نصوص أدبية

تهويمات تحت دخان الحرائق / يحيى السماوي

 

 (1)

سلام ٌعلى النهر والطين ِ

والنخلةِ الباسقة ْ

 

سلامٌ على السّـفح ِ ..

والسهل ِ..

والقمّة ِ الشاهقة ْ

 

سلامٌ على الكوخ ..

والناي ..

والعاشق ِ المستهام ِ ..

على شرفة ٍ 

ضاحكتْ نجمة ً في الخيال ِ

على دمعة ِ العاشقة ْ

 

سلامٌ على المُقعَد ِ المُستضام ِ ..

على العزم ِ ..

والخطوة ِ الواثقة ْ

 

سلامٌ عليك صديقي ربيب السفرجلِ والأقحوان ِ

سلامٌ على النيّة ِ الصّادقة ْ

 

                      (2)

 نزفنا من الدم والدموع ما يكفي لإطفاء عطش غابة .. ومع ذلك ، فقد عجز نزفنا عن إرواء زهرة  واحدة ..

نفثنا من دخان القنوط ما يكفي لتشكيل عشرين سحابة ..  لكنها لم تمسّد  جبين  الأرض ولو بقطرة مطر واحدة ..

صرخنا في مقابرنا حتى جفّت حناجرنا .. غير أن القبور لم تُجِب بغير الصدى ..

آه أيها القلق .. أطلِقْ سراحي  من أمسك ، عسى هدهد الغد  يهتدي لشجرة يومي .

 

منذ عصور النار الأولى وأنا كالرحى : أطحن عمري  .. أفرعُ نخلة ً في صحراء .. جذري في مكان ، وظلي في مكان آخر .. فكيف سيخصب رحِمُ المحّارة إذا كان الينبوع أعلن العصيان على النهر ، ولا ثمة غير  مطر الآهات يسّـاقط  عـلى الضفاف ؟ ومن أين لي بالـطمأنينة إذا كنت عدوّ نفسي  ؟

ضلوعي تتساقط نخلة ً نخلة ً  تساقط َ أوراق ِ التقاويم على الأرصفة ! فمتى يقوم البستانُ إذا كان القياصرة يحرقون الآف الأشجار كلما استنبت الجياع عشبة ؟  وأنّى للمدينة   الفاضلة أن  تقيم مهرجانها والإنكشاريون  يهدمون مدنا كاملة كلما ابتنى  السومريّ كوخا من قصب ؟

 

                  (3) 

في الزمان القديم ، كانت الخضرة تقيم مهرجانها في قريتنا الممتدة من أهداب زاخو حتى قدَمَيْ البصرة ...

أيها الزمان القديم ، أما آن لأبي ذر الغفاري أن يشهر سيفه ؟ وأنت ياعروة بن الورد ، ألا ترى أطفال أحفادك يحملون علب صبغ الأحذية وينقّبون في نفايات المطاعم ، يتقافزون عند إشارات المرور بين باسط ِ يد ٍ بصحن شحاذة ، ومحني الظهر بسطل الماء وعلب " الكلينكس "  ..

سعف النخيل لم يعد مروحة الصيف و فاكهة  الشتاء  .. السنابل أعلنت الإضراب عن التمّوج في الحقول .. والعصافير أعلنت الإضراب عن السقسقة ، فكيف لا تكتهل الشمس والفضاء مدججٌ بدخان الحرائق ؟

أنزلوا العلم الوطني ّ ...سأنصب بدلا منه مِحراث تنور أمي  سارية ً ، وأشدُّ إليها  كفن شهيد لم يستشهد بعد في وطني المعروض للإيجار في سوق النخاسة الدولية ..

                                    **

 

                  (4)

ذقت ُ العذابات ِ

فما وجدت ُ أقسى

من عذاب الظن ِّ

 في الأقبية ِ السريّةْ ْ

 

وذقت ُ كلّ لذة ٍ شهيّة ْ...

 

فلمْ أجدْ

ألذ ّ

من فاكهة ِ الحريّةْ

 

غفوتُ في الأقبية ِ المُحْكمَة ِ الجدران ْ

 

ركضت ُ في حدائق النعيم ِ  ..

في أودية ِ الحرمان ْ...

 

نمتُ على ريش ِ اليمامات ِ ..

وفي أسِرّة ٍ من حَسَك ِ السعدان ْ

 

مُكرّما ً حينا ً

وألفَ مرّة ٍ  يهينني المنبوذ ُ

والآفكُ ..

والجبانْ !

 

جلستُ فوق العشب ِ

في غاباتِ سنديان ْ

 

وفوق طين القهر ِ

والهوان ْ

 

بين وحول ِ الهور ِ

أو حقول كردستان ْ

 

فلم أذقْ خبز َ المنى

إلا بكوخ ٍ سقفهُ الأمان ْ

 

قرأت في التوراة ..

والإنجيل ِ..

والقرآن ْ

 

فما وجدت ُ مذهبا ً

أعظمَ

من محبّةِ الإنسان ْ

 

      (5)

لا شيء في نفسي من " حتى " ..

في نفسي الشيء الكثير من " متى " ..

 

         (6)

حين يئِسـتْ شقيقتي وأبناؤها الستة من العثور ولو على قلامة ظفر من رفات زوجها  وهم ينتقلون من مقبرة جماعية إلى أخرى : أخرجت من خزانة ملابسه قميصا .. دفنته في مقبرتنا العائلية ...

نقشت على   شاهدة القبر:

هنا يرقد قميص المناضل الشهيد " إبراهيم الحساني " 

 

      (7)

وكان لنا في الزمان ِ القديم ِ

حقول ٌ من الياسمين

تدبُّ إليها الطفولةُ قبل الفراشات ِ

تلهو العصافير فيها

وكان لنا صولجان ُ البداية ْ

 

وفي غفلة ٍ ـ في الزمان العقيم ِـ

انتبهنا  إلى الياسمين  ..  الطفولة ِ :

تحت سنابك ِ " قصر النهاية ْ "

 

 على فسْـحـة ٍ من رياءْ

أقاموا " السقيفة َ " ... ما بايعَ الواثبون َ

ولكنّ بعضا ً من الأوصياءْ

 

توهّمَ أنّ الذئاب ستغدو عصافيرَ

والجمرَ ماءْ ..!

 

غفونا على ريش أحلامنا :

وطنٌ للجميع ِ

مطرّزة ٌ بالشموس الصباحاتُ فيه ِ..

المساءاتُ نافورة ٌ للغناءْ

 

وحيت أفقنا :

رأينا الشموسَ  مُهشّمة ً ..

والدماءْ

 

تنزُّ من الطين ِ والنخل ِ

ما راعنا  الأبعدون .. ولكنْ :

قطيعُ الذئاب ِ القديم ِ

ورهط ٌ من الخارجينَ على اللهِ

والأنبياءْ

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1533 السبت 02/10/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم