحاسيسه الصغيرة، القصيرة، العابرة، النشاز"

 

كيف تورطت في عالم الكتابة؟ 

- كم هذه "الكيف" مؤرقة.. لست أدري لماذا كنت دائما أحلم بان أكون شاعرا. تخلى عني الحلم الآن. ومارست المسرح حد الجنون. أما خربشاتي الأولى فشاهدة على ارتكاب الشعر.. ربما كانت الكتابة -  وما زالت-   نافذتي على العالم.. بمعنى أنني) أحاول (فهم الكثير من الأمور وأنا أكتب عنها.. كما أنني أعتبر الكتابة مستوى معين من القراءة فلا أحد يكتب على بياض.. وربما أيضا لأن الظروف التي لم توفر إلا حيزا ضيقا من الممارسة المسرحية حولت تلك الطاقة الكامنة إلى كتابة.. فنحن أيضا مثل الطبيعة نخشى الفراغ..

 

ما الدور الذي يلعبه النشر الالكتروني في حياة المبدع المغربي؟

 - يحضرني هنا ما قلته ذات مقال : "العديد من المواهب الثقافية والأدبية تنتصب نصوصها الإبداعية إلكترونيا أكثر منها ورقيا.. والعديد من المبدعين تعرفنا عليهم وعلى كتاباتهم الشعرية والأدبية والمسرحية عبر الشاشات الرقمية قبل أن نتصفح إبداعاتهم بين دفتي كتاب.. فالشبكة العنكبوتية لعبت وتلعب دورا معتبرا في إيصال صوت هؤلاء".

بل عديد من الكتاب شجعهم النشر الإلكتروني بالعودة وبقوة إلى الكتابة بعد أن هاجروها. وشخصيا تعرفت وأجريت حوارات وتواصلت مع كتاب ومبدعين من مختلف بلدان المعمور عبر الأنترنيت. الشبكة العنكبوتية وأنهار الويب الجارفة أمدتنا بنصوص وأسماء بلا حسابات إيديولوجية أو تحريرية "احتكارية".. والنشر الإلكتروني جعل المبدع المغربي يصل إلى قراء محتملين، موزعين على مساحة جغرافية لا حدود تقيدها أو تحد من اتساعها.

 

ماهي طبيعة المقاهي في باريس وهل من اختلاف بينها وبين المقاهي المغربية؟

- كلما ذكرت كلمة "مقاهي" مقترنة بمدينة مثل باريس يتسرب إلى مدلول الكلمتين سحر ما.. سحر تضفيه الأماكن التي تتواجد بها المقاهي كالحي اللاتيني وسان ميشيل وسان جرمان وسان لازار ومونبارناس وشانزيليزي وساحات لاباستي وشاطلي ولاريبيبليك) الجمهورية (وعلى ضفاف نهر السين...الخ مقاهي الأماكن المذكورة في مدينة باريس تحافظ على عذريتها باستمرار مهما ترددت عليها طيلة مدة إقامتك بالمدينة.. وبالمقابل هناك مقاهي شعبية بالضواحي وبالأحياء العتيقة مقاهي بنكهة باريسية أكثر حميمية تشملك بالألفة بعيدا عن "الزواق" والاكراهات السياحية.. والأجمل تلك المقاهي التي تعتبر الكتب والأنشطة الثقافية والأدبية مشروبات أخرى، للزبون المتذوق، منها الساخن والبارد والمسكر والمعتق...

وعن الاختلاف بينها وبين المقاهي بالمغرب، أعتقد أن بعضا من مقاهينا المغربية تسير بخطى حثيثة لتصل إلى مستوى المقاهي بباريس لكن ما تزال الكثير منها فضاء لتجمهر هواة النميمة والتبركيك وشنق الوقت...

 

لعبت المقهى دورا مهما في المجالات الإبداعية والثقافية والسياسية خلال القرن الماضي، فهل مازالت تحتفظ بهذا الدور؟

- لا أعتقد أن المقاهي مازالت محتفظة بدور الفضاء الحاضن لتفريخ الجماعات الثقافية والاتجاهات الأدبية كما كان عليه الحال في الغرب أو حتى في الشرق.. أكيد أن بعض المثقفين يجدون في المقهى ملاذا وفضاء للنقاش الأدبي والفكري والسياسي خاصة. لكن المقهى في زمن العولمة شأنها شأن كل الفضاءات الاجتماعية تحكمها ثقافة الاستهلاك وتفريق اللغا و تقرقيب الناب وتزجية الوقت. إذا كان المسرح كفضاء لم يعد له الدور المهم في المجالات الإبداعية والثقافية و السياسية كما كان عليه في القرن الماضي فما بالك بالمقهى.. لكننا نبقى محكومون بالأمل على حد تعبير الراحل سعد الله ونوس.

    

هل للمقهى حضور في نصوصك الإبداعية؟ وهل هناك علاقة بينك وبين هذا الفضاء؟

 

- للمقهى في نصوصي القصصية حضور طارئ أو عابر.. أغلب الظن أن ذئبا شرب القهوة بمقهى أحد النصوص الأخيرة وقد ضايق غزالة تمشي الهوينى على الرصيف.. قد تجدين ما يدل على المقهى دون ذكرها كالنادل مثلا. وهناك حضور لمطعم الأكلات الخفيفة أو علبة ليلية أو حانة..

أما عن العلاقة.. فالمقاهي التي أرتادها لابد أن تنضح الجدران والكراسي والطاولات بألفة ما حتى تتولد الرغبة في التردد عليها وفي الأغلب يكون لشخصية النادل دور حاسم، و إلا فمرة واحدة ولا عودة.. كما أنني أحب أن أقرأ في المقهى إذا لم يكن هناك من رفيق طبعا، وقد شهدت بعض المقاهي ولادة العديد من النصوص، فللكتابة الحق في شرب القهوة أيضا.

 

 ماذا تمثل لك: الورقة، الطفولة، الحرية؟

- الورقة: بياضها مثل ظلمة القبر.. لا أحد معك وأنت تواجهها.

الطفولة: ونحن نبدع لا نفعل شيئا آخر غير قراءة صفحاتها التي كتب عليها كل شيء.

الحرية: بدونها لا نستطيع كتابتها.. كلمة تداري في بطنها ما لانهاية من النوافذ المشرعة.   

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

- كتب، لوحات تشكيلية، ندوات، لقاءات فكرية، أنشطة ثقافية وعروض مونودرامية) ممثل واحد (المسرح كما اراده برتولد بريشت ونظر له : مسرح  مع الناس وبينهم وهم يشربون القهوة.. أفرح كثيرا وأنا أتجول في مدن فرنسا و أجد مقاهي بهذه المواصفات.. أو لمجرد أنها تحمل اسم  "مقهى شكسبير" أو "موليير") عمرها يناهز مائة وخمسين عاما (.. وكم سيكون فرحي عارما عندما اسمع بمقهى مغربية سميت بأحد أسماء مسرحيينا ومبدعينا بدل أسماء بلا مرجع أو أساس..

لكن مقهى نموذجي لا بد له من إرادة نموذجية و رواد نموذجيين أيضا..

 

أشكرك المبدعة الأصيلة فاطمة الزهراء المرابط على جمال القهوة التي يشربها العابرون من دربك هذا.      

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1307 الخميس 04/02/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم