حوارات عامة

الشاعر الكردي العراقي جوتيار تمر... في ضيافة المقهى؟؟!

بين المبدع والمقهى كان لابد من الحوار التالي...

 

سؤال لابد منه... من هو جوتيار تمر؟

- جوتيار تمر صديق من مواليد مدينة العمادية التابعة لمحافظة دهوك الواقعة في كردستان العراق، وهي مركز قديم لأمارة بادينان، ولدت في 14 يوليوز 1972، أكملت دراستي الابتدائية والمتوسطة في نواحي تابعة لقضاء العمادية، دخلت معهد إعداد المعلمين في عام 1987، وأكملت دراستي فيها في 1992 وحصلت على شهادة دبلوم في اللغة العربية والعلوم الاجتماعية والألف باء، وفي 2000 قدمت إلى الجامعة وقبلت في كلية الآداب / قسم التاريخ/ وأنهيت دراستي فيها في 2004/2005 وحصلت على شهادة بكالريوس، والآن أنا طالب ماجستير تاريخ العصور الوسطى في جامعة دهوك كلية الآداب، أنهيت الكورسات وأعمل على جمع المادة لرسالتي.

نشرت بعض كتاباتي في مجلة "ألف باء" العراقية باسم نينوس، ثم بدأت عصر النشر والكتابة الحقيقي في أعوام 1995/ 1996 حيث حينها كان قلمي قد نضج نوعا ما لغويا، لكوني كنت أكتب باللغة العربية وهي ليست لغة الأم بالنسبة لي لكوني كردي، ونشرت عدد لابأس به من الخواطر في مجلة "نجم بيث نهرين" الصادرة عن المركز الثقافي الأشوري، وكتبت مقالات عديدة ونشرتها في جريدة الاتحاد التابعة للحزب الإسلامي الكردستاني الملحق العربي، وكذلك كتبت في جريدة "داهينان( الإبداع ) الطلابية" وجريدة "ئاينده (المستقبل) المحلق العربي"، وكتبت أيضا في جريدة "التآخي" التي تصدر الآن عن دار التآخي، وجريدة "الأهالي" التي تصدر في بغداد، وجريدة "نيشتمان (الشعب)"، تركزت اغلب الكتابات عن الوضع الراهن، والآثار النفسية والاجتماعية، وكذلك الوضع السياسي، ونشرت عدد من القصائد والمسرحيات في عدد من المجلات بالأخص مجلة "كولان العربي"، التي كانت أكثر انتشارا من غيرها حيث كتبت نصوص مسرحية فيها، وكتبت في مجلة "زاخو"، ومجلة "نوزين"(بثلاث نقاط الزاء) وتعني الحياة الجديدة، وكتبت في مجلة "جريسك (الشرارة)"، كما أصبحت مقالاتي تترجم للغة الكردية من قبل جريدة "جادوير( المراقب)" حيث لاقت ردود فعل متضاربة، ومن خلال المسيرة الكتابية كنت قد ساهمت في إصدار أكثر من منشور، مثل منشور خه تير( الشعلة) ومنشور آخر أصدرته مع بعض الأصدقاء في الكلية باسم الفكر الحر(هه زرا ئازاد) لكنه منع من النشر بعد صدور عددين فقط، لي بعض الدراسات والقراءات النقدية منشورة في مجلة "بيفين(الكلمات)"، وفي المنتديات على النت، وقبل مدة صدر في تونس ديوان شعري مشترك بيني وبين الشاعرة الرائعة ضحى بوترعة تحت عنوان (دم ميديا وسقف قرطاج).

 

ما هي الحوافز التي جاءت بك إلى عالم الإبداع؟

- في البدء أود أن أشير إلى نقطة هامة هي التي كانت دائما الحافز لي للمضي إلى عتبات الإبداع، مع أني لا أجد نفسي مبدعا بقدر ما أنا إنسان يريد أن يقدم شيئا، ليعبر عن وجهة نظره تجاه العالم، بكل تناقضاته، وتحولاته التي دائما ما أرى بأن الإنسان الذي هو خالق هذه التحولات والباعث لهذا التناقضات وضحيتها أيضا، يقول عبدالله البردوني: «الإبداع هو الذي ينقلك إلى عالمه وتشعر أنك انقطعت عن عالمك كذلك هو تجربة جديدة لرؤية جديدة تعبيراً وتفكيراً..».

 وأظن أن التفكير هنا أهم من التعبير والرؤية  أهم من الشكل، لأن الإبداع قد يأتي في القليل، قد يأتي في أي مكان من الأمكنة، فالإبداع هو الدهشة كظاهرة كونية غير مألوفة، ومفاجئة، تقرأ القصيدة كأنك أمام مفاجأة لم تتوقعها ولم تتوهم احتمالها، هذه كانت حافزا قويا لي بأن أفكر بالكيفية التي يمكنني أن أقدم بها ما لدي، ولا يمكن فصل أي إنسان كان عن واقعه، فكيف بكاتب، الكاتب عين واقعه، وأنا لكوني كردي أعيش كردستان العراق فقد جعلني واقعي بصعيديه الإنساني والقومي، أعيش حالة من التشظي، تلك الحالة دفعتني كثيرا إلى البحث عن سبل لأن أضع بصمة ولو بسيطة على واقعي ولو بكلمة هنا أو هناك، عبر مجلة أو جريدة، أو منشور، أو حتى ندوة، لعلي بهذا أقول بأن الدافع الشخصي الذي أراد أن يخرج من قوقعته الذاتية أولا، ومن ثم الواقع العياني، هما من السبل التي دفعتني لسلك هذا الاتجاه .

 

كيف تقيم الوضعية الثقافية في العراق في ظل الحصار والصراعات السياسية القائمة؟

- العراق الآن صوت اله جريح، اله فقد مجلسه، فقد كل من حوله، أصبح هو الإله المتفرد، يعيش العزلة والوحدة في نفسه، في محيطه الآسن، والوضع الثقافي فيه أصبح وليد الحالة التي يمر بها، وتحولت الثقافة تحت نصب السياب، البياتي، الملائكة، الحيدري، والجواهري، والنواب، وشيركوس بيكه س، وعبدالله كوراني، وبدل رفو، إلى نصب لذبح القرابين، وسفك الدماء، وسلب الحياة، العراق الآن أصبح يشكل في الواقع حلقة استثنائية، سواء على المستوى الخاص، أم العام، السماوي، الأرضي، العراق الآن ينوح، لكنه في نواحه يردد تبا لمن ينعي وجودي بكلمة، ويمد يده ليمسح الغبار من على كتفي، الوضع الثقافي الآن وجهه شاحب نازف، تغيرت الموازين فيه إلى تبعية تامة للعرقية والعصبية القبلية، والطائفية، فكل حزب هنا بما لديه فرح، وقلة هم من يحاولون لم الشمل  تحت خيمة وحدوية، لذا تقييم الوضع الثقافي بعيدا عن هذه الأمور لا يمكن أن يتخذ صفة الصحة، بالأخص وأن العراق يعيش حالة استسلام لأمرين الواقع الخارجي المفروض عليه بالتواجد الأجنبي المحتل، والثاني التفرقة الداخلية التي هي مخاض للسياسات السابقة، وهذا ما يجعل الثقافة نفسها تعيش حالة انصياع للوضع كما هو عليه، وفي جانب آخر تمرد عبثي متشظي غير عابر عن الرأي العام الوحدوي، وهذا كان يجعلني أقول هل العراق بخير، حتى يكون المشهد الثقافي بخير...؟

 

ماهي طبيعة المقاهي في العراق؟

- المقاهي في العراق تحمل طابعا دراميا منذ عقود سابقة، وهذا الطابع الدرامي نجده بكثرة في القصائد، والأغاني، والبوذيات، وحتى الأغاني الفلكلورية العراقية بصورة عامة والكردية بصورة خاصة، وتعدى الأمر إلى تصويرها ضمن في الأغاني الحديثة، ولعل أغنية "تتبغدد علينا" للساهر تعبر عن إحدى سمات المقاهي والتي أراها تحمل هذا الطابع الدرامي، فنحن نرى في أغلب الأحيان بأن المقاهي تحتل مكانا خاصا على رأس الشوارع أو الفروع الداخلية وغيرها من الأماكن التي يمكن من خلالها رصد المارة، فتكثر الأحاديث، وتعلوا الأصوات، فهنا صوت استكانة جاي، ودخان سكاير ونركيله، وهناك صوت شيخ يدخن ويكح، وصوت شباب يتسامرون ويتناقشون في أمور خاصة وعامة عاطفية دراسية سياسية اجتماعية، وفوق الأصوات كلها نسمع في بغداد مثلا صوت القبنجي، ويوسف عزيز، وفي السليمانية واربيل صوت حسن زيره ك  وفي دهوك صوت محمد شيخو أو محمد عارف، ويهم يصدحون بأغانيهم العاطفية والوطنية، وأصوات السيارات وهي تمتزج بالأصوات في الداخل، كل هذا يحول المشهد إلى لوحة بديعة تستكين النفس له.

 

ما رأيك في العلاقة الحميمية بين المبدع و المقهى؟ و هل لك علاقة خاصة بهذا الفضاء؟

- في الظروف الاستثنائية بلاشك تخلق المقاهي نوعا من التواصل بين المبدع والمحيط، وهذا بدوره يعيد تشكيل الكثير من المفاهيم المتاخمة في ذاكرته ونفسه على حد سواء، بحيث تصبح العلاقة هذه ضرورة كي يستطيع إبراز هذه المفاهيم والرؤى الذاتية وإيصالها للمحيط، أنا أتحدث هنا عن الوضع الاستثنائي بالأخص، لأن المبدع يعيشه بطريقة استثنائية أيضا، فهو المستهدف وهو المنارة في الوقت نفسه، والمقاهي في العراق تجذب دائما الفئات والشرائح الاجتماعية المنوعة، وليس من مكان آخر يمكنه أن يجمع هذه الفئات غير المقاهي، والغريب أن أغلب رواد المقاهي في الآونة الأخيرة هم من الطلبة، ومن المثقفين، ونجد أحيانا يرافقهم القليل من البطالة والشيوخ، مع أن مستوياتهم الثقافية متفاوتة لكن يجمعهم واقع واحد، وظروف متشابهة إلى حد كبير، لذا نجد الكثيرين من المثقفين يبنون آرائهم ورؤاهم وفق معطيات يرونها ناتجة عن هذه الفئات الاجتماعية والتي تمثل العام وليس الخاص، أتذكر أني في إحدى المقاهي في بغداد قبل ثلاث سنوات تقريبا استمعت إلى حديث موظف متقاعد، تحدث عن قصة أسرة في إحدى الأحياء القديمة في بغداد، مما حدا بي إلى جعلها قصة بعنوان(زقاق في مدينة الآلهة) لم تنشر بعد، وهذا ما يجعلنا نعتقد بأن أغلب المقاهي تمثل حالة خاصة بالمنطقة التي تقع فيها، وهي مصدر إعلامي أكثر واقعية من المصادر الإعلامية الأخرى، التي تزين الخبر للمشاهد من أجل الكسب المادي أولا ومن ثم جزء من الحقيقة.

أما علاقتي بالمقاهي فهي لابأس بها، لكن حتمية الدراسة وقلة السفر، أمران غيرا مسار علاقتي بها، لأني مواكب على الدراسة والقراءة منذ فترة طويلة ومتواصلة، لكن هذا لا يمنع أني أحاول التملص أحيانا لأجلس في إحدى المقاهي، مثلا مقهى موجود في شارع المحكمة في دهوك، أو مقهى الكرم في الموصل، أو مقاهي شارع السعدون في بغداد، وغيرها من المقاهي التي تتملئ محافظات العراق بها.

 

هل تعتقد بأن المقهى مكان ملائم للإبداع وممارسة الثقافة؟

- الاعتقاد أمر صعب، لأننا هنا نتحدث عن ظرف خاص، بلد ليس كغيره من البلاد في المنطقة، فنحن منذ عقود نعيش حالة من التيه الذاتي الداخلي، والصراعات اللامنتهية والحروب المدمرة، التي راحت ضحيتها الملايين من أبناء الشعب، لذا أن نرى المقاهي مكان ملائم للإبداع أمر صعب، لان الإبداع نفسه تحول في أحيان كثيرة إلى ورقة رابحة بيد السلطة، وفي أحيان أخرى بيد الطوائف والعرقيات والمذاهب، لكن ما يمكنني أن أقوله وأؤكد عليه، هو أن المقاهي كانت منفذا للمبدعين في تمرير ما يخالج أنفسهم من أفكار ورؤى إلى الآخرين، ولعل هذه خطوة في مسار الإبداع نفسه، والإشكال الذي يجعلني أضع الإبداع هذا ضمن جغرافية محددة، هو نمط الجغرافية نفسها، حيث الظروف تحتم على الانكماش أحيانا بسبب اللا استقرار وانعدام الأمن، ومع ذلك ظلت المقاهي تمارس هوايتها في جذب المثقفين، لكن دون إيجاد سبل لتوسيع الرقعة الجغرافية.

 

ماذا تمثل لك: الحرية، الكتابة، الطفولة؟

- الحرية: الإنسان، تعجبني مقولة سارتر التي تشير إلى أن الحرية هي الشيء الوحيد الذي فيه الإنسان ليس بحر.

الكتابة: ممر إلى عوالم الإنسان.

الطفولة: البراءة الوحيدة الباقية على المعمورة، مع أن بعض الأيادي القذرة امتدت لتفسدها أيضا، لكنها تبقى البراءة.

 

كيف تتصور مقهى ثقافيا نموذجيا؟

- هذا المقهى في البدء يحتاج إلى جو نموذجي، والجو هذا لا أقصد به التغيرات المناخية، إنما الوضع العام للبلد، إذا توفر الجو النموذجي يمكن خلق مقهى ثقافي نموذجي، فيه يجتمع المبدعين ويلقون ما في جعبتهم من أفكار ورؤى ومخالجات، فتصير قبلة للمتابعين، ولعل ما يمنح الروعة للمقاهي هذه أن تلقى آذان صاغية من المعنيين بأمور الثقافة والإبداع، لرصد الطاقات هذه وتسخيرها بشكل يؤهلهم لمواكبة الركب الحضاري، هذا ما يمكن أن أجده نموذجيا في مقهى .

وفي النهاية اشكر العزيزة فاطمة الزهراء، على منحي هذه الفسحة لأعبر فيها عن بعض ما يعتريني، وبعض ما هو أنا، وأتمنى لها دوام التوفيق والإبداع.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1251 الاربعاء 09/12/2009)

 

 

في المثقف اليوم