حوارات عامة

راضي المترفي يحاور الروائي تحسين كرمياني

- الفيسبوك مدرسة أهلية مجانية بلا مناهج تعليمية، مساؤه أكبر من فوائده

-أسوأ كلمة سمعتها في حياتي هي كلمة الشهرة

- أصل الكلمة كَرميان بتشديد الكاف تعني الدافيء باللغة الكردية

- خلقنا لنعيش حيتنا العبث والفوضى والمزاح وقليلٌ من الجد

- من غير سخرية تغدو الحكاية طعام بلا ملح أو توابل.

- لم أعمل بالسياسة، مسالم، طبيعة عملي حببني للجميع

عراقي عجزتُ عن قص أثره، وتحديد البداية، ففي جلولاء قد تكون هناك الولادة وبعض طفولة، وفي محافظة واسط ميعة الصبا وشغف القراءة، وفي خانقين هوس الأصول والجذور وعطل الحياة المدرسية في الحقول اليانعة، لكن من المؤكد أن في كركوك العمل والسكن الحالي بعد جولات مكوكية من تنقلات سكنية بلغت أكثر من 26 بيتاً وتواجد الأهل والعائلة، وفي بعقوبة العمل ولقاء الصحب في السراي القديم والبدء برحلة المتاعب الأدبية، وفي كفري جذور العائلة والهجرة القسرية وقرب موقع العمل الحالي، وبين أروقة الثقافة اسم ونتاج وروايات وقصص ولواذع فيسبوكية، ينقد نفسه قبل الآخرين، غايته التحفيز لا التقليل والتنقيص من الشأن، متهكم طريف وساخر ممزوج بالمرارة تارة وطوراً بالجمال، أنه القاص والروائي والمسرحي تحسين كرمياني، المنحدر من أرومة كردية، والمترعرع في أحضان اللغة العربية، لا أبالغ اذا أدعيت أنه مع الشاعر إبراهيم البهرزي يشكلان أبرز أديبان موسوعيان في محافظة ديالى، ورغم أني لم أعلمه بنيتي في محاورته، هل يرغب بذلك، أو لا، قررت طرح أسئلتي عليه، وتضييق مسألة الخيارات بين الرفض والقبول عليه. وكان القبول.

***

* هل أصبحت مشهورا؟ أم لازلت تسعى إلى الشهرة؟

ج: سأقول لك بكل صراحة، أسوأ كلمة سمعتها في حياتي هي كلمة الشهرة، أتمنى أن تزاح هذه الكلمة القبيحة من القواميس، لن أسعى لها أبداً ولن ألهث خلفها فهي عجوز شمطاء خرجت من خدمة الغزل، إنها متاهة، أكتب ما يريح مزاجي ويستهدف قلب الهدف الذي أريد، عجبني قولاً لا يحضرني قائله هذه اللحظة رغم أنه مدون ضمن دفاتري القديمة، يقول قائلها: ’’ما أغبانا ونحن نلهث خلف الشهرة، وحين نحصل على الشهرة نحاول أن نتوارى عن أعين الناس!‘‘

* ماذا يعني (كرمياني) لغة؟

ج: أصل الكلمة كَرميان بتشديد الكاف، لأن في اللغة الكرية الحركات حروف، وتعني الدافئ، والياء تلصق بالكلمة للصفة، وكَرميان هي الجزء الثالث من جغرافية الكورد، حسب التقطيعات السكانية، منطقة باهدينان؛ تشمل أكراد تركيا ودهوك وأربيل، ومنطقة سوران؛ تشمل السليمانية وكركوك، أما كَرميان؛ تشمل بقية الكورد من ديالى وحتى الجنوب، كونها منطقة دافئة خلاف المناطق الشمالية المعروفة بالبرودة، لذلك سميت كرميان، كلمة كَرم ـ بتشديد الكاف ـ الكردية، أي دافئ.

* هل تتشابك عندك المفردات عندما يتنوع جلساؤك؟

ج: لا بد من ذلك التشابك المتعمد الذي يمنح الجلسة سرورها، نحن كعراقيين خلقنا لنعيش حيتنا العبث والفوضى والمزاح وقليلٌ من الجد، القوانين لا تليق بنا رغم أنها عدالة العيش، أقولها صراحة، لا نحب القيود، هكذا أجبرتنا السياسة المتلونة، لكن يبقى مجتمعنا مجبول بالأخلاق الحميدة والتماسك العشائري والأصالة والغيرة المتفجرة، لكن الديموقراطية الغربية جاءت لتفكيك تراثنا، وتدمير حضارتنا، وإخراجنا من حيز الأخلاق الحميدة، ودعبلتنا في متاهات لا نهاية لها، بعض القيود تحجم مديات حريتنا، والمعدن العراقي مرن، زئبقي، يتكيف مع كل الظروف مهما كانت القساوة والظلم، لابد من تطعيم حواراتنا بما يشعرنا بالسرور. أوان الجلسات المتنوعة، أتكلم باللغة الرسمية، ودائماً أجد من يتكلم معي بلغة الأم بين الجمع، لكنني أجيبه بلغة الآخرين.

* كم يكفي الروائي من النتاج ليكون معروفا؟

ج: في حقل الآداب ليس للكم الحكم الفيصل، هناك من أشتهر بعمل واحد، ولدينا شعراء القصيدة الواحدة، ’’خوان رولفو‘‘ كتب أعظم رواية في تاريخ أمريكا اللاتيني، ’’بيدرو بارامو‘‘، وألبارو سيبيدا ساموديو كتب رواية ساحرة ’’ البيت الكبير‘‘ والتي كتب مقدمتها ماركيز، و’’ثربانتس‘‘ ما زال معلم السرد العالمي بروايته ’’ دون كيخوته‘‘، كل الروائيين العالميين اشتهروا بعمل واحد رغم ما أنتجوا من أعمال أخرى ذات أقيام أدبية مقبولة، ’’لوليتا‘‘ ’’نابكوف‘‘ ’’الدون الهادئ‘‘ ’’شولوخوف‘‘ ’’ الساعة الخامسة والعشرون‘‘ ’’ قسطنطين جورجيو‘‘ ’’ دكتور جيفاكو‘‘ ’’ باسترناك‘‘... وووو ألخ. أما الروائي العربي ما زال يسير في مسار خاطئ، لأنه ما زال يراهن ويقاتل من أجل الكم، دون أن يفكر بروايته الخالدة، أنه يشتت نفسه، ويبدد حكاياته في اتجاهات متفاوتة في نهجه السردي.

* ماهي علاقتك بالنقاد؟

ج: مسالم مع الجميع، يعرفونني ويقدرونني، لا يعنيني أن كتبوا عني أو لم يكتبوا، لا أفرق بينهم، الكل لدي سواء بسواء أحبة كرام أصحاب قلوب أدبية نابضة بروح الجمال.

* هل تؤمن بالاخوانيات في الأدب؟

ج: كلمة أخرى أضيفها إلى قاموس المحذوفات، عندما تنقص الروائي الثقافة الروائية، يضيق صدره، وينحسر فكره، يتقوقع حول نفسه، ولا يعجبه العجب، ويتخيل نفسه فوق الجميع، تنجرح مشاعره إذا مست كلمة من كلماته نسمة مضادة، وأظن هناك فئات تتعامل بهذه الإخوانيات وهم عرايا بإمكانك أن تشخصهم من بين الآخرين من دون اللجوء إلى دليل يشير ببوصلته إليهم..

* لماذا يصر بعض من يكتبون الرواية على استعارات اسماء روايات شهيرة؟

ج: هل تقصد عناوين روايات شهيرة؟ أم مقاربات لتلك العناوين؟ إذا كان السؤال يعني ذلك، فهم يبغون إلفات نظر القرّاء حول رواياتهم ليس إلاّ، باتت العناوين البراقة هي شراك صيد المغفلين في يومنا هذا.

* ماذا يعني لك الفيسبوك؟

ج: مدرسة أهلية مجانية بلا مناهج تعليمية، مساوئه أكبر من فوائده، لعدم وجود قوانين ضابطة تقيد وتفرز الغث عن السمين، أغلب الذين يكتبون على حيطانهم المشققة ليست من بنيات أفكارهم، بل تغريدة تولد عندهم تغريدة، يفسرون أو يشرحون ما يكتبه الآخرون، أغلبهم سرّاق أفكار، أو مطوري أفكار إن جاز التعبير.3342 حسين كرمياني

* من هو الروائي المجتهد ومن هو الروائي الكسول؟

ج: الروائي المجتهد من يتابع أخبار الرواية المحلية والعربية والعالمية، ويتابع المقالات الكثيرة، وهي متوفرة على شبكة الأنترنت، وفي مواقع مهمة رصينة، وهذا ما أعنيه بحملة الثقافة الروائية، أما من لا يملك الثقافة الروائية، فهو روائي كسول مهما كتب، همه أن يكتب فقط، ولا يعنيه من حرق روما؟ ولم حرقها؟ وماذا سيجني من وراء حرقها؟ ولصالح من حرقها؟ ومن دفعه لحرقها؟

* عندما يفتح أحدهم كوة في جدار منزله فإنه يبحث عن الارتزاق لكن عن ماذا يبحث الروائي عند فتح كوة في جدار روايته؟

ج: قبل أيام نشرت عن الموازنة والتشابه، أو تقارب الفكرة، ما بين من يشوه الزقاق وخريطة بيته بفتح دكان للارتزاق، طبعاً الرزق مطلوب في يومنا هذا، ولكن لا يجب أن يكون على حساب الذوق العام، وتدمير جمالية الأزقة والأمكنة والتي باتت تتحول يوماً أثر يوم إلى مناطق تجارية، وهذا يؤدي إلى هروب الناس، وتفكك المجتمعات القديمة المتماسكة، هرباً من الضجيج نحو الأطراف وتشكيل مجتمعات جديدة غير متوائمة وتكون بؤر لمشاكل اجتماعية كثيرة، عكس أيامنا السابقة والتي كانت الأزقة حرمات على الغريب والكل يدافع عنها. أما بخصوص الكوة في الرواية، كنت أقصد بها دس أو إقحام ما ليس للرواية من أجل غاية أو ظناً منه جمالية، طبعاً الرواية بناء فني، وإن تداخلت الأجناس الأدبية اليوم لتغدو سريالية البناء، لكن يبقى العمود الأساس للحكاية واضحة مهما تعرج خط سير السرد. وممكن ذلك إذا كان جانب تنويري يضيف للحكاية جوانب مضيئة خادمة.

* لماذا تشبه النتاج الأدبي بالمحاصيل الزراعية؟ .. هل لأنك فلاح؟ أو لسهولة الحصول عليها؟ أو أن هناك أمر آخر؟

ج: كل عمل إنتاجي لابد من أولويات، القراءة تقود للوعي وفتح الذهن وادامة كاميرات العقل للعمل والرصد ومن ثم تبدأ مرحلة التعبير عن الحياة السلبية دائماً، والإيجابية قليلاً، لأن المرء كائن مرهف غاضب فضولي، بسبب سلبيات الحياة من حوله يرغب أن يدلي بدلوه في أي بئر يراها مكاناً لتفريغ همومه، كذلك الفلاح، لابد أن يمتلك خبرات قبل أن يبدأ بالزراعة والسهر قبل أن يجني ثمار تعبه. الحياة مقاربات متوازنة ومتشابهة، لكن ضيق الفكر وأفق التفكير يحجب عن الأغلبية أن يروا الحياة ككفتي ميزان.

* تغيض من بسخريتك اللاذعة؟

ج: السخرية منبع الحكايات، من غير سخرية تغدو الحكاية طعام بلا ملح أو توابل.

’’دون كيخوته‘‘ كانت أعظم سخرية لاذعة مقنعة في تاريخ الأدب، لذلك خلدت، والمرء طبعه ميّال للمزاح، كونه دواء الروح من تفاهة الحياة ورتابتها، السخرية وقود دافعة لأرواحنا كي نبقى أحياء أصحاء.

* أين تجد نفسك مناطقياً وادبياً؟

ج: أي مكان أتواجد فيه حتى لو لدقائق هو منطقتي، لذلك يسموني أصدقائي ماجلان الأدب، مثلاً أكون في النهار في المتنبي مع أصدقائي، وعصراً نكون في خانقين، وحين يتصلوا بي ليلاً، أقول لهم حالياً أنا في كركوك. ويصيحوا بي: متكلي أنت شنو ماجلان؟

* لمن تغني وما هي اغنيتك المفضلة؟

ج: رغم مضي قطار العمر، واندثار فترة المراهقة، أيام كنت مغرماً بالعندليب الأسمر، وحالياً ما بين يوم ويوم هناك بعض الأغاني تمنح أوقاتي الفائضة سلوى من الرتابة، ’’ مخاصمني بقالو مدة لشادية‘‘ ’’ يا صبابين الشاي لطروب‘‘ ’’ مثل العود من يذبل بلاي وداع لصباح السهل ‘‘ ’’ جا وين أودي الحجي وأتعاتب ويامن لحسين نعمة‘‘ ’’ أيه العمل أنا حبيتو من غير أمل لراغب علامة‘‘ ’’ صوت السهارى لعوض الدوخي‘‘ ’’ وشويخ من أهل مكناس وسط الأسواق يغني رجاء محمد‘‘ ’’ عملوها حكاية.. قصة ورواية لشريفة فاضل‘‘ ’’ عيني سلملي على البنية لسعيد العجلاوي‘‘ ’’ لو بتدعن ما بينعدو.. الكانوا بدن ياني.. يا ما ترجوا يا ما ودو رسائل شعلاني لكاتيا حرب‘‘ ’’ عليك أسأل عليك أسأل.. من الرايح والجاي لفاضل عوّاد‘‘ ’’ كل ده كان ليه .. لما شفتو عينيه. لمحمد عبد الوهاب‘‘ وووو ألخ..

* هل تعرضت لمحاولة اغتيال؟ وهل يصنعون الرصاص بطريقة فنية؟

ج: كلا.. لم أعمل بالسياسة، مسالم، طبيعة عملي حببني للجميع، كنت أمر بمركبتي في شوارع ملغومة بحاملي الأسلحة القاتلة ولا أبالي ولا أحد يلتفت نحوي، ولم يعترضني أحد، أينما أتواجد الاحترام يحظر لي من قبل الجميع، أما بخصوص الشطر الثاني من السؤال غير مفهوم. هل من توضيح أكثر؟

* ما لفرق بين قاتل البشر وقاطف الورد؟

ج: هناك فرق كبير جداً، قاتل البشر هادم لروح الحياة، لأن البشر روح الوجود، بزواله يزول الوجود، وفي الحديث الصحيح (الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه) ويقول ماركس لا أحبه لكن لمقاربة الفكرة أعيد ما قال (الإنسان أكبر رأس مال)، أما قطف الورود فهو قتل لجمال الحياة وتجفيف لجواهر الطبيعة، لأن الورد يمنحنا نفحات من السعادة بجمال ألوانها وأريجها، قطفها إزاحة مساحات مجانية لعلاج النفس والعين من أيامنا.

* هل بالإمكان إعادة النظر ببناء الرواية ونحن لازلنا في المنتصف؟

ج: ممكن ذلك، إذا تعذر المواصلة، أو حدوث تغيرات في الأفكار وبروز معطيات جديدة تلح على الذاكرة تخالف ما بدأنا، والرواية غالباً ما تتعرض لتغيرات عند الرواة الأصلاء، شخصياً قمت بتهديم أبنية روائية مرات ومرات قبل أن يستقر المزاج على البناء الأخير.

* متى وكيف تكون للرواية أهمية؟

ج: عندما تكون الرواية تعالج مشكلات المجتمع المستعصية، وتكون شعبية بلغة ومنطق الجميع، خالية من النرجسية وغسيل الذات، أغنية نادية مصطفى (بلديات) غربلت العرب يومها، وكانت تصدح ليلا ونهاراً داخل المركبات، دفعت ملائيين المصريين أن يعودوا إلى بلدهم، لأنها أيقظت فيهم روح الوطنية التي غشاها المال. لابد للرواية أن تجد الحلول للمجتمع، لا تشريح وترويج الهزائم اليومية، روايتي’’ حكايتي مع رأس مقطوع‘‘ أنقذت شخص موجود حالياً في موقع المسؤولية في بلدتي، أنقذته من الموت الحتمي، أتصل بي وقت عند صلاة الفجر يشكرني، لأنه أتخذ قرار الانتحار في لحظة يأس، وكان المسدس مسحوب الطلقة قربه، أتصل بي فجراً قبل أن يميز الخيط الأبيض بداية النهار قال لي: ’’ قررت الانتحار كحل نهائي، وقبل أن ارفع المسدس، سقطت عيناي على روايتك ودفعني دافع مجهول أن أقرئها قبل أن أضع الطلقة في رأسي، وحين أنهيتها أحببت الحياة ولعنت الشيطان وها أنا ذا أتصل بك لأشكرك!‘‘.

* ماهي وظيفة الأديب؟ وهل تزاحم وظيفة السياسي؟ أو تكون مكملة لها؟

ج: لا أظن للأديب وظائف حقيقة في حياتنا السياسية، على الأديب أمّا أن يكون آلة أو بوق، أو ينزوي ليغرد بعيداً ولا أحد يسمع أنين جراحاته ليموت ويدفن بتأبين مخجل، الأدب في العالم الغربي وظيفة شخصية تجارية مربحة، الأديب يكتب ليعيش ويمنح الناس فرص الراحة النفسية والتثقيفية عبر قراءة ما يكتب، وهناك مؤسسات أخرى تعيش على ما يكتب أيضاً، مثلا تحويل الأعمال إلى دراما وأفلام من أجل كسب الأموال، الأدب في الخارج تجارة رابحة، وعندنا مهنة العاطلين وأصحاب القلوب الجريحة التي لا تجيد فن القتال سوى إشهار القلم وطرح الهموم، السياسي العربي يستند على أكتاف الأدباء من أجل تلميع شخصيته، وهناك أدباء يستندون على أكتاف السياسيين، أو الجلوس عند عتبة أبوابهم من أجل لقمة العيش والمناصب، فهي معادلة احتيالية، فالطرفان طفيليان.

* ماذا تعني لك الحياة؟

ج: مسرحية قدرية متشظية محكمة البناء والإخراج، نؤدي أدوارنا سلباً وإيجاباً ونخرج منها أموات ليناول بعدنا الأحياء مساوئنا ومحاسننا لحين من الدهر.

* يقال في الآخرة يتبادل الرجال والنساء الأدوار فهل تقبل ان تكون هناك زوجة لمن كانت لك زوجة؟

ج: يبدو أنك تتابع ما أكتب على خاصرتي الفيسبوكية، هذا ما كتبته للمزاح قبل أيام، الفيس بوك بالنسبة لي مسرح المسرات والتنفيس عن الهموم وترسبات الأحزان التي تراكمها الأيام وتقلبات حياتنا اللا مستقرة، هناك من يتخذ الفيس بوك الجدار الحر لطرح أفكاره، أو للترويج عن صوره وتنويعات حياته، من مسرات وأحزان، ولكل نوع أتباع يتفاعلون، لا يوجد نص يؤكد ما قلت، بل كانت ضربة جزاء حاسمة أردت بها تسجيل هدف في مرمى بعض الأصدقاء من باب المزاح طبعاً.

*عندما لا يملك الروائي المعلومات الكافية هل يجازف بكتابة رواية؟

ج: للأسف هذا ما يحصل، اللغة مشاعة والفضول سامق اليوم، لكن قلّة من يمتلك الحكاية، وقلّة من يستطيع أن يحكيها فنيّاً من تلك القلّة القليلة.

* هل تعشق الجمال أو تبحث عنه؟ ما موقفك من دروع الجص والشهادات الفخرية وهل فرحت يوما بأحدها؟

ج: الجمال أن نعيش بسلام، أن نعيش كما كنّا، أبحث عن الجمال في صحبة الأوفياء، الذين يقدرون ولا يستغلون وقتي الثمين، أما بخصوص الشهادات، سبق وأن أشرت أننا نعيش عصر التفاهة، وهذا العصر مخطط له بذكاء ومهيأ له اللوازم التي ستديمه وتمضي بالكائن البشري نحو حيونته الأولى، هناك لوبي يعمل على تقليل البشر على البسيطة من خلال الحروب وصناعة الأوبئة والأطعمة التي تحدد أو تقتل النسل، وتجحيش البقية الباقية التي يريدون بقاءه، وما يحصل هو الضحك على النفس، عبر التكريمات المخجلة لمنح الشهادات الوهمية من جهات مجهولة أو معلومة. لم أفرح يوماً ما، ولا أدري أين رميت بعض ما منحوني، أتدري أنني لا أملك سوى كتابين أو ثلاث كتب من 22 مؤلف لي روايات ومجاميع قصص ومسرحيات ومقالات في مكتبة بيتي، وهذه النسخ مهداة لصديق في الخارج انتهز فرصة لإرسالها إليه لأنظف مكتبتي من مؤلفاتي، أنا أؤمن بأن ما نكتبه يغدو ملك الآخرين، فلا داعي أن نحتفظ بما نكتب، من وجهة نظري، الاحتفاظ بها غالبا ما يكون للتباهي، وهذا يقلل فرص التجديد والمواصلة نحو الحلم الذي ننشده.

* هل فزت بإحدى الجوائز المرموقة؟

ج: جوائزي هي ثمرة ما كتبت، شهادات ماجستير ودكتوراه نالها طلبة وطالبات داخل العراق والوطن العربي وفي أوربا وأمريكا، الوظائف التي حصلوا عليها من خلال رواياتي وقصصي هي الجوائز التي سأفتخر بها، كتبي كانت طرق ممهدة لأكثر من 15 طالب وطالبة للوصول إلى وسيلة العيش. ربما كانت جائزة النور للقصة في السويد عن قصة’’ مزرعة الرؤوس‘‘ وجائزة الحوار الوطني للقصة في ديالى، عن قصتي’’ يوم اغتالوا الجسر‘‘ وجائزة اتحاد النساء للقصة، عن قصتي’’ وقت للرقص وتم تبديل العنوان من قبل اللجة’’ وجائزة الكلمة ـ مصر ـ للرواية، عن رواية’’ أولاد اليهودية‘‘ وجائزة ناجي نعمان للمجموعة القصصية، عن مجموعة’’ ثغرها على منديل‘‘ كانت ثمرات ذات مذاق شهي بالنسبة لي. لكن تبقى حسرة واحدة سترافقني، سرقة جائزة القصة في العراق يوم منحوني الأولى عن قصتي(صندوق الوجدان) وتم تبديل الأسماء الفائزة في القصة والشعر والنقد بناء لتوجيهات سياسية عندما خصصوا مبالغ كبيرة للفائزين وثار يومها جدلاً في الصحافة، ستبقى مدار غضب أبدي عندي. ولا أكتمك القول، كتبت ذلك: الجوائز جنائز للأديب العربي، كل اللذين فازوا بالجوائز عن أعمالهم تدحرجوا نحو الهاوية في أعمالهم اللاحقة، وهذا دليل على إن الروائي العربي لا يملك الثقافة الروائية، وسبق أن قلت أيضاً، في الرواية الفائزة يجلس في قمة النخلة ليلتقط التمرات ولكن في الرواية اللاحقة يحبو تحت النخلة ليلملم التمرات الساقطة.

* كيف توزع سخريتك بين لغتين تجيدهما؟

ج: السخريات ومضات تولدها كوميديا ما نعيش، أنها تسكننا ودائماً ترصد الأجواء وتنطلق بشكل عفوي، ما يحصل من خروقات في جميع مناحي الحياة، هي منابت للسخرية، وحياتنا بنيت على المزاح، أينما تجد مجلساً تجد هناك من يسخر ومن يضحك، تجد واحداً على الأقل من بين الجالسين نسميه (كمش) وما أكثرهم، هو محور الضحك، والضحك هو العقار الشافي لجراحاتنا اليومية.

* من هو امتدادك الأدبي من العائلة؟

ج: لم يكن في بيتنا المتنقل دائماً مكتبة، كنت أحب المطالعة، ولم أجد غير كتاب المطالعة المنهجية ورثاثة ما فيها، وسيلة أخرى لإشباع الرغبة والفضول الطفولي.

*هل الزواج جريمة أو توئم لها؟

ج: (شر لابد منه) كما قال سيدنا علي عليه السلام.

* متى يضعف الكاتب؟

ج: إذا ظلّ يكرر نفسه، عندما تقل القراءة ونوعية القراءة، ومتابعة ما ينشر ويطبع على الساحة المحلية والعربية والعالمية، ما لم يتفاعل مع الأيام والآخرين والقراءة الموسوعية، المسرح والشعر والقصة والرواية والنقد والسيّر والملفات التاريخية والسياسية، هذه التنويعات هي من تمنح القدرة الضاغطة للكتابة والتطور.

* متى تنظر إلى نتاج الكاتبة؟ ومتى تنظر إلى قوامها؟

ج: بعضهن يكتبن بطريقة ناجحة، وبعضهن مقلدات، لا يعنيني قوام المرأة، القوام طبيعة فسلجية، وربما بسبب التكاسل الحياتي، لأن الرشاقة بحاجة إلى مراقبة النفس عبر وسائل كثيرة، بعيداً عن الشراهة في تناول الطعام والمسمنات، فأنا محافظ جداً في هذا الجانب، قلب المرأة غايتي.

* هل أنت رومانسي وكيف؟

ج: البشر كائن رومانسي، لكن الظروف هي التي تتحكم بآلة رومانسيته، شرقنا محكوم بالعذاب، والعذاب قاتل حي للرومانسية البشرية. رومانسيتي لا تخرج من حدودي النفسي والمجتمعي ، استثناء الكتابة لأنها نزف هموم، وقول ما هو مقبول ومعقول أو مرفوض، ما أكتبه لا يمثل طبيعة حياتي، في الكتابة منفتح إلى أبعد حدود وفي الحياة محافظ إلى اقسى الحدود. ما زلت أوازن بين النقيضين، وتلك هي من شجاعة إرادتي.

* ماهي الصفة الأدبية التي تحب أن يشار لك بها؟

ج: بلا صفة. أجدها تقليل للشأن وإهانة لمركزية ما جبلنا وخلنا، إنسان يكفي، أنه أعظم كلمة، وأسمى، وأرقى من كل الصفات الأخرى لسائر المخلوقات، الصفة الأدبية إقلال لشأن المرء، تحجيمه، وتلبيسه ثوباً واحداً يرميه في خانة ضيقة داخل المجتمع.

* هل مارست الصحافة؟

ج: بصورة وقتية لم تتعد كتابين (امرأة الكاتب) و(السكن في البيت الأبيض) مقالات أدبية نشرت معظمها في جريدة الزمان والتآخي بشكل يومي بعد 2003 مباشرة. لكن ظروف عملي وانشغالي الأدبي ومتطلبات البيت وراء عدم مواصلة المشوار، وحسناً فعلت لأن الصحافة ماتت موتاً أبدياً بسبب انفجار المعلوماتية.

* هل تتذكر حبك الأول؟

ج: أتذكر جملة فتيات حبوني، وحاولن بما استطعن من أحابيل نسوية أن أحبهن، لكنني كنت متكابراً على الفتيات. وما زلت امتلك طبيعة تمردية نحو هذا الجانب، ولو عدت شاباً سأنتهج ذات النهج. سأجعلهن في حسراتهن واجمات، لا أعرف كنت دائماً أرتجف أمامهن، ويتعطل لساني عن الكلام، لذلك أنتقم في كتاباتي من خجلي كما في رواياتي ’’زقنموت‘‘ و’’ قفل قلبي‘‘ و’’ ليالي المنسية‘‘ و’’ الحزن الوسيم‘‘ وروايات قادمة قيد الكتابة.

*هناك الكثير من الأسئلة التي تنتظر دورها لكني سأؤجلها الى حوار قادم واذا كان لديك ما تضيفه في النهاية فعلى الرحب والسعة.

ج: ستجدني جالساً على مقعد الاعتراف متحرر الفكر واسع الصدر مفتوح القلب متهيئاً للإعدام أن تطلب الحوار. كنت ممتعاً معي بأسئلتك، ومحفزاً لي، كي أستنفر خلايا ذاكرتي النائمة لتنهي صومها، وتعلن هلال عيدها، لتبدأ بحصاد هواجسي التي أنضجتها محاورتك.

***

حاوره: راضي المترفي

في المثقف اليوم