نصوص أدبية

في غــزة ..

والمدينة صحراء حد اليباب . تجاور بحرا لا يعترف بها . لم يمنحها ملامح المدن الساحلية، ولم تمنحه أنفاسها الندية. يخبط أمواجه برملها فتفز مذعورة تستنجد بصحرائها فكل ما يحيط بغزة عدو. بحر برم بمدينته . ومدينة برمة ببحرها. والسماء تظلل صبارات تنتصب أشواكها بين الرمل ووجه الله.

***

تجاعيد مريعة تشقق وجهها. ونهارات تحرق نهارها. تشوي الظلال فتتمدد الوحشة تقارع حوافر السكون ويتوه الهديل على ضفاف بلا ضفاف . هديل هائم في الشوارع ذات الأسماء الشهيدة والأسيرة والكسيحة، تبيع فائض جراحها على أرصفتها فيما الأوجاع محاصيل العام وكل عام .

***

في غزة بياض.............. ابيض من البياض .

***

للصمت في المدينة صوت تسمع صراخه أينما وليت وجهك.، كلمات بلا معنى و ثرثرة بدون سياج. غربان تقتات من جثث الفراخ و أجنحة ذباب تصفع وجه البؤس. نوايا من عفن وأحلام تقصف الرعد . تعتعات أرهقت الأرض فغار ماؤها وتطاولت حد السماء فتساقطت كسفاً. عقول غادرت الرؤوس فاستوطنتها الكلمات الجوفاء . والمدينة ماضية إلى قدرها تفاوض الحنين الماكر، فتفتر الآهات من صدرها كأصداف فارغة.

**

دمار يستغيث بدماره وأنقاض تصرخ. بنايات اكتملت ثم تهدمت وبنايات لم تكتمل. أشجار بلا أوراق وثمار تسلل الدود إلى لبها وزهور فارقت شذاها وسكبت نداها دموعا على قارعة المجهول. زيتون لحق بغارسه وبرتقال ينز رحيقه على طين تشبع بالدماء. خيام غرست أوتادها في ظهر المدينة وولت وجهها شطر السماء . قلوب ترفع للسماء ظلامها وضلالها وتعود للقيعان ترتب الضجر والانتظار . طفولة هشة نذرت للوجع أغنياتها وغادرت أطفالها صاغرة .جمال يخشى على جماله فيهجر الوجوه ويمضي قاحلا مرا ثقيلا .

**

حامض طعم الانتظار يدوس أكاليل الوقت. والأمل لاه يرفرف فوق السحاب. يقترب من المنتظرين مسافة شهيق ثم يهرب هازئاً.

**

طوابير من الأرواح تصطف أمام البوابات والمعابر تقذف أجسادها من غياب إلى غياب ثم تشق الفضاء إلى السماء ووحدها بوابة السماء لا تمل رثاء النهايات. يباس أحال الحياة إلى ركام جمر منطفئ. وظلام أحال الأيدي إلى عيون تتلمس في النهار وتبصر في الليل.

**

 

أناس متشابهون في الملامح والأفكار والكلمات والحركات. يقاتلون الشبه بينهم ويتوقون لاختلاف يمايزهم . لا فضل لمتعلم على جاهل ولا لغني على فقير فالكل أمام حصار تجاوز أربعينه سواء.. وأمام هزيمة تولد هزائم سواء. وأمام فقر يستنسخ ذاته سواء. وأمام عدو لا يمايزهم سواء!! فلماذا يتقاتلون في مدينة لا ترى إلا نفسها ولا تسمع إلا صوتها ولا تحاور إلا أنقاضها ؟

**

تتوحش غربتك يا مدينتي

ألا يغادرك السواد لحظة كي أغسل بحرك بعيني!!

كي المس وجهك بكفي

اندب عجز رحيلي وأنا الملم بقاياك.........وانسكب رغماً عني في بقاء جديد.......

لماذا علي أن أكتبك وجعا يولد حلما بالرحيل ..... ولا رحيل؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1243 الثلاثاء 01/12/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم