حوارات عامة

من حوار نادر ومطول مع الكاتب العالمي باولو كويلهو

1567  باولو كويلوأملنا كبير في قدرتنا ككتاب على إيجاد حوار فقده الساسة وعجزوا عنه من زمان..

نوبل أعلى من قدراتي وأمرها يتجاوزني.. لديكم ثقافة انسانية استفاد منها العالم..

ببشاشة الأطفال المعهودة لديهم وبلكنة ‏‏خاصة في نطق  الفرنسية، وقف السيد باولو كويلهو يحضنني قائلا « مرحبا... صديقي الشاعر... ».. كنا على موعد في الربيع التونسي وبعد حصة الصور والكتب أخذ أنفاسا من سيجارة برازيلية لينطلق في حديثه...

استذكر لقاءه حيث انطلقنا من منجزه الابداعي ومنه الخيميائي، احدى عشرة دقيقة فيرونيكا تقرر أن تموت الشيطان والاَنسة بريم، على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت، الجبل الخامس، حاج كومبوستلا والزهير..... مؤلفات صنعت مجد هذا الكاتب ولمستها في  هيئة جلوسه وحديثه وفي نظراته المفعمة بما هو باطني وروحي...

الكتابة هاجس وكفى وهو لا يكف عن تمجيد أفعالها المختلفة في جغرافيا الكون ديدنه الحب الإنساني الخالص قتلا للخراب...

مضينا في رحلة موجوعة بايقاع ما يحدث... وبين الكتابة والنقد والذات الإنسانية والحضارة والحرب ...و في الحقيقة الحديث اتسع لأمور أخرى ولكن حميمة اللحظات أخذتنا إلى هوامش وجوانب أخرى بعيدا عن المألوف بشأن ما يمكن أن يتعاطى به المأخوذون مع أدب كويلهو...

"شكرا...." قالها بانتهاء اللقاء  تركته وفي قلبه شيء من الشرق والشعر والحب وكثير من المواقف والنصوص التي كثيرا ما تصدّت لما هو اعاقي ودمار تجاه الذات الإنسانية...

Digital Camera باولو كويلهو، كشف مرة أخرى عن أهمية دور المبدع في كون مربك وإليكم هذا  اللقاء الحواري :

- عرفت مؤلفاتك  جمهورا عريضا من القراء في العالم العربي الإسلامي ففي أي سياق تضع ذلك؟

- أولا نحن إخوة بصرف النظر عن كل  مساعي بعث الفوارق بيننا من قبل  المؤسسات والاَخرين،

 وإنني أعمل جاهدا لأجل التقارب وهو شأن الكتّاب العرب الكلاسيكيين الذين عرفت كتاباتهم في البرازيل... إننا نتقاسم ذات القيم ونفس الرعب والأسئلة التي قد نختلف على أجوبتها ولكننا نجتمع في أهيمتها وأرى أن هذه الأشياء المشتركة تجعلني على أمل كبير في أننا قادرون من منطلق التاريخ ومنجز الشعراء والموسيقيين والروائيين والفنانين بصفة عامة على ايجاد حوار فقده الساسة وعجزوا عنه من زمان...

- اختلف النقاد بشأنك فهناك من يرى ثراء وأهمية ما تكتبه وهناك من يرى العكس فكيف ترى الامر؟

- أكتب لنفسي أولا وفيما بعد أرى أن الجميع أحرار والنقد حر في حبه  للنصو ص أو تركها، أنا

كتبت ليفهمني الاَخر بطريقة جيدة... ولا أنتظر شيئا من النقد سواء الذي يمدحني أو ذاك الذي يذمني. هذه ليست أمنياتي وأهدافي، ما أرمي إليه هو أن أكون قادرا على أن أفهم كإنسان وهذا مهم بالنسبة لي في سياق تجربتي في  الكتابة.

- الكتابة كفعل حضاري في  هذا الكون؟

- فعلا كما قلت لك نحن لن نقدم أجوبة على أسئلة الكون، فالأجوبة الحقيقية كامنة في كل قلب ولكن

على الأقل نستطيع تقاسم الهواجس والقضايا والاسئلة باعتبارنا مشتركين في الإنسانية التي تعيش      

والاَن فإن رجال الأدب والفنانين بصفة عامة مسؤولون أمام هذه المعاني والمشتركة.

- الأمكنة...الكتابة .. وباولوكويلهو؟

- أنا هنا بعيون الطفل وليس بتجربتي كإنسان ولكنني أخذت بالأشياء وبالتفاصيل الصغيرة لاننا نشعر أكثر بذواتنا في مثل هذه التفاصيل، زرت في السابق مدنا بالعالم العربي وفي اول مرة حين زرت طنجة المغربية سنة 1982 أحببت هذه العوالم الساحرة التي  كانت تسكنني منذ طفولتي لأني كنت متواصلا مع العالم العربي  الإسلامي من خلال الادب بما هو سفر، اكتشفت ما هو خيالي وعجيب كان يسكنني قبل الحلول بالمكان ولكن فيما بعد رأيت الواقع في علاقته بما هو متخيل      ولمست حقيقة ما كان في علمي وما حدّثت عنه. لديكم ثقافة استثنائية أستفاد منها العالم والانسانية كثيرا وأنا ممنون لكم بكل هذا ولعله من اسباب درجة انتشاري وقراءتي من قبل الكثيرين وهذا يحسب لكم في سياق الثقافة والحضارة....

- الترجمة والتواصل؟

- صحيح هناك مشلكة تواصل أكثر تتمثل في غياب الترجمات  وندرتها وهذا حاصل لدينا كبرازيليين وهو أمر صعب على الأدب والثقافة فأنا لم أتخيل يوما أن أترجم إلى اللغة العربية لأن الأمر لم يكن من تقاليدنا. هناك معضلة لدى الأدباء البرازيليين في الترجمة لو استثنينا تلك الترجمات إلى البرتغالية والاسبانية مثلا...

هذا أمرصعب رغم أنني ترجمت إلى اكثر من ستين لغة وانتشرت في حوالي 160 بلدا وهذا شأن القارئ الذي اهتم بكتبي وقرأني بل وتطوع لفعل ذلك، ولذلك بلغت كتبي بلدانا عديدة مثل الصين       والإمارات العربية المتحدة وتونس...هكذا كان الأمر،فألف ليلة وليلة قد سافرت إلى أنحاء العالم عبر الإنبهار بقراءتها ووجود الرغبة الإنسانية المشتركة في عالمها الأدبي الساحر.

- الكتابة وسط هذه الفواجع والكوارث؟

- العالم كان دائما مأخوذا بالحروب وبالدمار منذ أزمنة قديمة والاَن بشكل مختلف ويبدو أن الإنسانية كانت في هذا السياق من الصراع والمواجهة وعلى الفنان أن يبحث عن أبعاد أخرى لإعطاء المعاني النبيلة للحياة، نحن لا نستطيع  إيقاف الحروب.

- ورسالتك إلى امبراطور الحرب.. بوش؟

- قبل حرب العراق كتبت عديد النصوص التي انتشرت في العام وعارضت غزو العراق والحرب رغم ما حدث من مدّ عالمي ضد الحرب وما شاهدناه من احتجاجات في الشوارع فإن قرار الحرب كان من قبل سياسي رأى ضرورة ذلك وهذا لا يقلل من القوى المعارضة للحرب بل هو دافع للأمل من قبل معارضي الحرب.

هناك جانب عريض من الامريكيين عارضوا الحرب ولكن السياسيين عديمي الرؤية المستقبلية هم الذين قرروا الامر وهذا سخيف ولذلك نراهم الاَن يتخبطون ولا يعرفون مخرجا ملائما  من الورطة.

إن أمثالنا من الناس الواعين بالأهمية الثقافية والإنسانية والساسة بالمعنى الكلاسيكي والإغريقي، كانوا دائها في خانة مضادة للخراب والحروب.

نحن في مفترق صعب يتطلب منا الكثير من الجهد والشجاعة لمعارضة ذلك حتى لا نفقد الامل باعتبارنا من كائنات هذا العالم.

- هل هذا دور الكاتب؟

- هو دور الجميع وهذا ما أراه جميلا في حضارتكم فكل الناس أمام هذا الأمر ونستطيع إيجاد نخبة و لكن الأمرمطروح على الجميع ومن ضمنهم الأدباء....

- شعراء العالم أطلقوا بيانا من موقعهم من أجل دور اَخر جديد وحيوي في هذا العالم؟

- هو ككل دور فاعل ينضاف إلى جملة أدوار القوى الحية عبر الصراع من أجل ترسيخ قيم سامية،     

وهذا ديدن المبدع في هذا العالم. وكل مانيفستو في النهاية ضرب أسطوري يهدف إلى نحت التواصل مع الاَخر...

- شاعر قريب من باولو؟

- هو برازيلي ويدعى مانويل بانديرا، أنا أحًبه كثيرا.

- حضورك بتونس؟

- هي زيارتي الاولى وقد أعجبتني بالإضافة لما وفرته لي من لقاء جمعني بقرّائي، المعرض ممتلئ بجمهور الكتاب وأتمنى احترام وتقدير الأدب، أقدر عاليا شراء الكتب المختلفة لقرائتها وهذا ما شاهدته....

- رسالتك قبل غزو العراق والمليار قارئ؟

- هذه الرسالة كتبتها قبل غزو العراق وقرأها حوالي مليار قارئ تكمن أهميتها في هذا الدور الذي

نقوم به ككتاب وأدباء وشعوب وهي ضد هذه النزعة المعادية للإنسانية التي تضع العالم بأسره في خطر وقد كان هذا موقفي ليس كبرازيلي فحسب بل لفائدة الامريكيين الذين صاروا الاَن أكثر فأكثر معارضة للحرب.

-  كويلو ...نوبل....ما الأمر؟

- (يضحك)... هي أعلى من قدراتي، ولأن الأمر يتجاوزني ويخصهم هم (جماعة نوبل).

- وأخيرا

- يجب أن نتسلح بالشجاعة عند كل صباح...

***

- شمس الدين العوني

 

في المثقف اليوم