صحيفة المثقف
المثقف في حوار مفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق (1)
خاص بالمثقف:الحلقة الاولى من الحوار المفتوح مع الاديبة وفاء عبد الرزاق، لمناسبة تكريمها من قبل مؤسسة المثقف العربي، وفيها تعرّف الكاتبة نفسها، من خلال الاجابة على سؤال المثقف، كما تجيب على اسئلة الاديب الكاتب: سلام كاظم فرج.
س1: المثقف: كيف تقدم وفاء عبد الرزاق نفسها؟
ج1: بكل بساطة.. القماط ُسعفٌ والحليبُ نهر ....
قالوا: الأطفال يسمعون حسيسَ النارِ ويركبون أزيزها.
هو ذا الطقس... فبعد سبع شهقاتٍ أذَّنتُ:حيِّ على العراق.
لكن بعد تسع نكبات،، تيقنتُ أن هاويتي لعبة بيد الطغاة.
بعد عشر عجاف لم أجد بغداد في بغداد، ولم أجد وفاء في وفاء.
وجهي غير وجهي،، لغتي ليست لغتي،، وخطوي غامضٌ..
ليس في مرآتي غير الممحاة.
س2: ادب – المثقف (نوال الغانم) الشاعرة والقاصة المبدعة وفاء عبد الرزاق فرصة أن يضع المثقف الأدبي على طاولتك هذا السؤال:
خلال الخمسين عاماً الأخيرة تطور الشعر بشكل متسارع، تنقل من الشعر العمودي إلى قصيدة التفعيلة، ومن التفعيلة إلى قصيدة النثر ومن خلال قصيدة النثر إلى النص المفتوح.
هل ترين أن في هذا التنوع عافية للشعر أم أن المشكلة تتعقد كلما ظهر نوع جديد من أنواع الكتابة خاصة وأنتِ تلاحظين أن الجدل لم ينطفئ لحد الآن بين العموديين والنثريين؟.
ج2: القصيدة هي نتاج واقع، فبالتالي تشكل نفسها حسب واقعها معرفيا، تتمرد لغويا وتستحدث جمالياتها من ذلك الواقع لأنها جزء منه. إن بقيت على حالها شُلَّت لأن واقعها متحرك ومتغير.
وما يحدث من تغيير هو عافية صحية وإن أثار التغيير جدلا، فلا يمكن أن تكون اللغة التي عبَّرت عن الصحراء أداة إنتاج حضاري ومعرفي إذا لا يتم ترويضها لتخوض صراع مخاض عنيف ومتعدد لتعبر عن حاجتها وحاجة الإنسان إلى الرقي حسب الظروف الحياتية التي اختلفت فيها معايير الجمال. والمدارس التي مر فيها الشعر لم تأت بسهولة إنما نتيجة ثورة، بل ثورات لأجيال من الشعراء قاسوا وتحملوا معاناة كسر الشكل الجامد في الشعر والثورة عليه.
أرى أن قصيدة النثر تبحث دائما عن المدهش، كما قال أراغون: إن الحرية تبدأ هناك حيث يولد المدهش.
سلام كاظم فرج: اديب وكاتب / العراق (أسئلة ملونة)
من الصعب الإلمام بكل ما كتبت الأديبة العراقية وفاء عبد الرزاق من قصص وروايات وقصائد..ومن الصعب الوقوف عند أدق المحطات وأجملها في مسيرتها أديبة وإنسانة.. وبمناسبة إصدار الملف الخاص بتكريمها من قبل مؤسسة المثقف وجدناها فرصة للتعرف على بعض عوالمها.. فتوجهنا لها بالأسئلة التالية...
س3: سلام كاظم فرج: ماذا تعني البصرة بالنسبة لوفاء.. ومتى كانت لحظة وداعها الأخيرة..وهل تفكر بالعودة إلى أحضانها.. أم إن الأمر يبدو حلما بعيدا..؟؟
ج3: تركتُ البصرة سنة 1970 في الشهر السادس تحديداً. حيث كانت أولى علاقتي مع الاغتراب، وكانت أقساها على روح مراهِقة في السادسة عشرة..قلتُ أصعب لحظاتي لأنها كانت كلحظة فصل الروح عن الجسد.
مازلتُ أشعر بمراهقة تلعب بين أضلعي أخبؤها بين الحنين ولهاثه.. حلمتُ ومازلتُ في حلم العودة،، أصعد سلالم اللون وأشعر بضوئها ثم أصحو من حلم موجع... لا أدري هل أستطيع رؤية بصرتي بوضعها الحالي خاصة وأنا لم أخرج من رحمها، بل تركت روحي تحت مظلتها وطحنتُ عمري كسجد أبله، وصفتـُه بفاقد الذاكرة.... بعد هذا لا أظنك أخي سلام ستسألني ماذا تعني البصرة لمشنوق معلَّق بخيط أمل.
س4: سلام كاظم فرج: أجمل المحطات التي تتذكرها الشاعرة في البصرة أولا .. وفي بقاع العالم الأخرى ثانيا؟؟
ج4: أجمل محطة عالقة في ذاكرتي عندما خرج الشعر من جوانح طفلة في التاسعة، جاء على شكل بيت من" الأبوذية" .. أتذكر فرحة أبي وتهنئته لأمي قائلا: افرحي نجيبة ابنتكِ شاعرة..أما المحطة الأخرى.. يوم الكسلة أو فرحة عيد نوروز واحتفالية النهر بالراقصين في الماطورات وطعم الخس المنقوع بالماء وفستاني الزهري المقلَّم الذي لم يبرح ذاكرتي حتى أجده يفرض نفسه على أشعاري ويتربع على قصائد عدة..
المحطة الثالثة، يوم ذهبت إلى محطة تلفزيون البصرة لأقدم قصيدة في عيد العمال،، كنتُ جريئة في تعاملي مع الكامرة وأمتلك صوتا يضفي على العشر جمالا خاصا.. جرأتي جاءت من وقوفي على المسرح المدرسي منذ الابتدائية حتى مرحلة المتوسطة وقت قراءة القصيدة في التلفزيون .. حين أنهيت التقديم دخلت مع صديق أخي الذي قادني إلى التلفزيون وجلسنا غرفة مدير المحطة وقتها "الأستاذ إحسان السامرائي".. ابتسم وحياني الرجل ثم طلب مني أن أملأ طلب وظيفة قائلا: أترين هذه الكمية من الطلبات ؟ قلت نعم ... قال كلها للعمل في التلفزيون. لكني اخترتك مذيعة لما تمتلكينه من صوت وحسن الأداء وشخصية مؤثرة في المشاهد..
كانت فرحتي لا تضاهيها فرحة خاصة وأنها أمنية حلمت فيها نتيجة إعجابي بمذيعة في تلفزيون الكويت (هدى المهتدي)..وقعت الطب دون استئذان أهلي واتفقنا على مباشرة العمل في اليوم الثاني،، ثم أوصى الأستاذ إحسان السامرائي سائق الحافلة بمعرفة عنواني ليقلَّني عصر الغد....
كنت أعرف مسبقا بموافقة أهلي لأنهم أعطوا الحرية لمواهبي وربوني على الثقة بالنفس.. فرحوا كثيرا حين عودتي وهنأني أخي قبل باقي الأسرة كونه يحمل أفكارا تقدمية فكرا وانتماء.
أما محطاتي الأخرى فهي كثيرة خارج العراق،، لكن أخبركم عن واحدة تركت في نفسي أثرا لا يُنسى،، ألا وهي اشتراكي في مهرجان السلام في فرنسا (باريس) ... اليوم الثالث للمهرجان كان على مسرح كبير ودوري في قراءة قصيدتي في نهاية الجزء الأول من الاحتفال، حيث قدمت قصيدة بعنوان (إلى أين يا كلكامش) وهي من ديواني البيتُ يمشي حافيا،، ومترجمة إلى الفرنسية.. قرأت أنا بالعربي وشاعر فرنسي شاركني قراءة القصيدة بالفرنسي كما شاركنا عازف عراقي مغترب .
قرأت النص بالتبادل مع وشاعر فرنسي، وكان الفرنسي متأثرا جدا. رأيت دموعه ودموع العازف لأنهما لم ينظرا إلى الجمهور بل إلى وجهي المنهمك المنعزل عن كل شيء إلا من طقس القصيدة..عند خروجي للاستراحة استقبلني الجمهور باكينا وضمني حضن الفرنسيات والعربيات،، وكانت السيدة هدى الدريدي مترجمة ديواني من مذكرات طفل الحرب ودموعها وزوجها الشاعر محمد الرفرافي تحتضن صوتي .. ترجما لي سبب انفعال الفرنسيين احتضانهم.. قالا لي:- كنتِ العراق شعرا.
ساعتها سالت دموعي دون بكاء... أعتبرهذه أهم محطاتي خارج العراق لأنني كنت العراق فعلا، العراق الذي التف الجمهور حوله محتضنا أسطورته وجذوره الضاربة في الأرض.
س5: سلام كاظم فرج: هل تؤمن الكاتبة القديرة وفاء عبد الرزاق بثنائية الإبداع وتقسيمه إلى أنثوي وذكوري.. وهل ترى أن الأدب النسوي والعراقي شعرا وسردا يستحق الوقوف كثيرا بما يوازي الوقوف عند الكتابات الذكورية؟؟
س5: لا لستُ ممن يقسم الأدب على جنس مبدعه، فالإبداع صوت الإنسان.
والأدب الذي تكتبه النساء لا يوازي ما يكتبه الرجال عدا فقط..أما نوعا فأقول نعم..لكن هناك قصور بحق المبدعة الأنثى من النقاد وكان رأيي واضحا وحضرتك تابعت ذلك أخي سلام... نحن لا نملك غير سؤال بين أسئلة مقتنعين بأجوبتها مسبقا أو نوهم أنفسنا بردها تحفظا أو رغبة في إقصاء الآخر.
س6: سلام كاظم فرج: ولكن هل تعتقدين سيدتي أن جيلكم يضاهي جيل نازك وعاتكة الخزرجى ولميعة..وفي القصة العراقية الراهنة من تجدين من الأسماء الجديرة بالإشارة؟؟.. بمعنى هل يملك السرد النسوي العراقي ما يضاهي غادة السمان ولطيفة الزيات..
ج6: المرحلة التي ذكرتها بمبدعاتها كانت مرحلة صناعة المبدع وتقديمه والوقوف معه،، وقد لعب الموقف الأيدلوجي دوره في ذلك وهيأ الفرص
لشعرائه وكتابه. الآن نعيش مرحلة انهيار هذه المفاهيم ومرحلة الحروب والصراعات الطائفية وسياسة الحزب الواحد . وأعتقد الحكم السابق لعب دورا سلبيا أكثر منه إيجابيا في الثقافة العراقية،، فبالتالي انزوت كتابات مهمة وتحفظ بعضها.. سابقا كانت مساحة حرية المبدعة والمرأة اكبر من الآن خاصة في العراق.. يا سيدي اطمئن،، العراقية اليوم قاصة وروائية ورسامة وشاعرة وصحفية وفنانة وأغلبهن فزن بجوائز عربية،، ، ثم أقول نعم وبقوة وأتحدث عن جيلنا كما نقول بالدارجة (بحيل صدر) لأني واثقة من مستوى المبدعات العراقيات رغم مرحلتنا ليست كمرحلة سابقاتنا ولو نلنا الدعم لتصدرت المبدعة العراقية على خارطة الإبداع العربي..(إنعام كجهجي،، هيفاء زنكنة،، بتول الخضيري.،، نجاة عبد الله،، فليحة حسن،، ابتسام عبد الله... أسماء محمد مصطفى،، ميسلون هادي..وسمرقند الجابري...و كثيرات أتشرف فيهن كون منجزهن ترك بصمة واضحة وتطرقن إلى أمكنة في القصة أو الرواية والشعر تحاكي زمنهن وواقعهن . بمعنى ترجمن الواقع بل تخطيناه إلى خلق رؤية مستقبلية .
أضرب إليك مثلا (قبل فترة وصلتني صفحة من جريدة تصدر في البصرة سنة 1952 وكان فيها تعليق على صورة عرض سباق ملكة جمال العالم مع ذكر الموعد والمكان.. عليك أن تستنتج حضرتك الفارق بين بصرة الأمس واليوم وتتوصل لرد يوضح الفرق بين حرية الجيل الذي تحدثت عنه وجيلنا.
س7: سلام كاظم فرج: هل أنت راضية عن النقد العراقي الراهن؟؟
ج7: لا لست راضية،، والنقد العربي لا يواكب المنتَج الإبداعي، وتتحكم في النقاد اعتبارات كثيرة وبعضها مؤسف،، نعم مؤسف ولا أعمم هنا لكن البعض الآخر متكاسل ... قليلون يكتبون بحب العمل دون صاحبه ويهتمون بالنصوص ويتابعون كتابها ويقتربون منها ثم يقدمونها للقارئ حامين مواقفهم الإبداعية تجاه ضمائرهم النقدية... صدقني لو أكلمت حديثي عن النقد سأتكلم بصراحة ولو ذكرت بعض الأسماء ستفاجأ.. لكن اكتفي بهذا.
س8: سلام كاظم فرج: سؤال أتمنى الإجابة عليه بصراحة وبعكسه يمكنك سيدتي شطبه .. ماهو رأيك بالنصوص الشعرية النسوية التي تعتمد الإيروسية علامة فارقة ؟؟؟
ج8: لماذا هذا التوجه في البحث عن الكتابة الإيروسية حاليا ووضعها بين أقواس وكأنها خطأ فادح أو ذنب لا يُغتفر؟ أليس من حق المبدعة الخوض فيما تراه أو تشعر أنه يمثل حالة من حالاتها الإبداعية؟
لا يعني حين أثير التساؤلات أقف مع بعضهن حين يتعمدن الكتابة بقصد جلب الأنظار وليس التحدث عن الجسد من خلال تجربة إبداعية أو حالة إنسانية تتناولها المبدعة كشريحة من شرائح المجتمع...
في روايتي السماء تعود إلى أهلها تتجلى الحالة الإيروسية بشكل واضح وعلني وليس كما أفعل مع قصائدي الشعرية التي تترجمني كشاعرة وتترجم موقفي تجاه النص الشعري.
تحدثت عن مومستين وحياتهما،، وتعرضت إلى هجوم كنت أتوقعه ومستعدة له مسبقا، لكني أجبت على من تهجم:
- قل لي بربك ماذا يكون النقاش بين المومسات؟ كيف يتحدثن عن فراش الرجل ومعاشرته وكيف يتشاجرن؟
ثم ذكرت له مثلا عراقيا (كلشي ولا تتحرش ب..ق...) .أحيانا الحالة والمعالجة في الكتابة تتطلب ذلك. لكني لست مع من يكتبن بشبق من أجل لفت الأنظار فقط.. جميل أن تكتب الأنثى عن عشقها ولا تخدش حياء الأنثى. وهناك فارق بين الحالتين،، لأن الروائي عليه نقل الحالة بمصداقية دون رتوش وإلا يكون خانها أو تحايل عليها من أجل إرضاء شريحة غير عارفة بهذا الدور،، لا اقصد بالرتوش التلاعب في اللغة.
س9: سلام كاظم فرج: واسمحي لي برأي نقدي حول نصين لك اتخذتهما نموذجا وهما صعودا إليك.. ولحظة أنوثتي.. في هذين النصين تعتمد وفاء عبد الرزاق الإيروسية المتطامنة والتي تعتمد الإيحاء لا المباشرة.. والتلميح بخفر إلى موضوع ايروسي لايخفى على القاريء المدقق..
(ماذا ستلبسُ الليلة
رقصَ روحي أم قناديلي
أم دهشة َالستارة ِالتي تعرَّت لأجلنا؟)
وإذا دققنا في هذا المقطع تكون الفكرة أكثر وضوحا..
(اكتبني انتعاشا وانتشاء.
هيا اقرأ سطور قبلتي وتهجى رضابي..)..
انأ فكرت بتسمية لنصوصك التي تقترب من الإيروسية .. بـ (النصوص المشبوبة بحياء.). وتتستر بما يسمى بالابدال.. فالستارة لديك هي التي تتعرى.. لا شخصية النص..
هل رأيي يصيب الحقيقة.. أم هو اقترب منها قليلا؟؟ أم انأ واهم.. ؟؟؟
ج9: نعم أخي سلام أنت مصيب برأيك وما توصلت إليه فعلا التخفي أو التستر بحياء الأنثى المعبرة عن لحظة أنوثتها رغم أني حين أرجع إلى الأسطورة العراقية أجد الأنثى أكثر جرأة منا الآن. والراوي في ألف ليلة وليلة كانت حريته مُطلقة. وهذا يقودنا إلى أن الأدب الإنساني مساحته بلا حدود فلماذا نصر على وضع الأسوار حوله؟
وختاما تقبلي محبتنا وتقديرنا لمنجزك الفخم والذي يدعو إلى الاعتزاز ويدعونا أن نباهي بك العالم..
..........................
ملاحظة: يمكنكم توجيه الاسئلة للمحاور عن طريق اميل المثقف
...........................
خاص بالمثقف
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (عدد خاص: ملف: تكريم الأديبة وفاء عبد الرزاق، من: 05 / 11 / 2010)