نصوص أدبية

سـمـيـرَ الـشـعـر / يحيى السَّمَاوِي

 

 

سَمِيْرَ الشِّعْرِ عَفْوَكَ يَا سَمِيْرُ
عَصِيَّاتٌ عَلَى سُفُنِي البُحُورُ

أُحَشِّمُ أَحْرُفِي فَتَفِرُّ مِنِّي
وَتَهْرُبُ مِنْ خُطَى قَلَمِـي السُّطُوْرُ

تَوَسَّلْتُ القَرِيْحَةَ فَاسْتَهَـانَتْ
بِصَـوْتِي وَاسْتَخَـفَّ بِيَ السَّعِيْرُ

وَكُنْتُ إِذَا أَشَرْتُ لَهَـا أَتَتْنِي
كمأمورٍ أَشَارَ لَهُ أَمِيْرُ

تَسِيْرُ كَمَـا أَشَـاءُ فَـلا "طَوِيْلٌ"
يُعَانِدُ إِنْ حَدَوْتُ وَلا "قَصِيْرُ"(1)

لَهَــا كِبَرٌ فَمَـا عَرَفَتْ "زِحَافـاً"
وَلا "خَبْـناً" إِذَا طَـالَ الـمَسِيْر"(2)

يُنَادِمُ نارَهَا قـَلْبِي . . فَحِيْناً
يُـنِيْرُ بِهَـا . . وَحِيْناً يَسْتَنِيْرُ

هُمَا ضِدَّانِ لَكِـنْ فِـي وِفَــاقٍ
وفَـاقَ الـجَمْرِ نَادَمَهُ البَخُوْرُ

سَمِيْرَ الشِّعْرِ عَفْوَكَ يَا سَمِيْرُ
حُقُوْلُ قَرِيْحَتِي ظَمْيَاءُ بُوْرُ

فَطُوْلُ تَغَرُّبٍ عَنْ نَبْعِ "ضَـادٍ"
يَبُلُّ بِهِ حُشَاشَتَهُ الـحَسِيْرُ"(3)

أَضَـرَّ بِجَرْسِ حُنْجُرَةٍ  صَدُوْحٍ
فَهَلْ لِيَبِيسِ حُنْجُرَةٍ عَذِيْرُ؟

سَمِيْرَ الشِّعْـرِ – لا زَعْماً – فُؤَادِي
وَقَدْ خَضَّبْتَهُ حُبًّا شَكُوْرُ

نَسَـجْـتَ مِنَ الرَّفِيْفِ لَهُ وِشَـاحاً
حَوَاشِيْهِ الـجَدَاوِلُ وَالزُّهُوْرُ(4)

أَتَانِي وَالـجَفَافُ يُشِلُّ عُشْبِي
فَضَاحَكَنِي القُرُنْفُلُ وَالغَدِيْرُ

لَبِسْتُ وَكَانَ مِنْ حَسَكٍ قَمِيْصِي
فَدَثَّـرَنِي الزُّبُـرْجُدُ وَالـحَرِيْرُ

وَلَوْلا أَنَّ لِي وَطَناً جـريحـا ً
يَدُوْرُ عَلَيْهِ حَوْلَ السُّوْرِ سُوْرُ

وَأَهْلاً لا يُسَامِرُهُمْ أَمَانٌ
وَرَوْضَاً لا يَمُرُّ بِهِ العَبِيْرُ

نَصَبْتُ عَلَى ضِفَـافِ اللَّيْلِ تَخْتاً
بِهِ يَنْسَى رَزَانَتَـهُ الوَقُوْرُ

بَلَى ... لَطَمـَتْ حَنَاجِرَهَا الأَغَانِي
وَشَقَّـتْ زيْقَ عِفَّتِهَا الـخُدُوْرُ(5)

وَسَدَّتْ بَابَها خَجَلاً شُمُوْسٌ
وَفَرَّتْ مِنْ هَوَادِجِهَا بُدُوْرُ

وَأَغْمَـضَتِ الـحُقُـوْلُ العُشْـبَ لَمَّـا
تَعَطَّلَ فِي اليَنَـابِيْـعِ الـخَـرِيْرُ

رَأَتْ وَطَنـاً يُسَـاقُ إِلَـى جَـدِيْـدٍ
مِـنَ البَـلْوَى تُحِـيْقُ بِهِ الشُّرُوْرُ

وَدِجْـلَـةَ – غَـادَةَ الأَنْهَـارِ- تُسْبَى
يعِيْـثُ بِهَـا الطغاةُ وَلا مُجِـيْرُ

فَـلَوْ أَنَّ النَّخِـيْلَ – الشَّعْـبَ – حُرٌّ
طَلِيـْقُ السَّعْـفِ لَمْ يَسْجُنْـهُ جُوْرُ

لَمَــا وَلَغَتْ بِدِجْلَتِهِ ذِئَـــابٌ
وَلا رَاعَـتْ عُيُـوْنَ مَهَا جُسُوْرُ"(6)

أَذَلَّهُـمَـا بِسَـوْطِ القَـهْرِ طَـــاغٍ
خَـلائِقُــهُ الـحَمَـاقَةُ وَالغُـرُوْرُ

وَجَــلاَّدُوْنَ لَمْ يَنْـبِـضْ بِعِـرْقٍ
لَـهُـمْ مَا طَـالَتِ البَلْوَى شُعُوْرُ

"أَشَـاوِسُ" فِي الوَعِـيْدِ وَيَـوْمَ غَـزْوٍ
فَجِــرْذَانٌ تَضِـيْقُ بِهِمْ جُحُوْرُ"(7)

تَنَمَّرَتِ الـخِــرَافُ عَلَـى حَبِـيْسٍ
غَــدَاةَ تَخَـرَّفَتْ فِيْـهِ النُّمُوْرُ"(8)

وَمَـا جَنَــحَ الشِّـرَاعُ بِنَـا وَلَكِـنْ
رَبَـابِـنَةُ السَّفِيْنَةِ لا العَشِــيْرُ

وَلا كَــانَ الطَّـرِيْقُ ضَرِيْرَ شَمْـسٍ
وَلَكِـنَّ الدَّلِيْـلَ هُـوَ الضَّــرِيْرُ

رَأَى تِـبْـراً فَأَغْمَـضَ عَـيْنَ عَقْـلٍ
وَ"كُرْسِيًّـا" فَـزَاغَ بِهِ الضَّمِيْرُ(9)

عَلَى رِيْـشٍ يَسِيْـرُ وَكَـانَ يَوْمــاً
يَعِـزُّ عَلَيْهِ فِي الكُـوْخِ الـحَصِيْرُ

كَفَـرْتُ بِنِعْـمَـةِ التَّحْــرِيْرِ يَأْتِـي
بِهَــا وَحْـشٌ وَمُرْتَــزِقٌ أَجِيْرُ

إِذَا أُسِـرَ الـذِّمَــارُ فَـكُـلُّ أُنْثَى
بِـهِ أَمَــةٌ وَكُـلُّ فَـتَىً أَسَـيْـرُ(10)

أَدُجِّنَـتِ الكَـــرَامَةُ؟ أَيُّ عِـزٍّ
لأَرْضِ النَّـخْـلِ يَحْكُمُهَا " سَفِيْرُ "؟

مَشَيْـــنَاهَا "وَمَا كُتِـبَتْ عَلَــيْنَا"
بَـرِيْءٌ مِـنْ تَخَــاذُلِنَا القَدِيْرُ(11)

وَلِــي عُـذْرِي إِذَا يَبِسَتْ حُـرُوْفِي
عَلَـى شَفَـتِي وَجَـفَّ صَدَىً أَثِيْرُ

تَقَـرَّحَتِ الرَّبَــابَةُ ... وَالـمَــرَايَا
مُقَــرَّحَةٌ ... وَخُـبْزِي وَالنَّمِيْرُ

أَيُـغْوِي سَعْفُــهُ الـمَحْــرُوْقُ طَيْـراً
نَخِـيْــلٌ ؟ وَالعَصَافِيْرَ القُبُوْرُ؟

هَرَبْـتُ إِلَيْــهِ مِنِّي بَعْــدَ عَشْـرٍ
وعـشـر ٍ يستحثُّ بيَ  الـحُبُوْرُ

رَأَيْـتُ النَّخْــلَ – مِثْلَ بَنِيْهِ – يَبْكِي
فَيَمْسَـحُ دَمْــعَ سَعْفَتِهِ الـهَـجِيْرُ


 

............................................. 

(1) الطويل والقصير: من بحور الشعر

(2) الزحاف: تغيير يلحق ثاني السبب الخفيف أو الثقيل في عروض الشعر . والخبن: حذف ثاني الجزء الساكن من التفعيلة . . والزحاف والخبن من عيوب القصيدة.

(3) يبل: يروي . الحسير: الضعيف ، الكليل.

(4) الرفيف: الخصب ، ومن الأخلاق: أحسنها.

(5) الزيق: فتحة الثوب عند الصدر.

(6) إشارة إلى بيت علي بن الجهم: عيون المها بين الرصافة والجسر ، جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري.

(7) إشارة إلى هرب صدام حسين ومعاونيه وأتباعه دون قتال فسلموا بغداد للمحتل.

(8) تنمرت: أصبحت نموراً . تخرفت: أصبحت خرافاً

(9) إشارة إلى بعض حفاة المنافي الذين سرقوا مئات ملايين الدولارات بمشاركة أولياء أمورهم؟!

(10) الذمار: كل مُلك يتوجب الدفاع عنه ، والمراد هنا الوطن.

(11) تحوير للبيت العربي: مشيناها خُطى كتبت علينا ، ومن كتبت عليه خطى مشاها.

  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2173 الجمعة 06/ 07 / 2012)

في نصوص اليوم