نصوص أدبية

مامند محمد قادر: التمرين الأخير

كانت الشمس تموت ببطء، متكئة على اطراف البلدة كشيخ أنهكه اليقين. وفي الساحة التي خلف المدرسة المهدمة، كانت بقايا الحرب تنتظر من يوقظها، مدافع صدئة، عجلات مدرعات نصف مدفونة، وخوذات بلا وجوه.

هنا، اجتمع الأطفال كعادتهم، ليؤدوا لعبتهم، لعبة الحرب. قال مالك، الأكبر بينهم، واضعاَ خوذة فيها شق عميق فوق رأسه: " اليوم نعيد معركة التحرير وو وزَع الأطوار كما يفعل الضباط:

 سليم انت القناص، اتخذ السطح العالي فوق العجلة.

خالد، انت الشهيد، تتظاهر بالموت، وتصرخ الأرض لنا.

فراس، انت المسعف، ليكن بيدك شيء بدل النقالة.

رشيد، انت تراقب من بعيد، وتتخذ الأوامر بالهجوم.

أنتم البقية جنود، كل واحد منكم يحمل خشبة بيده، في وضع الأستعداد، اختبأوا خلف المدرعات والدبابات.

بدأ الصراخ، الركض، أطلاق النار بالعصي، وانفجارات من أفواههم.

أحد يزحف فوق التراب يلوح بمنشفة كالراية، أحد يقفز من فوق ساتر ترابي، والقناص سليم يضع منظاراَ من قطعة بلاستيكية على عينيه، ويقول: استهداف العدو، ثلاث، اثنين، واحد... ضحك، ركض، صراخ، والتظاهر بالسقوط.

في لحظة، تسلقَ أربعة منهم الساتر، وركض أحدهم فوق لوح معدني صديء، نصفه مدفون في الأرض، حدث فجأة انفجار، ليس كوميض القنابل، بل كصرخة من جرح قديم لم يغلق. تطاير الغبار، الحديد، والاجساد الصغيرة. سقط فراس، وذراعه تنزف. هرب الأطفال مرعوبين، بعضهم يبكي، وبعضهم يصمت ووجوههم مصفرة . لكن سليم، لم يعد معهم، بحثوا عنه بين الحجارة، ووجدوه ميتاَ، وجهه ملطخ بالدم.

عاد الأطفال الى بيوتهم، خلعوا أحذيتهم بصمت، وتسللوا الى الداخل كأنهم لم يكونوا هناك أصلاَ.

قال الكبار لاحقاَ انَ لوح الحديد أخفى تحته عبوة قديمة.

و منذ ذلك اليوم، ظل بعض الناس يقولون انهم حين يمرون من هناك ليلاَ، يسمعون صوتاَ خافتاَ يخرج من بين الأنقاض، دون أن يعرفوا، أ هو صوت الجنود أم الأطفال ؟: هل يمكن أن نموت... ونحن نعتقد اننا نلعب؟

 ***

د. مامند محمد قادر -  شاعر وقاص عراقي كوردي

 

في نصوص اليوم