تقارير وتحقيقات

الجامعات والسلم المجتمعي

فيصل عبدالوهابانعقد في جامعة صلاح الدين - أربيل الملتقى المفتوح الأول للسلم المجتمعي تحت عنوان (دور الجامعات في بناء ونشر فكر السلم الداخلي والمجتمعي) بتاريخ 10-11/10/2018 والذي قام بتنظيمه كل من جامعة صلاح الدين - أربيل وحركة السلم الداخلي في إقليم كردستان ورابطة النجف الأشرف الخدمية. ولم يتسن لنا حضور جلسات اليوم الأول ولكن جلسات اليوم الثاني كانت كافية لتكوين رؤية معينة عن الأفكار المطروحة وأهداف الملتقى.

كان حديث رئيس الجلسة الأولى أ. د عثمان محمد غريب المختصر والبليغ مؤثرا في نفوس الحضور حيث ألقى بيتا من الشعر لأحمد شوقي وهو يخاطب السيد المسيح:

يا حامل الآلام عن حامي الورى     كثرت عليه باسمك الآلام

ثم أتبعها بالقول أن الرسول الكريم قد اهتم ببناء الإنسان قبل أن يهتم ببناء الكعبة. وقد تحدث د. خليل رشيد أحمد من قسم اللغة العربية في جامعة جرمو عن معاناة قسمه وسط الجو اللامرحب بدراسة اللغة العربية في الجامعات الكردية نتيجة التراكمات التي أحدثتها الحروب والصراعات القومية بين العرب والكرد. وقال أن الأحداث السياسية هي التي أزمت هذه العلاقة وما علينا الآن إلا إعادة تثقيف الطلبة على أسس التسامح ونبذ العنف والإرهاب. كما تحدث د. حمدان الحمداني من جامعة الموصل عن الفجوة الواسعة بين الجامعة والمجتمع ودعا إلى نبذ التعصب والكره والتشدد والخوف من الآخر. كما ركز على أهمية التسامح في تعزيز السلم المجتمعي والرقي وبناء الحضارة. وعن (دور الإعلام في نشر السلم الداخلي والمجتمعي) طرحت د. نزاكت حسين من جامعة السليمانية  ومسؤولة حركة السلم المجتمعي في المحافظة جملة من الآراء حملت فيها الأحزاب السياسية مسؤولية الفشل في تحقيق السلم المجتمعي ودعت إلى تأسيس قنوات تلفزيونية مستقلة عن هيمنة الأحزاب السياسية والفئوية من أجل إنجاح برنامج السلم المجتمعي. وأوردت مثالا على ذلك وهي القنوات الغربية حيث  أنها تتفق بالمسائل الاستراتيجية وتختلف في الفرعيات على خلاف القنوات العراقية التي تبدو وكأن الحرب قائمة بينها. ثم فتح باب المناقشات فأكد البعض على الإبتعاد عن التسقيط الإعلامي والتمسك بالمصالحة المجتمعية. وأكد البعض الآخر على إنصاف الضحايا وتعويضهم كي يكونوا عناصر إيجابية في المجتمع. كما أكدوا على التفهم الصحيح لمنطلقات الإسلام. فلم يدعو الإسلام إلى العنف، مثلما علق أحد الحضور، فهو دين إنسانية ورحمة، باستثناء عشر آيات دعت إلى القتال في القرآن. كما أن الأديان السماوية تلتقي ولا تتصادم.

وتحدث الأساتذة في الجلسة الثانية عن أهمية العوامل الإقتصادية والقانونية في ترسيخ مفاهيم السلم الإجتماعي، كما أكدوا على دور الأستاذ الجامعي في هذه العملية وضرورة تفعيله إعلاميا لنشر هذا الفكر وانتقاله من الجامعة إلى المجتمع. إضافة إلى ضرورة الوصول للمعلومة بحرية وإتاحة الفرصة للفكر النقدي وعدم فرض النظرة الأحادية. ثم أشارت الباحثة جنار نامق  إلى كيفية تقبل الآخر المختلف إثنيا وقوميا ودينيا بتغيير اتجاهات الطلبة  الذين يتخذون من أساتذتهم قدوة لهم، فالطالب يأخذ اتجاهاته من أستاذه. كما دعت الباحثة إلى الإبتعاد عن التمييز الديني والقومي في الجامعة  وخلق فرص أكبر للحوار. ثم ألقى د. سعد محمود من جامعة تكريت  بحثه عن دور العلوم الإسلامية في السلم المجتمعي  وقال أن جامعة تكريت تمثل كل العراقيين بمختلف فئاتهم وطوائفهم وقومياتهم وعقد فيها أكثر من مئة ندوة ومؤتمر عن الفكر المتطرف.

وعلق د. فعال نعمة المالكي ممثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء بعد أن فتح باب المداخلات وقال لنعترف أن الجامعات غير متمثلة  في مشاكل المجتمع فلا وجود لجهة تتبنى مخرجات المؤتمرات التي تعقدها الجامعات وتحويلها إلى قوانين. وأضاف نحن نتفق في المواطنة والإنسانية ونحترم الخصوصية ولكن لا نغلبها على المواطنة والإنسانية. وقال أيضا أن اللجنة العليا للتعايش السلمي ستسعى لإدخال مادة التعايش السلمي في مناهج المدارس والجامعات. وقال السيد حسين الأسدي أن هناك عدم فهم للسلم الداخلي لأن معناه هو السلم داخل الانسان أي أن نصفي النفس من التسلط والعصبية  لانتاج السلم الداخلي. كما اقترح البعض  أن يعقد مثل هذا المؤنمر في كل جامعة عراقية سنويا لأن الناس ينظرون للأكاديميين وكأنهم يسكنون في أبراج عاجية. ثم علق د. سامي الزهو من جامعة تكريت  بأن الجامعة ستعقد مؤتمرا بعنوان (البحث العلمي وأثره في مواجهة الفكر المتطرف) والذي سيعقد للفترة ٤-٥ آذار ٢٠١٩م. واقترحت إحدى المشاركات أن تكون هناك عطلة رسمية ليوم التعايش السلمي. كما اقترح د. فعال أن تعقد مؤتمرات تخصصية في هذا الموضوع وكل حسب تخصصه، كما دعا إلى مراجعة التراث الإسلامي بشتى اتجاهاته وتصفية ما فيه من تجاوزات.

ومن البحوث التي ألقيت في الجلسة الختامية للمؤتمر بحث عن دور أقسام التاريخ في الجامعات العراقية في تفعيل السلم المجتمعي . وقال الباحث أن أخطر قسمين هما العقيدة والتارريخ، وأن شعوب الشرق التي تعشق التاريخ تحاول أن تستخدم الماضي لقولبة المستقبل. وقال أن المشكلة ليس في التاريخ نفسه ولكن بالمنهج الذي يتناول التاريخ. وتحدث د. نايف أحمد ضاحي من جامعة تكريت  عن أثر التعليم في ترقية السلم الاجتماعي والدولة المدنية. وأوصى بضرورة تفعيل القوانين في محاربة التطرف كما أوصى بأن تشرع قوانين بتجريم التعصب الديني وازدراء الأديان.

ثم ألقى د. أحمد دزئي رئيس جامعة صلاح الدين البيان الختامي للملتقى وأكد على نشر ثقافة التعددية الفكرية ونشر رسالة السلام والسلم المجتمعي ومنع كلما يثير الفتن الطائفية والعنصرية، وإقرار مادة السلم المجتمعي كمنهج في الجامعات وإقامة مؤتمرات وندوات عنها وتعزيز مادة حقوق الإنسان وإشراك منظمات المجتمع المدني وتأكيد دور المرأة في بناء المجتمع المبني على السلام.

 

د. فيصل عبد الوهاب حيدر

 

في المثقف اليوم