نصوص أدبية

شــدّي شـراعـك* / يحيى السماوي

 

 

 

شـدِّي شِـراعَـكِ فـالـطـريـقُ طـويـلُ

وأمـامَــنـا  بـعـد  الــرَّحـيـلِ رحـيـلُ

 

إنـي لأبـصـرُ فـي مـرايـا حـاضـري

قــبــرا ً بـهِ  غـدُنـا الـذَّبــيــحُ نـزيـلُ

 

لا تُـحْـسِـني بغـدي الظـنونَ فأمْـسُـنا

دام ٍ وحـاضــرُ يــومِــنــا مـغــلـولُ

 

إنْ كان في الـمعـلومِ سِـفـرُ سـقـامِـنا

فــلــرُبَّ  داءٍ  طِــبُّـهُ  الـمــجـهــولُ

 

أوَلـسْـتُ مـن وطنٍ يـسـيلُ صـبـاحُهُ

قـيـحـا ً ويـنـدى  بـالــدِّمـاءِ أصـيـلُ ؟

 

جادتْ عـلـيـهِ الـنـائـبـاتُ فأمْـطـرتْ

قـهــرا ً ويـنـبـوعُ الـحـبـورِ بـخـيــلُ

 

أنا آخـرُ الـعـشّـاقِ يـا كـتـبَ الـهـوى

لـكـنَّ حـظـي فـي هــوايَ  قــلـــيــلُ

 

أنـا آخرُ الـعـشّـاقِ .. أمي " عـبـلـةٌ "

وأخي " كُـثَـيِّـرُ " والشقيقُ " جميلُ "

 

و" ابنُ الـمُـلوَّحِ " منهُ بعضُ ملامحي

وجـمــيـعــنـا في عِــشــقِـهِ مـخـذولُ  !

 

آهــاتُـنــا ـ عــنـد الــلـقـاءِ ـ رســائِـلٌ

ودمـوعُــنـا ـ عـنـد الـوداعِ ـ رســولُ !

 

حُـزنـي بـدجـلــةَ والـفـراتِ  خُـرافـة ٌ :

مـنفـايَ بـيـتـي .. والـحـبـيـبُ عـذولُ !!

 

أنـا مـا نـحـلـتُ لأنَّ صـحـنـي مُـعْسِـرٌ

لــكـنَّ  صـحـنَ الــرّافِــديــن نـحــيــلُ

 

لـطَـمَـتْ شـبـابـيـكُ الضِّفافِ خـدودَهـا

حُـزنـا ً ومَـزَّقــتِ الــثــيـابَ حــقــولُ !

 

فـإذا حـفـيـفُ الــنـخــلِ لـوعَــةُ نـادب ٍ

وخـريـرُ دجــلــةَ والــفــراتِ عـويـلُ !

 

ما العُـجْـبُ إنْ سُـلَّ النّخيلُ ؟ فأرضُـنـا

مــسْـلــولـةٌ .... وفُــراتُــنــا مــســلـولُ !

 

ما الـعُـجـبُ ؟ قد كـبَـتِ المـآذِنُ غِـيـلـة ً

واغْــتـيـلَ تـحـتَ قِـبـابِـهـا الــتَّـرتـيــلُ !

 

ما الـعـجبُ ؟ قـد باعَ الـرِّجالُ سـيـوفَهم

وتـكـرَّشـتْ ـ فـرط الـخـمـولِ ـ خـيـولُ !

 

واسْــتـبـدلـوا طـبْـلا ً بـصوتِ مُـكـبِّـر ٍ

فـإذا الــنـضــالُ : ربـابـةٌ .. وطـبـولُ

 

وإذا عـيـونُ الـشمسِ تُـطـبِـقُ جـفـنـها

حـول الـصـبـاحِ : أيـنـفـعُ  الـقِــنـديـلُ ؟

 

هــذا عـراقــكَ يـا خـلـودُ : رغـيـفُــهُ

حَــسَـــكٌ .. وكـوثــرُهُ  دمٌ  ووحُـولُ !

 

تـحـتَ الـكـراسي فـي العـراقِ جماجمٌ

وعـلـى الكـراسي في الـعـراقِ مَـغـولُ !

 

وإذا  الــزّنـادقـةُ اسْــتــقــامَ لأمــرهِــمْ

حُـكمٌ  فــمُـرخِـصـةُ الـعــفـافِ  بَــتـولُ !

 

لـلـجـاهـلـيّـةِ في الـعـراقِ " عـقـيــدةٌ "

و" بـني قُـريـضة َ " مـحـفـلٌ وقـبـيـلُ !

 

زُمَــرٌ إذا  مــرّتْ  بــواحـةِ  نــعـــمــةٍ

شـاصـتْ عـذوقُ الـنـخـلِ وهْيَ حَـمـولُ !

 

تـمـشـي وراءَ الـمـوبــقــاتِ يـقـودُهــا

مُــسْـتـذئِــبٌ   مُــتـهَــتِّــكٌ  ضِــلِّــيــلُ !

 

فـغـرتْ جـراحاتُ العـصـورِ ثـغـورها

ومــشـى عـلى وجـهِ الــزّمـانِ ذهــولُ

 

نـدَفَ الأسى صحبي فـأصْـحَرَ جَـمْـعُـنـا

وتــقــاذفــتْــنــا  فـي الــدّروبِ  ســـيـولُ

 

يــمـضـي بـنـا  نـهْـبـا ً ســبـيـلُ ذهـابـِنـا

أمّــا الإيــابُ ؟ فــمـا  إلــيــهِ  ســـبــيــلُ

 

يـا دربُ : ما نـفـعُ الـحـسـام ِ وفي يـدي

شــلـلٌ  وســهــمُ أرومــتـي مــشـــلـولُ ؟

 

**

 

ســأبـوحُ ...  لـكـنّ الـلـسـانَ  خـجــولُ

خـطـوي قـصـيـرٌ والـطـريـقُ طـويـلُ !

 

هـذا نـصـيـبـي .. أنْ أحِـبَّ فـأسْــتـبـى

ويُـذِلُّــنـي ـ وأنـا الـعــزيــزُ ـ  ذلــيــلُ !

 

فــزَّ الـفـراتُ بـمـقــلــتـيَّ  وأيْـقـظــتْ

أشـواكـهــا تـحـتَ الـجـفـونِ فـصــولُ

 

يـا دمـعَ أمـي .. يـا دُعــاءَ صـلاتِـهــا

عُـذرا ً إذا خـان الــمَــشـوقَ وصــولُ

 

تـعِـبـتْ مـن الـتِّـرحـالِ قافـلـتي  ومـا

أخـفـى دمـوع َ صَـبـابـتـي الـمـنـديـلُ

 

لـولا صـدى الأيـام ِ فـي عَـرَصاتِهـا

أتُـثـيـرُ شــوقَ الـواقِــفــيـن طـلــولُ ؟

 

وطـنـي هـو الـطـلـلُ الـقـديـمُ ولـيْ بـهِ

أهــلٌ .. وحـقـلُ مـودَّة ٍ .. وخــلــيــلُ

 

طـلـلٌ ... ولـكـنْ لا أراهُ .. نـأتْ بــهِ

عـنـي صـحـارى غـربـة ٍ وســهــولُ

 

وأنا الـفـتى" المخْبولُ"  مَـسَّ كهولـتي

عـشـقٌ يـمـوتُ بـدونـهِ " الـمـخـبـولُ "

 

فـرضـوا عـلى الـمـقـتـولِ فِـديَةَ قـاتِلٍ

لـيـحـوزَ قـبـرا ً في الـعـراقِ قــتـيـلُ !! **

 

**

الـحـقـلُ قـنـديـلُ الـقـرى .. وضِـيـاؤهُ

عُـشـبٌ .. وجـدولُـهُ الـوديـعُ  فـتـيـلُ

 

بيْ لـلـضِـفـافِ الـناعِـسـاتِ صَـبابـةٌ

ولِـخَــدِّ  نـهــر ٍ خـالُـهُ الـجــنـــدولُ

 

أبْـدَلـتُ بـالـعـمـر الـمـديـدِ سُـوَيْـعـة ً

في حُـضْـنِ أمـي لـو يـجـوزُ بـديـلُ !

 

ولِجُرفِ نهـرِكِ يا سَـماوةُ .. طِيـنُهُ

لا زالَ  يـنـبـضُ في دمي ويـجـولُ

 

رُدِّي لـعـقـلي بعضَ جهـلِ طفولـتي

قـد عـاشَ أمْـنـا ً في العراقِ جَـهـولُ !

 

لا تـفـحـصي نـبـضَ الـوريـدِ فإنـني

مـن  قـبـلِ يـوم ِ ولادتـي  مـقــتـولُ

 

21/4/1996

***

 

 

...................

* من ديوان " هذه خيمتي .. فأين الوطن ؟ " الصادر عام 1997

** كان نظام صدام حسين الوحيد في التاريخ البشري الذي يفرض على ذوي ضحاياه المعدومين دفع ثمن رصاصات الإعدام  أو أجرة الجلاد الذي يقوم بشنق الضحية ! 

**


 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2079 الثلاثاء 03 / 04 / 2012)

في نصوص اليوم