نصوص أدبية

في قاع المدينة رجل يمشي عارياً!!

bakir sabatinفي قاع المدينة أسرار مقفل عليها في رءوس المارين.. تتخاطفهم الدروب الضيقة.. كانوا مقبلين على أرزاقهم وشئونهم في ارتياب وحذر.. كأن الطرقاتِ التي يدبون فيها، أشداقٌ لوحوش منفلتة.. وفجأة!! يخرج من بينهم ذلك المترنح الذي جعل صوته المشروخ يزعق  بالغناء ، ناثراً الأحاديث على هواه في طرقات جعلت تميد به.. فاستهجن المارون بوحه المنثور.. فيما تحير الواقفون أمام نوافذه المشرعة.. ينبشون بنظراتهم أشياءه الصغيرة ضاحكين، وقالوا في تأفف واشمئزاز:

 "ما هو إلا مجنون"!!..

 ينتهكون إذاً حريته!!.. كأنها موجة صقيع غشته على حين غرة فارتجفت أوصاله.. ولم يعد يتحكم بنفسه.. ماذا جرى للناس وكل ما فعله هو أنه فتح القفص على طيوره المنهكة كي تتلقفها السماء.. يراقبها الفضوليون كأنهم قطط جائعة تطارد صيدها بالمواء!! فندت عنه صرخة مدوية:

" ما بوحي إلا للمدينة التي تأنف وجودكم من حولي أيها التافهون، اذهبوا إلى حوانيتكم يا بلهاء !! واتركوني أتمرغ في أحضان المدينة النائية عنكم".

 فضحكوا إزاء ذلك ضاربين كف بكف.. فيما تهامس آخرون:

"مأسوف على شبابه.. عليه العوض.. مجنون".

 ثم يأخذهم الفضول نحو الانتهال الشبقي من أسرار الضحية ليقفوا مذهولين على ما تقشعر له الأبدان!! حينما جعل الرجل يتعرى أمام أعينهم، وفي وضح النهار!! " ماذا نرى!! شيء مقزز!!"

 قالوا ذلك بريبة واستنكار وهم يغضون البصر.. لكن ألسنتهم جعلت تغرف من أنفتهم المجروحة ما تصادفه من أدعية إلى الله كي يأخذ المجنون برحمته، إلا أنه وقف مذهولاً أمام صمتهم المحفوف بالهمز واللمز.. فصرخ فيهم بهستيريا:

" هذه لكم!!"

 مبدياً لهم تفاصيل عريه!! ثم يندلق في زقاق ضيق محجوب.. لا يأبه بالروائح القذرة التي تزكم الأنوف.. يتلحف جدرانه العالية كأن قاع المدينة سريره الأثير.. سيفعل شيئاً يريحه من عيون المارة.. فيبحث عن ضالته في ركن نتن إلى جوار براميل النفايات المليئة ببقايا طعام خلف المطاعم الفاخرة.. ليستقر به المقام إلى جوار سكير أخذته الغيبوبة إلى المنافي المحجوبة عن الوجود.. غير آبه بضيفه المتطفل المخبول.. فاستراح لتلك المداهمة.. كأنما زال عن جيده حمل ثقيل.

 

فصة قصيرة

 بكر السباتين

 

 

في نصوص اليوم