نصوص أدبية

بندقية صيد

كان الابن يجلس القرفصاء قرب الأب ووراءهما تقف الأمّ .

- ابن علي استطاع هو، تمتم الابن.

ـ من قال هذا؟ صاح الأب ثم رمى بحطبة داخل المدخنة...

ـ ما كان باستطاعة عزيز، يستطيعه هو كذلك، ما قالته الأم كانت تفكّر فيه منذ الصّباح.

ـ غير صحيح، صاح الأب.

ـ صحيح تمتم الابن.

ـ أعرفهم جيدا أولاد عنطر، لقد خدعوه بعددهم... الدركي المسكين ...شخص ذو بأس... أضافها الأب بعد لحظة.

ـ بندقيتك يا عبد، قالتها الزوجة بصوت واثق.

لم يتحرّك عبد. وكأنه ينظر لصورة امرأته منعكسة متذبذبة بين النيران.

ـ ما عنديش بنادق. بعدها تحرك ليقلب الحطبة و أضاف: لا تزال مخبأة في بستان عمّك...

ـ بندقيتك، صرخت الزوجة،كانت منحنية عليه وكان بريق عينيها يفحص وجهه .

نهض الابن و قد احمر انفه من لهيب النار ليقول: نيتي غير سيئة... اقتله فقط...

قام الأب وبدأ يذرع الحجرة، تراجع الابن وأمه حتى كادا أن يمسا الجدار.

ـ بندقيتك يا عبد، قالتها الزوجة بصوت منخفض هذه المرّة.

ـ انه يريد قتل جورج... ألا تفهمين...

ـ طلقة واحدة فقط،، قالها الابن متباكيا. لن يحس بشيء.

بزق عبد في البلاط ثم تكتفي وبقى أمام النار ينظر في اللهيب رائيا برؤية عينيه، جورج يدخل المقهى قاصدا طاولته .

ـ شوف يا عبد، لا أحمل، أبدا، معي السلاح، أتجنب دائما المصايب...

ـ لاشيء، سيدي جورج علينا أن نتجنبها كلنا.

ـ نعم قالها جورج، نحن نعرف بعضنا البعض، لقد ولدنا على هذه التربة..

ـ اطلب قهوة سيدي جورج.

ـ يا عامر، يا عامر،  نادي جورج  النادل بعربية، قهوة من فضلك...

ـ لن أستطيع أن أطلق عليك النار في يوم ما سيدي جورج.

- بالطبع، قالها جورج ضاحكا.

 كان معظم  الزبائن يلعبون الدومينو  و الورق. كان هناك غريب يراقب بابي المقهى في نفس الوقت. كان يتظاهر بتتبع لعبة الروندة  لكنه على ما يبدو، في انتظار شخص ما.

ـ من؟ سأل جورج وانحنى على عبد.

ـ ابن عم عمار، يعمل في مزرعة ميلو.  

ـ آه... فتح جورج فمه وتمدّدت رجلاه الكبيرتان  تحت الطاولة.

ثم لاحظ عبد و بدقة أن النيران كانت تلتهم الحطبة من زاوية واحدة  و  رأى نفسه واقفا على الرصيف بجوار محمود وصالح: كانت جيب تسير ببطء عن قرب منهم وعليها جثمان ابن عم  عمار الملطخ دماء، كان نصف القتيل يتدلى من على دولاب.

- يجرون المسكين منذ الصباح، تمتم صالح

- قيل أن عمار قد فرّ صوب الجبال، همس محمود.

- كيف أعطيك بندقيتي، قال عبد وكأنّه يكلم النار.

ثم أضاف: إن  منحتك بندقيتي كيف سأصيد يوم تنتهي الحرب.

حوالي منتصف اللّيل رضي عبد أن يستودع  بندقيته لابنه.

جر ميلود قدميه في الشوارع حتى الفجر ثم ذهب مباشرة ليدق باب الدركي،فقتله. ثم قذف

بالبندقيّة في حفيرة و اتجه نحو الجبل.

في منتصف النهار جيء لتفتيش منزل عبد. جروه هو للسجن .هناك علقوه من الرجلين، فأشبعوه ضربا، فأغرقوه في ماء الغسول  ثم أفرجوا عنه بعد أربعة أيام.

بعد الحرب علم أن ميلود استشهد بمنطقة حدودية

 

عام  85

ـ قلت له: أنت أم أنا ياميلود؛ فنظر إلي ثم  تنهد وقال أناه يا أبي. حسنا، قلت! كلنا يعلم أن جورج أساء إلى كثير منا، خذ البندقيّة فأقتله ثم يكون أمامك  طريق الجبل.

- هذا ما فعله قال صالح ومحمود مؤكدين الخبر بصوت واحد.

- نعم، نعم تمتم عبد. كاد ذوق بقبقة غسول يقتحم عينيه بدميعات.

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1174 الاحد 20/09/2009)

 

 

أحمد بن قريش

في نصوص اليوم