ثقافة صحية

المتفـورمين ومـرض السكّـر

bahjat abaasفي تعليق له على مقال الدكتور رافد علاء الخزاعي في (المثقف) في 5 كانون الأول (ديسمبر) 2015 كتب الصديق العزيز الدكتور عدنان الظاهر عن توقف استعمال الألمان مادّة الميتفـورمين متسائلاً:

(تحية /

هنا في ألمانيا توقف الأطبّاء عن وصف حبوب الميتفورمين لمرضى السكّري درجة ثانية ومنذ قرابة عامين وشرعوا بوصف حبوب أخرى هي :

Janumet 50 mg / 1000 mg

سويةً مع حبوب أخرى هي:

Repaglinid AbZ 1mg

واحدة قبل وجبة الطعام والأخرى بعدها فهل لديكم علم بهذا التغيير ولماذا جرى؟

شكراً)

ولما كان هذا التساؤل مشروعاً ومهمّاً ولم يحظَ بجواب خلال اليومين الماضييْن، أحببتُ أن أبدي رأيي وأجيب الأخ العزيز أبا قرطبة عن تساؤله وعن الأدوية التي يستعملها للسّيطرة على هذا المرض الذي أُصبتُ به منذ مدّة طويلة وكتبتُ فيه كتاباً، علماً بأنّ ما أذكره هنا هو (حصر) لسؤاله دون ذكر التفاصيل المتعلّقة بهذا المرض من نواحٍ أخَـر، فلهذا موضوع آخر. وسأحاول الإيجاز بقدر الإمكان.

إنّ عدم استعمال الألمان مادّة الميتفـورمين (وحدها) ليس لعدم مفعولها، بل لعدم كفايتها وحدها في السّيطرة على هذا المرض عندما يشتدّ، حيث أنّهم (الألمان) معروفون بطعامهم (الفخم) الدسم وسكّريّاته المركّزة وخصوصاً في (التورته) الألمانية الشهيرة التي يتناولونها بعد الطعام أو في الأماسيّ عندما يجلسون في مقاهيهم الغنيّة بالـ Kaffee und Kuchen! ويا لَذكرى الأيّام العِذاب!

لذا أخذوا يستعملون أقراص (حبوب) جَنْيومَتْ (هكذا تُلفظ بالإنكليزية) و(يانومَتْ – بالألمانية) وهي حبوب مركّبة من الحروف الأولى لمادّتين هما جانوفيا Janu..via واسمه الكيميائي (سيتاغلبتين Sitagliptin وميتفـورمين Met..formin. هذا المركّب(Janu+met = Janumet) هو من إنتاج شركة ميرك حيث أقرّته منظّمة الغذاء والدواء الأمريكية FDA في نيسان عام 2007 . ويُستعمل لتخفيض سكّر الدم في مرض السكّر النوع الثاني ولا يُستعمل في مرض السكّر النوع الأول. ولكنْ مع تمارين رياضية ونظام تغذية مناسب يُعطي نتائج جيّدة. كذلك لا يُستعمل في مريض السكّر الذي يعاني من الحموضة الكيتونية (Ketoacidosis) - وهو زيادة إفراز مادّة الكيتون في البول – لذا لم يتركوا هذه المادّة (ميتفـورمين) لأهمّيتها ولكنّهم (مزجوها) مع مادّة أخرى لتعمّ الفائدة والربح المادّي! إنّ مادّة الميتفـورمين الموجودة في هذا المركّب بالرغم من فوائدها الجمّة وليس لها عوارض جانبيّة خطيرة ما عدا في حالة نادرة في تراكم حامض اللاكتيك في الدم فيما يُسمّى بـالحموضة اللكتيكية (Lactic acidosis) الذي يجب معالجته في المستشفى فوراً وإلاّ يُؤدّي إلى هلاك المريض. وهي حال نادرة جدّا كما ذكرتُ وأبرز عوارضها: ألم غير عاديّ في العضل، صعوبة في التنفّس، الشعور بالإعياء والضعف واللجوء إلى نومٍ كثير أو طويل وشعور بألم مفاجئ في المعدة أو الأمعاء مصحوبٍ بتقيّـؤ أو إسهال وشعور بالبرد في الذراعيْن والرجليْن ودوار وصداع واضطراب في النبض أو بُطءِ ضربات القلب وغير ذلك من المشاكل.

لذا كان التغيير في عدم استعمال الميتفـورمين وحده بل بإضافة مادة فعّالة أخرى كالجانوفيا للحصول على نتائج إيجابيّة أكثر في تخفيض مستوى سكّر الدم حيث تعمل مادة (الجانوفيا) أو السيتاغلبتين في هذا المركّب على زيادة مستوى موادّ الإنكْرَتينات incretins الطبيعية في الجسم التي بدورها تسبّب زيادة إفراز الإنسولين من البنكرياس وخصوصاً بعد وجبة الطعام . أمّا الميتفـورمين ، فيثّبط (يقلّل من) تحرّر الكلوكوز من الكبد إلى مجرى الدم. لذا يكون ثمّة فاعلان أو عاملان لتقليل أو تخفيض مستوى سكّر الدم، زيادة إطلاق الإنسولين بواسطة الجانوفيا وتقليل تحرر كلوكوز الكبد بواسطة الميتفـورمين، وبهذا تتمّ السيطرة على مستوى السكّر في الدم الذي يؤدّي إلى تخفيض مستوى الهيموغلوبين المتسكّر glycated haemoglobin (A1C) والذي يجب أن يكون أقلّ من 7% ليكون مريض السكّر مُسيطراً على مرضه تماماً (تفصيل ذلك في كتابي - مرض السكّر والتعايش معه – عمّان 2002)

أمّا دواء ريباكلينايد Repaglinide واسمه العلميّ براندين Prandin الذي يوجد بتركيز نصف ملغم أو 1 ملغم أو 2 ملغم، فعمله يكون في تحفيز البنكرياس لإفراز الأنسولين وهذا هنا يُشبه عمل موادّ السلفونيل يوريا وإن اختلف في تركيبه عنها، وله جوانب سيّئة أيضاً. والاستنتاج إنّ هذه المواد مهمّة في السيطرة على مستوى سكّر الدم وإلاّ فالعواقب وخيمة تتضمّن تلف الكلية والشرايين وأمراض القلب والعين والقدمين وغيرها، والغاية الأساس هو تقليل تركيز الهيموغلوبين المتسكّر A1C، والذي هو العامل الأساس في هذا التلف، إلى ما لا يزيد عن 7% كما ذكرتُ آنفاً، ولكنّ استعمال هذه الأدوية ليس بدون ثمن، فضررها ليس بقليل. ولكنّ السيطرة على مرض السكّر قد تتمّ من دون استعمال أيّ دواء، وإنّ كاتب هذه السطور لم يستعمل أيّ دواء للسّيطرة على مرض السكّر منذ خمس عشرة سنة والهيموغلوبين المتسكّر A1C لديه كان دائماَ في هذه الفترة أقلّ من 7% ، والتحليل الأخير في شهر نوفمبر الماضي كان 6.4% فقط (وهذا يمثّل الحدّ الأعلى الطبيعي لغير المصاب – حسب المعايير الحاليّة) والفضل يعود إلى الالتزام بنظام تغذية صحيح ورياضة بدنية منتظمة.

 

ربّما يكون هذا الرابط ذا نفع، وهو مقالة أو مقدّمة كتابي (مرض السكّر والتعايش معه):

http://almothaqaf.com/index.php/health/45776.html

 

بهجت عباس

 

في المثقف اليوم