تقارير وتحقيقات

غزلان هاشمي: عن ندوة اللغة والهوية

أقام مخبر الدراسات اللغوية والأدبية التابع لقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة سوق أهراس/ الجزائر ندوة علمية صبيحة يوم الثلاثاء،ناقشت موضوع "اللغة والهوية "،حيث حاضر فيها كل من: أ. د. محمد صاري،أ.د.سليمة لوكام،أ.د.عبد الوهاب شعلان، د. مالك عوادي،وقد افتتح أشغال الندوة مدير المخبر د.عبد الرحمن مشنتل،ثم سلم الكلمة لرئيسة الجلسة د.غزلان هاشمي التي قالت:

"بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين،بداية أرحب بأساتذتي الأفاضل المحاضرين منهم والحضور بكل الزملاء والطلبة والمهتمين،نلتقي اليوم وفي هذه الندوة المباركة التي ارتأى مخبر الدراسات اللغوية والأدبية أن تحتفي بموضوع "اللغة والهوية" بناء على توصيات الندوة السابقة أو المقترح الذي قدمته د.لوكام، لذلك أسعد وأتشرف اليوم بأن أكون بين أساتذتي الأفاضل منصتة ومستمتعة ومتعلمة: ..... ".

قدم أ.د.محمد صاري مداخلة موسومة بـ"أمن اللغة العربية وحالتها الصحية بين التهويل والتهوين "

بين فيها أن الهدف من هذه الورقة البحثية الكشف عن الذات والموضوع في قضية اللغة العربية،ووضح أن المداخلة تأسست على ستة عناصر: أولها: المقدمة التي تحدث فيها عن مستقبل الأمن اللغوي خاصة في زمن الهيمنة والعولمة،فالأمن اللغوي قضية هامة جدا إذ تعد ـ حسب قوله ـ جزءا من الأمن القومي،هذا وذكر جملة مؤلفات عربية وأجنبية تحدثت عن هذه المسألة ناهيك عن ذكر عن مشاريع لغوية متعددة...

العنصر الثاني: اللغة أخطر النعم: ذكر فيها أهمية اللغة .... العنصر الثالث: أسئلة لابد منها: طرح أسئلة كلاسيكية وحديثة منها: ماالتحديات التي تهدد اللغة العربية في وجودها ؟لماذا الخطاب المتشائم عن مستقبل اللغة العربية وتراجعها ؟ هل يستقيل الخيار اللغوي بمعزل عن الخيار السياسي؟... هل يمكن أن نراهن على المقدس من جديد؟ وهل من السهل ذلك في زمن هيمنة الإسلاموفوبيا؟..

العنصر الرابع: اللغة العربية في المجتمع الرقمي: تحدث عن تعويض اللغة بالأرقام،هذا النوع في نظره من غير المعقول أن يكون عفويا ومن صنع أناس عاديين،والسؤال هنا: ما مستقبل اللغات خاصة العربية أمام هذا النوع من التواصل؟ أليست أدوات لاغتيال اللغة العربية ؟.

العنصر الخامس: اللغة العربية وخطاب التهويل والتهوين: اختار  ثلاثة نماذج لكل منهما:  فمع التهوين هناك من يشك في اللغة العربية وقدرتها،من ملامحها: هشاشة الوعي بأهمية اللغة العربية؟ من ذلك حضورها الشكلي وغيابها الوظيفي،ومن الملامح أيضا التلوث اللغوي خاصة في وسائل الإعلام والواجهات..،الملمح الثالث: انتقال الطالب انتقالا مفاجئا من تلقي العلوم بالعربية إلى تلقيها بالأجنبية .

أما عن خطاب التهويل: مثل بدراسة عبد السلام المسدي مع كتابه الساخر:  العربي والانتحار اللغوي، وقد ألف كتابا آخر بلغة هادئة بنفس المحتوى مع تغيير طفيف في الفصول فيمابعد على سبيل الاستدراك عنوانه"الهوية العربية والأمن اللغوي".

وكذا بدراسة نبيل علي ونادية حجازي"الفجوة الرقمية: رؤية عربية لمجتمع المعرفة"،الثالث"جمعي بولعراس"معايير الحالة الصحية للغات وموقع اللغة العربية منها".

العنصر الأخير: خاتمة: فيها تثمين للمكاسب،من أجل الكشف عن مدى تمدد العربية أو تقلصها في المشهد الراهن،وكأنها نقطة تقويم،وقد وضح أن العربية لم تكن بأحسن حالا مماهي عليه اليوم،وكخلاصة: بين أن العصر الرقمي قدم للعربية خدمة من خلال تسهيل انتشارها واستخدامها ...

أما أ.د.سليمة لوكام قدمت مداخلة بعنوان"بين قداسة اللغة وتقديسها: آسيا جبار،إدريس الشرايبي"

اعتبرت مداخلتها عبارة عن جملة إشكاليات تثير النقاش أكثر من كونها محاضرة أكاديمية، أثارت مسألة الكتابة بلغة الآخر،لغة المنافي ولغة المثاقفة والحوار،لغة المزدوج،بينت من خلال قراءتها لمتون روائية كتبت بلغة الآخر أنه لايكاد يخلو نص من الإشارة إلى علاقة ما باللغة،علاقة حميمة تصل إلى حد التقديس،لطف اللغة،اللغة الثانية،الحنين للغة...أو الكتابة عن التراث الذي يشير إلى هذه اللغة،وهذا لا نجده في متون روائية كتبت بالعربية حسب قولها .

الأمر الثاني الذي بينته أن "هذا المعطى ينشئ نصوصا جديدة بمعطى جديد وبمهوية جديدة،تتجاوز اللغتين إلى أرض ثالثة لا هي عربية صميمة ولا فرنسية خالصة"،اختارت: آسيا جبار وإدريس الشرايبي اللذان تحدثا عن اللغة والمقدس وكذا عن الراهن وارتباطه بالهوية والدين والذاكرة،عن الإيقاع،وما كتباه ـ وحتى روائيين آخرين ـ عن ثقافة الآخر غائب إذ لا يحيل هؤلاء على تاريخها، مثلا نص الطاهر بن جلون فيه إشارة إلى ثقافة الآخر التي تخدم الأنا ...عبد الكريم الخطيبي عبد الفتاح كيليطو آسيا حداد ..كانوا أكثر تعاطيا مع مسألة اللغة أكثر ممن كانت بداياتهم قرآنية،اختارت د.لوكام أن تحاور في مداخلتها أغلب أعمال آسيا جبار: بياض الجزائر،المرأة التي لا قدر لها،الحب والفانتازيا،رحيل اللغة الفرنسية... والتي فيها حديث عن اللغة العربية،ففي إحدى تصريحاتها قالت: "اللغة العربية هي الأم واللغة الفرنسية هي زوجة الأب".

من خلال قراءتها لرواياتها تساءلت: لم هذا الحنين كله للغة؟ ولم ربط اللغة بشكل تقديسي؟.

إدريس الشرايبي في سيرته الذاتية يقول بأنه دخل المدرسة القرآنية وتعلم فيها العربية وقال عنها:   لغة تشبه بشكل غامض لغتنا،ولا ندري ما الذي يقصده بلغتنا؟.له رواية "رجل الكتاب"عبارة عن سيرة للرسول وفيها تحدث عن جمال اللغة العربية وعن المعلقات .....،خلصت إلى أن باختيارهم لغة الآخر يلوذون بالتراث واللغة القديمة ويظهرون تعاطفهم مع شعرية عربية ما ...

أما د.مالك عوادي فقدم مداخلة بعنوان"اللغة والهوية في فكر الشيخ عبد الحميد بن باديس"

وضح فيها أن تناوله لهذا الموضوع هو من باب الإخلاص للتاريخ،لكنه لا يدعي أنه محاميا لابن باديس ولجمعية العلماء،تتناول في مداخلته: مفهوم الهوية واللغة،والهوية في فكر ابن باديس،جهاد ابن باديس في دفاعه عن مرتكزات الهوية في مقدمتها اللغة ...،

بين أن في فكر ابن باديس ثلاث مرتكزات للهوية: الإسلام والعروبة والوطن،ففي القضية الأولى يذكر أن الغاية من الحياة هو الإسلام،في مسألة الوطن: هناك من يتحدث عن الحركة الإصلاحية في الجزائر ويقول أنها كانت بعيدة عن المنحى الوطني وأنها لم تسهم في الثورة بشكل جيد وهذه كلها حسب رأيه مغالطات،بينما صك ابن باديس شعارا يعزز قيمة الوطن،المرتكز الثالث من مرتكزات الهوية: اللغة العربية،فأعضاء جمعية العلماء يشتركون في الحديث عن هذه الأقانيم والمقدسات الثلاث،ابن باديس في الدفاع عن الإسلام تصدى للمستعمر من خلال أعلامه ومثقفيه كذلك،بمقالات نشرت في جريدة الشهاب .التركيز على العربية والعروبة في كتاب العرب في القرآن،والاعتزاز بالشخصية العربية،كما تحدث عن مسألة ارتباط اللغة بالقرآن الكريم...

قدم أ.د.عبد الوهاب شعلان مداخلة موسومة بـ"مسألة اللغة في كتابات فلسفية: نظرات في بعض الأطروحات"

وضح فيها أنه سيتحدث عن مسألة الهوية منفصلة عن مسألة اللغة،قال: "في كتابه مسألة الهوية الإسلام والغرب" يبدأ الجابري بسؤال فيهه الكثير من الالتباس على الرغم من أنه يبدو واضحا لدينا: ماالعربي؟، ويعلق بأنه ستختلف الأجوبة عن هذا السؤال بحسب الأطراف الموجهة إليهم هذا السؤال،مما يعني أن سؤال الهوية غامض وماكر وملتبس،فالأجوبة متعددة،لو طرحنا هذا السؤال على الأوربي كذلك ستتعدد الإجابات،فالملاحظ أن مفهوم الهوية ينطوي على مايضاده وهو مفهوم الغيرية،فالهوية غيرية بالنسبة للآخر والغيرية هي هوية بالنسبة للذات،ومبدأ الهوية مبدأ منطقي،ففي المعنى الحديث والمعاصر صار مفهوما إيديولوجيا،حتى في ثقافتنا العربية وتراثنا ليس هناك شيء موجود اسمه الآخر،فالآخر مفهوم حديث ومترجم ومنخرط في التفاعل الثقافي الموجود الآن،والغيرية شرط أساسي وميتافيزيقي لوجودنا،من دون الآخر ليس هناك وجود أو عالم،فالغير هو الامتلاء والاكتمال،نتذكر مقولة رامبو: الأنا هو الآخر،والإنسانية تطمح إلى ماسماه بول ريكور البحث عن حياة سعيدة مع ومن أجل الآخر في كنف المؤسسات العادلة،وهو طموح مثالي قلما يتحقق في الواقع نظرا لاكراهاته وتناقضاته".

هذا وذكر عبد الكريم الخطيبي في مسألة الهوية وحسب قوله:  "يطرح جملة مفاهيم أساسية منها: مفهوم الاختلاف الوحشي ويقصد به ذلك الانفصال الزائف الذي يلقي بالآخر مطلقا، فهو يؤدي بظلال الهويات المجنونة أو الهويات القاتلة بحسب تعبير أمين معلوف، الثاقفوية والقوموية النزعة العربية ...،ويطرح مفهوم الهوية العمياء التي تركن للتراث وترفض فكرة الاختلاف،ولتجاوزهما معا يطرح الخطيبي مفهوم النقد المزدوج الذي يطال الذات والآخر معا،في مقابل الهوية العمياء تطمح الإنسانية إلى هوية تتبنى فكرة الإنسان وهو الانتماء الطبيعي..،في كتابه"الهجرة إلى الإنسانية" يقدم فتحي المسكيني طرحا يربط بين الهوية والكراهية،هل تحتاج الشعوب إلى الانفعالات الحزينة؟.فالكره هنا هو كره جمعي لاواعي وليس كرها فرديا، هو نوع من الكره الثقافي ينمو حسب حاجات المجتمع..."بين الأستاذ شعلان كذلك أن الهوية ترتبط أيضا بمفهوم الهيمنة وعلى رأس من طرحها إدوارد سعيد...

تقتضي الهوية أيضا حسب رأيه مفهوما متداولا بكثرة وهو "التسامح" يقول عنه أنه: " يبدو مفهوما إنسانيا متعاليا لكنه ينطوي على الالتباس والغموض،فقد تداوله فلاسفة فرنسا خاصة في سياق الحروب التي دارت بين البروتستانت والكاثوليك،الجابري يقول نحن ندعو للتسامح لكن نتسامح مع من؟"،بين أن الذين يروجون لهذه الفكرة هم الضعفاء من وجهة نظر الجابري،"حتى من طرحها من الغرب كانو الرافضين لأسسها كادغار موران..،ومع التأمل في مصطلحي التسامح واللاتسامح كلاهما ينطوي على ضرب من الاستبداد والسلطة،دائما مايرتبط التسامح بالاستثناء،ويقتضي هذا المفهوم أيضا مفهوم حوار الحضارات،هو مفهوم جميل لكن كما يقول الجابري قد يكون غير برئ وملتبسا،فحوار الحضارات كما ذكر الجابري هي ممارسة تلقائية لا تحتاج إلى دعوة،وحتى وإن قبلنا الحوار مع الغرب فأهل الحضارة ليسوا سواء،إذ الغرب متداخل ومتعدد وحرب أوكرانيا خير مثال على ذلك...".

وضح في خاتمة حديثه أن الهوية تطرح ضمن مسألة معينة وهي مسألة الاختلاف: التفكيك والتعارض والتداخل...،وتساءل: "كيف نتعامل مع هذا الطرح؟"....

فتحت رئيسة الجلسة باب النقاش حيث قدمت"بلفاسي مريم" تعقيبا عن محاضرة د.صاري،وهو كالآتي: "قال في خاتمته وسائل التواصل ساهمت بالمضي باللغة العربية قدما فعلى أي أساس تصدر هذا الحكم خاصة أن المسدي عد ذلك تفريطا لغويا ؟فكلما كثر الرفاه التكنولوجي كثر التلوث اللغوي ؟"

وأما بدر الدين درارجة تساءل: هل الهوية هي اللغة أم اللغة هي الهوية؟.

هذا ووجه د.ياسين سرايعية تساؤلا للدكتور عوادي: "ألا تعتقد أننا يجب أن نتجاوز هذه الخطابات التبجيلية التي يقولها رواد النهضة؟نحن نحتاج هذا الفكر من خلال إنزاله في قضايا معاصرة"،ثم وجه كلامه للأستاذة لوكام: "الشرايبي لا يمكن أن ننزله منزلة الخطيبي،فهو كتب عن الثقافة العربية ولم يكتب بهدف إظهار تعلقهما بثقافة اللغة العربية،فمثلا كتابه الماضي البسيط أثنى عليه الطاهر بن جلون ليس من باب الإثناء على العربية،فقد أراد أن يبين أهمية المستعمر بالنسبة لهذه الثقافة،كذلك آسيا جبار جاءت لتكتب عن تحرير المراة العربية المسلمة وتحررها بلغة الآخر.."،هذا ووجه تساؤلات للدكتور صاري: "ماهي البدائل التي يمكن أن نراهن عليها؟ هل نحن في حاجة للمقدس؟،وفي ختام تدخله قدم تساؤلات للدكتور شعلان: "التسامح موجود عند دريدا وهو من رواد الاختلاف، فالتسامح لا يعيش إلا في كنف الاختلاف ؟،ألا تعتقد أن هؤلاء حينما تحدثوا عن الحوار والتسامح سموا بالإنسان إلى المستوى الذي يجب أن يكون عليه؟".

أما علاء الدين فداوي فوجه تساؤله للأستاذ شعلان: "على ذكر نقطة التسامح اللغوي،مثلا في الجزائر مع التعدد والانفتاح على هذه اللغات،هل يعد ضرورة في الوقت الراهن أم مع رفضك لهذه الفكرة نعود لحرب اللغات ؟ ألا تعد البديل عن فكرة الصراع اللغوي خاصة في الجزائر مع وجود الفرنسية والأمازيغية ..،ألا يعد الانفتاح على الامازيغية خطرا على العربية أم أنه ضرورة ؟"

هذا وقدمت الأستاذة سعيدة جلايلية تعقيبا على كلام د.سرايعية،قالت: "علق على محاضرة عوادي وقال أنه يجب أن نكتفي من هذه التمجيديات وأن ندرس التراث بأسئلة معاصرة،في التراث هناك الكثير من التاريخ المسكوت عنه،خاصة تراث جمعية العلماء المسلمين، يحتاج تاريخنا إلى إعادة كتابة والنبش عن المسكوت عنه"،ثم وجهت سؤالا للأستاذ شعلان: من خلال تعليق المسيري على دريدا،كيف نحدد هويتنا إذن؟

أما فاطمة الزهراء كامل تساءلت: "أستذكر كتاب قلق المعرفة للبازعي الذي تحدث فيه عن قلق الانتماء وقلق المعاصر،تناول فيه الحديث عن ادوارد سعيد،أتساءل إن كان تفكيك إدوارد للاستشراق أنه كان بغاية إرجاع المكانة العربية أم أنه لرؤية غربية فقط؟"

وفي ختام الأسئلة قدمت لمياء عميرش تساؤلات قالت: "في مسألة اللغة والهوية كيف يمكن للجماعة أن تحافظ على هويتها في ظل هذا الانفتاح ؟فالجماعات المتطورة لا تجد حرجا بينما الجماعات المتأخرة تجد حرجا في الانفتاح؟هل تشكلت الهوية العربية أم هي في قيد التشكل؟".

وبعد رد الأساتذة المحاضرين على جملة الأسئلة الموجهة إليهم ختمت الجلسة.

***

بقلم د.غزلان هاشمي 

في المثقف اليوم