نصوص أدبية

بَـــدَدٌ على بــــددِ* / يحيى السماوي

 

 

فـتـشـتُ في قـلـبـي  فـلـم  أجِــد ِ

إلآك ِ قـنـديـلاً   يُـضيءُ  غـدي

 

وفـحـصـتُ ذاكـرتي: أفـاتـنـة ٌ

أخرى يُـنادِمُ  طـيـفَها  خَـلـَـدي؟

 

ونخـلـتُ حـنجـرتي لـعـلّ بـهــا

بعضَ الصدى من هـنـدَ أو دَعَـدِ

 

فـوجـدْتُهـا   تـشـدو  لِـيُـثـمِـلـهــا

ما فـيـكِ من  طـيـبٍ  ومن غَـيَـد ِ(1)

 

ووجـدْتُـنـي مـن دونـهـا: شــفـة ً

خرساءَ   أو  جـفــناً  الى  رَمَــد ِ!

 

فـكأنـمـا الأرحـامُ ُ قـدْ عــقُـمَــت ْ

من  بـعـدِ  مَنْ  أهـوى فـلـمْ  تَـلِـد ِ!

 

مـا أنـت ِ؟  قـولــيـهـا عـلانـيـة ً

هـلآ أجَـبْـت ِ ســـؤالَ  مُــفـْـتَــأد ِ؟ (2)

 

أنسـاك؟ حاشى!عهـدَ مُحْــتنِفٍ

أهواك ما عـمّـرتُ مــن  أمَـــدِ (3)

 

تـبـقـيـنَ ما ظــلّ الـفـؤادُ عـلى

دين ِ  العـظيم ِ الواحـد ِ الأحـدِ

 

جـسدي؟ رميتُ به إلى جَـدَث ٍ

يمشي معي لا تحذري جسدي

 

فأنـا  بخـورُك ِ يا مُـبَـشِّـــــرة ً

بعَـفـاف ِ مـسـنـودٍ إلى عَـمَــــد ِ

 

وأنا صـداك ِ كتمتُ حشرجتي

وغدوتُ رَجْعَ صُداحِكِ الغـرِدِ

 

شُــلـّتْ ـ إذا مَــدّت ْ لـفـاتـــنـة ٍ

أخرى مـناديـلَ الهـيـام ِـ  يـدي

 

وتهـشَّـمــتْ مـرآةُ مــقلــتِـهــا

عـيني إذا  تـُغْـوى  بِمـُـنتهِــــد ِ (4)

 

مـا حُجّـتي يـومَ الـحـسـاب ِ إذا

شهـدَتْ علي ّ  بـنكثِهــا  عُـهُدي؟

 

أوَلـسْـتُ مَـنْ أدّى يـميـنَ هُـدىً

جَهْـرا ً وأشهَـدَ  عِـزّةَ الصَــمَد ِ؟

 

أنْ لا يُـبـايعَ غـيـر َ " دجـلـتِـهِ "

و" فراتِهِ " وِرْدا ً لـثغـر ِ صدي؟

 

ولـقـد ظـمـِئـتُ وكـنتُ في غُـدُر ٍ

فـشـربـتُ  نـيـراني  ولـم  أرِد ِ (5)

 

قـنَعَـتْ بـصابـك ِ غـيرَ آسـفـة ٍ

كأسي  فـيا صابَ الحبيب ِ زِدِ (6)

 

ورضيتُ من بحـر ٍ صبوتُ إلى

ياقــوتِـهِ  بالـرَّمـل ِ والـزَّبَــــد ِ..!

 

ما حـيـلـتي؟ فـلقـد خُلِـقـت ُ إلى

سـوط ِ العـذاب ِ ومِـديـة ِ الـنّـكَـدِ ..!

 

لـلـفـاجـعـاتِ أكـنـتُ مُـغــتـربـاً

دامي الخطى أو كـنتُ في بَـلدي !

 

الـمــوتُ  يـجـفـوني  فأتــبَـعُـه ُ

أملا ً بعـطفــِك ِ يوم َ مـُلتَحَـدي (7)

 

أنا "قـيسُـكِ"المطرودُ.. خـيمتُهُ

دونَ الخيـام ِ: يـتيــمـة ُ الوتَــــد ِ !

 

 

***

 

يا حـزنَ ماضي العـمر يا أبتي

يا صبرَ باقي العمـر ِ يا ولــدي

 

رِفـقـاً بعكازي .. فـقـد وهُـنَـتْ

ســاقي .. وأحداقي  بلا  مَـــدَد ِ

 

أسْـرَفـتَ في إذلالِـه ِ عَــسَـفـاً

فارْفِـقْ به ِ يا حزنُ  واقـتَصِـدِ

 

جِـئني بها صَحْواً لِـتوقِـظَ بيْ

طفلَ المنى فيَـشدّ من عَضُدي

 

عطفا ً عـليّ ورحمة ً.. فـلكـمْ

نادى الرسيفُ وليس من أحد ِ(8)

 

يا مَنْ أسَرْتَ غدي أغِثْ أملي

إيّاكَ تـُرخي لحـظـة ً صَـفَـدي (9)

 

سَيَضيعُ  لو أطلقتَ مُـخْـتًـبـِلا ً

طارتُ حمامـتُـهُ   ولم  تَـــعُـد ِ

 

نـثـرَتْ عليه ِ هـديـلها  فـغـفـا

طفلا ً تهـدهِـدُهُ يـــدُ  الرّغـَـــدِ

 

ونأتْ.. فعاد نـزيـل َوحـشـتِهِ

يمتارُ من  جمر ٍ ومن  كمَــد ِ(10)

 

يـبُـسَ الضـيـاءُ عـلى نـوافـذِه ِ

أمّـا ظـلام ُ دروبــهِ؟ فَـنَـدي !!

 

فاحكم ْ عـلـيـهِ  وِثاقـهُ  حَـرَداً

لـمـزيـد ِ تِـرحال ٍ بلا  سَــنَـد ِ (11)

 

أنا أنتَ، حَدِّق ْبيْ تجدْكَ على

شـفـتيَّ مكــتـوبا ً وفي  كـبَـدي

 

أنا أنتَ.. فـتّـشـني تجِـدْ بدمي

ما فـيكَ من جـمر ٍ ومـن بَـرَدِ

 

تجد "الفراتَ" يسيلُ من مُقلي

دمعــاً فـأشــربُهُ عـلى   جَـلـدِ

 

تجِدِ الخرابَ "الـبابـليّ" على

وجهي وذعرَالعاشقِ"الأكدي"

 

أنا "بابـــلٌ" وأنا  حرائـقـهــا

ورمادُها .. وشـريدُها الأبدي

 

و"السومريّ" الطفلُ أنسجُ من

عشبِ الضفاف وزهرها بُرَدي

 

وأنا "الرصافةُ"بات يُوحِـشهـا

جسرُ الهوى حيث الزمانُ رَدِي

 

وأنا "السـماوة"حـيث نخـلـتهـا

سـعـفٌ وعِـذقٌ غيرُ مُنتضِــدِ (12)

 

والمـسـتجيرُ بـبـئـر ِ غـــربتِه ِ

هـلّا مــددت ِ إلـيـه من مَـسَــدِ (13)

 

إنْ قد عُدِمتِ الحـبـل َ يـنـقـذهُ

مـدّي لــه ُ طـوقا ً من الـرَّشَـد ِ

 

هـل تـسـألـيـن َ الان كيف أنا؟

أنا في الهـوى: بَـدَدٌ على بـدَد ِ

 

 

                       ***

* من ديوان " نقوش على جذع نخلة " الصادر عام 2005

 (1) الغَيَد: اسم بمعنى الغنج والرقة

(2)  المفتأد: المصاب بفؤاده

(3) المحتنف: الصحيح اسلامه

(4)  المنتهد: المنتصب النهد

(5) غدر: جمع غدير . لم أرد: لم أشرب

(6) الصاب: العلقم

(7)  يوم الملتحد: يوم الفن في لحد

(8) السيف: السجين المقيد

(9)  الصفد: القيد

(10) يمتار: يتزود

(11)  الحرد: المنع

(12)  تضمين للأغنية الشعبية العراقية:

نخل السماوة يكول طرتني سمره

سعف وكرب ظليت ما بيّ تمره

(13) عذق غير منتضد: يخلو من نضيد التمر

(14)  المسد: الحبل القوي المفتول من الليف او القنب

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2165 الخميس 28/ 06 / 2012)

في نصوص اليوم