شهادات ومذكرات

تراثيات: الشوارع والفنادق والحمامات في بغداد العباسية

alaa allamiكان لبغداد شارعها الرئيسي ويدعونه الشارع الأعظم، وتأتي بعده عدة سكك تصطف الدور على جانبيها، ثم الدروب فالأزقة. وكان عرض الشارع خمسين ذراعا والدرب ستة عشر  ذراعا. وكان ثمة فسحة أمام قصر الخليفة  الكبير، وأمر المنصور بإخراج الأسواق إلى الكرخ وتوسيع الشوارع بعد ثورة أهل الأسواق سنة 157 هـ بقيادة المحتسب يحيى بن زكريا. ولم يكن يسمح في البداية بالتجول راكبا في بغداد  إلا للمهدي ثم أبيح ذلك للجميع. أما شوارع سامراء المعتصم، العاصمة اللاحقة، فكانت أوسع من شوارع بغداد. وكان عرض درب الزعفران في الكرخ والذي ينزله أهل العطور والبز " الأقمشة" ثمانية أمتار. ويقدر اليعقوبي عدد الشوارع والسكك والدروب بستة آلاف درب وسكة. وعُني بنظافة المدينة في البداية فكانت الرحاب تكنس كل يوم ولكن الأوساخ تكاثرت وتراكمت لاحقا. وتدخل المحتسب فمنع إخراج  جدار الدار أو الدكان الى الممرات ومنع جلوس السوقة وإخراج المصاطب وربط الدواب ورمي الكناسة في الشوارع . وكان الناس يستحرمون الشراء من الباعة الذين يضايقون المارة. ولكن أوامر المحتسب لم تكن تحترم دائما فكان باعة الباقلاء يبيعونها في الشارع. وفرَّق الفقهاء بين الشارع والزقاق، فالزقاق هو سكة غير نافذة، وهو ملكية عامة للمتجاورين فيه، وعرَّفوا الفناء بانه (المساحة الحرة أمام البناء) وكان الحق في المرور في الدروب والساحات لجميع الناس ودولابهم مضمونا لا يجوز احتكاره ولا حفر بئر فيه.

أما الفنادق الخانات فهي منشآت سكنية وتجارية ينزلها التجار من وطنيين وأجانب وقد خصص الطابق الأرضي منها للمتاجر والاسطبلات أما حجرات الإقامة والنوم فكانت في الطابق العلوي. وكانت الخانات تستخدم السطوح لينام عليها المسافرون وتخصص لكل عائلة زاوية معينة – بقيت هذه العادة في النوم على السطوح في بغداد وغيرها من مدن العراق حتى أواخر القرن الماضي وربما لا تزال قائمة في بعض مناطقها حتى الآن - وكانت تعقد حلقات التدريس وجلسات السمر في الخانات أيضا.

وبنيت الحمامات بطلب من المنصور، ولكن الفقهاء ورجال الدين المتشددين كانوا يتحرجون من دخولها في البداية. ولكنها أصبحت شائعة لا حرج فيها بحكم العادة السائدة لاحقا، وكانت تبنى بجانب الجوامع غالبا. وألَّف إبراهيم الحربي الزاهد كتابا في الحمامات وآدابها. وبلغ عدد الحمامات في بغداد أعدادا قد لا نصدقها اليوم فكانت في عهد المقتدر عشرة آلاف حمام وبلغت في عهد معز الدولة سبعة عشر ألف حماما. وأعجب ابن بطوطة بحمامات بغداد فقال (حتى يظن الرائي أن القار التي تطلى به رخاما أسود). ويكون لكل زبون في الحماء حوض يصب فيه انبوبان للماء البارد وآخر للحار. وبنى علي بن أفلح حماما في قصره (ضم بيت مستراح فيه بيشون "حنفية" إن فركه الإنسان يمينا خرج الماء حارا وإن فركه شمالا خرج باردا). وكانت الحمامات تزين بالصور وتزدحم أيام الجمع وكان العيارون يأوون إليها وينامون فيها. ولاقى دخول المرأة الحمام في أيام خاصة بها التشجيع وكانت المرأة تتفنن في تبرجها في الحمام. وكان بعض الناس يدخلون الحمام دون مآزر أو يتمرغون على أرض الحمام الرخامية أو يضطجعون داخل حوض الماء،  وفي سنة 467 أمر المحتسب بمنع الناس من دخول الحمامات من دون ميازر. ونشأت عصابات سرقة متخصصة في الحمامات كما نشأت الكثير من الخرافات المتعلقة بالجن والشياطين حولها. يتبع.

 

علاء اللامي - كاتب عراقي

 

 

في المثقف اليوم