تقارير وتحقيقات

تقرير: ندوة حول كتاب: أنهار لا تعرف الخوف للدكتور جمال مرسي

شاعر خلاق يراهن على بهاء الغنائية بمزاج إقاعي ينبثق من عمق الدلالة الشعرية، وخطابه الشعري خطاب يشتغل على سيرة المكان والإنسان معاً ويقبض على تموج اللحظة الشعرية بروح وثابة تتجلى فيها العفوية والرحابة والكثافة والعذوبة والخصب، يفيد من كل ما هو متاح من خواص الفنون الأخرى وتجلياتها لإغناء شعرية قصيدته وتوسيع حدود جمالياتهاعلى النحو الذي تحتفظ فيه القصيدة على أصالتها الإيقاعية .

و في البداية أكد د. أمجد ريان على الجو الرومانسي الذي يطرحه ديوان أنهار لا تعرف الخوف للشاعر جمال مرسي، مما يمكن أن نستخلصه في كل تعبير شعري ورد ف الديوان بل بداية من عنوان الديوان نفسه، لأنه يشير إلى عفوية الطبيعة وقوتها وسعى الشاعر لحثنا للسير على منوالها وإذا انتقلنا إلى الصفحة الأولى فسوف تستشعر المسألة نفسها في إهداء الكتاب وحيث يتضح المنحى الرومانسي الأصيل عندما يمزج الشاعر بين ما ينتمي إلى الطبيعة من ناحية وما ينتمي للإنسان من ناحية أخرى فنجد عبارات من قبيل : (بنفسج روحي) و(ياسمين فؤادي).

و نصوص الشاعر تتضمن الجدل الرومانسي بين المعاني المتضادة، فقصيدة (الوشاح) تبدأ بمعاني الشكوى لفرط هذه الخطوب التي أوهنت الجسد ولكن سرعان ما تورد القصيدة معاني التفاؤل، ويأتي الصباح لكي يشرق وجه الحبيبة رفيقة القلب والروح ويتضح من خلال قصيدة (ترنيمة للحب والبحر) أن التجارب التي تطرحها التجارب الرومانسية رمزية بطبيعتها، فالحبيبة في هذا النص هي رمز للحب والجمال، وهي رمز لمصر أو رمز للعطاء وهكذا .. وعيناها بحر متلاطم يبحر فيه الشاعر وتصبح الحبيبة نفسها ربة للبحر أو مليكة له وتتحول الحبيبة في آخر القصيدة إلى رمز للشمس المشرقة .

و أضاف د. أمجد ريان أن قصيدة (قهوة بالنعناع) تطرح بعداً جديداً في تجبة الشاعر لأنها تعبر عن إمكانية تفاعل هذه التجربة مع جمع التيارات الشعرية التي يعرفها واقعنا الثقافي اليوم، فالقصيدة تتميز بهذا الحس الواقغي بمعايشة تفاصيل حياتنا اليومية، الحبيبان على مقعديهما في " الفرندا " حتسيان قهوتهماو يناقشان التجربة الشعرية والحياتية معاً . أما قصيدة (شاعر القمح) فهي تطرح رأي الشاعر في الشعرية والشعراء من خلال منظور رومانتيكي حميم، فالشعر يترفع عن الصغائر والمتاجرة والشعر لا يباع لذي الصولجان ولا يذاع في حناجر أهل البغاء وليس وسيلة للشهرة ولكن الشاعر هو الذي يزرع قمح البشائر لتنمو سنابه في القلوب مضيئة معطاءة .

 

و من ناحيته أكد د. حسام عقل أستاذ النقد العربي بتربية عين شمس أن تجربة جمال مرسي تعيد إلى الذاكرة التجربة الشعرية الرومانتيكية العربية باحتفائها وتواترها وألقها ولكنها لا تستنسخها آلياً بل تضيف لها قدراً من (العصرنة) التي تلائم طبيعة المرحلة وتداخل أزماتها وتجسد وجعها الغائر . وإذا كانت قصائد جمال مرسي في أنهار لا تعرف الخوف تشي بولاءات رومانتيكية فإنها تمد جذورها في الواقع و(تربة الفقراء) كما أسماها في لإحدى قصائده (شاعر القمح) . وتجسد التجربة توازنا بين (عوالم الداخل) وصراع الكهل والطفل في قصيدة (الوشاح) و(عوالم الخارج) كافتقاد الحرية ومناجاة المعشوقة المشتهاة وتبدد العدالة الاجتماعية التي هصرت البسطاء بمعاناة موجعة .

و تمثل قصيدة جمال مرسي على المستوى الأسلوبي توازناً بين اللغة الضاربة بأطنابها في أرض التراث وتلك اللغة التي تمتاح من نبع (الحالات اليومية) كالإشارة إلى (الفرندا) و(الكيك) وغيرها من مفردات وتراكيب في قصيدتخ (شاعر القمح) .

و نجد أن جمال مرسي يتغزل في معشوقته (بروح المقاتل) ويستدعي فكرة (البطل الإشكالي) الذي تحدث عنه جولد مان كما يتبدى في قصيدته (أنا لست هو) حث يرى قصيدته ملاذا مختاراً للخلود والوجود السرمدي كما يقول (لي قصة / يوماً سيكشف سرها لبنيَّ ذاكرة الورق)

و هكذا تجيد الذات الشاعرة التعامل مع (الوحدة العروضية) وتجد رياضة التفعيلة وتصل إلى سقوف رائعة من الشاعرية حيث تتعامل مع البحر المتقارب بالخصوص وتجد التعامي مع وحدته الإيقاعية الطروب . والتجربة بجملتها تدشن له خطوة مهمة في مشروعه الشعري وتشي بجهد راسخ يرجى له التواصل والصيرورة .

و تحدثت الشاعرة والناقدة الفلسطنية هيام مصطفى قبلان باستفاضة عن المرأة / الوطن والغربة في شعر جمال مرسي وتناولت التصوير الفني والصور الشعرية لدى الشاعر .

و في النهاية أكد د. مصطفى عطية جمعة أن الديوان توجد فيه ثلاثة مفاتيح دلالية هي (الليل، الماء، الزهور) وتتفرع عنها ثلاثة مفاتح أخرى تابع : الليل يتبعه النهار، والماء يتبعه الجفاف، والزهور تتبعها النباتات والأشجار وقد ألحت الذات الشاعرة على هذه المفاتيح فاللل مصدر التأمل والماء والزهور علامتان على الانتماء للوطن والنيل .

و هكذا نحلق مع جمال مرسي في آفاق عاليةتبدأ من ذاته التي ترى الوجود بشكل مختلف مرورا بهموم الوطن والأمة وتنتهي بالكون والوجود في غربة عن الوطن في بلدان الخليج العربي وهو ما أتاح له إعادة قراءة ذاته المتوهجة شعراً كما أتاح له التفاعل مع هموم الأمة وقضاياها المصيرية فتوحد معها معاناةً وألماً .و أتاح له أيضا التأمل في الوجود كله فتناول أزمات الإنسان المعاصر .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1143  الخميس 20/08/2009)

 

 

في المثقف اليوم