نصوص أدبية

الحسودعائد زاده الصلف

بكر السباتين"دقوا على الخشب"

وقفت الواعظة، أم العروسة ندى تبحث عن كبرى بناتها باهتمام، وهي سيدة تتظاهر بالورع والتقوى إذ يعشش في رأسها شيطان الحسد وتعامل الناس على قاعدة أن صاحب الحاجة حاسد.. وفي عرس ابنتها كان موضوع الحسد هو شغلها الشاغل الذي ملأ رأسها بالخوف والأوهام "الله يستر من هذه الليلة، ليتها اعتذرت عن حضور الحفلة، ها هي تجلس هناك مثل الغراب، ونعيبها ينفر الطيور في رأسي من الغناء.. تباً لها من حيزبون! ترى ما سبب مجيئها هل ذلك فقط لأنها ابنة عمي وقد دفعها الواجب لمشاركتنا الفرحة! قل أعوذ برب الفلق.. أم جاءت بعين حاسدة لتضرب بها ابنتي التي رفضت ابنها فؤاد، ذلك الأرعن المغرور الذي اشترى المظاهر الخادعة على حساب نصائحي، بينما هو دائم الانتقاد لي ويتهمني بأنني لا أفعل ما أقول وكأن اللعين يتهمني بالنفاق!! فعلاً هي قلة تربية! وبحمد الله فقد جاء نصيب ابنتي ندى، ما شاء الله عليه، ذلك الشاب الذي دق باب قلبها أثناء دراستهما في الجامعة خارج البلاد!!"

وفجأة أكلت الحيرة رأس أم العروسة، فتسارعت دقات قلبها، وارتعدت فرائصها من شدة الهلع حتى انتفخت أوداجها وتقلبت عيناها في جفنين كأنهما مبخرتان تصاعدت منهما أدخنة الريبة، وقد امتقع وجهها خوفاً من الحسد إذ باغتها، كانت قد أورثته لأولادها.. بحثت عن ابنتها الكبرى في زحام المدعوين وقلبها يلهج بالدعاء "يا رب استرها" فيما أخذ قلبها الواجف يدق بشدة بينما عقلها المضطرب يهلوس كمن فقدت وحيدها "عين الحسود تبلى بالعمى" وتكمل مفزوعة:" استغفر الله العظيم؛ لكن أم فؤاد تكون ابنة عمي أيضا!! فلا أتمنى لعينيها سوى أن تنحجبا عن ابنتي".

اشتعلت الصالة بالزغاريد فقد دخل الخيال إلى الصالة، ووقفت ندى تستقبل عريسها، وما أن جلس حتى اشتد الرقص وتمايلت الرؤوس طرباً إلا أم العروسة التي نادت على ابنتها الكبرى بحذر، وهمست في أذنها:

"راقبي أم فؤاد جيداً، فلا تدعيها تشاهد العروس وهي مصمودة في صدر القاعة وإذا اقتربت لمصافحتها تذرعي بأنك تريدين تقديمها لصديقة لك في آخر القاعة، أحجبي أنظارها عن ندى".

ثم عادت إلى حيث صمدت ابنتها وعيناها تراقبان أم فؤاد وقلبها يحيط العروسين بالمعوذات.. أما ابنتها فقد نفذت المطلوب، وأحاطت أم فؤاد بعنايتها، "تلك النفاثة بالعقد" ولسانها يتلعثم بقراءة المعوذات درءاً لعيني أم فؤاد السوداوين والمتقادحتين شرراً "قل أعوذ برب الفلق، من شر ما حسد"، حتى وهي تودعها عند مدخل الصالة، تنفست الصعداء، وعادت إلى حيث كانت تجلس أم فؤاد لتستجلي أخبارها وتنظف أثر سمومها.. ترى هل قالت شيئاً بحق العروسين!، فأصيبت بالدهشة، فقد أخبرتها كنة أم فؤاد المتمردة قائلة، وبالمناسبة هي مقربة من أم العروسة، وتناكف عمتها في المجالس الخلفية:

- احمدي الله أن خطبة فؤاد على شقيقتك ندى لم تتم.

- طبعاً شقيقتي هي التي رفضته مع أنه لا يعاب، فقد كانت تحب زميلها في الجامعة.

- غريب، في حدود علمي أن عمتي في الأصل لم تطلب يد ندى مباشرة، بل كانت تجس النبض فقط من خلال إخبار جدتك الحاجة زكية برغبتها في طلب يد ندى، وكان ذلك خلافاً لرغبة فؤاد الذي كان بدوره متيماً بالسكرتيرة التي تعمل في مكتبه، لكنه تماشى مع رغبة والدته فقط إرضاءً لها.

وكان فؤاد وهو شاب أنيق عصري في الشكل والجوهر يدرك بأن أم ندى لن تقبل به عريساً لابنتها، فثمة اختلاف بين شخصيته الواضحة ونزاهة قلبه، وشخصية أم ندى التي تعمل واعظة لكنها لا تراعي حقاً في الناس..

ثم أكملت كنة أم فؤاد الحديث

- الأسبوع القادم سيكون موعد خطبة فؤاد على سكرتيرته.. فتاة جميلة! ما شاء الله.. بيني وبينك، وهذا سر بيننا، لقد خرجت أم فؤاد من الصالة حتى لا يُفشى سرُ ابنِها فَيُطْرَقُ موعدُ الخطبة بعيون الحاسدين.

- ومن تراه يفكر بابنها حتى يحدث ما يضره!

- بالطبع كل من يتهم الناس بالحسد من باب الوعظ!!

- لا! وكأنك تقصدين والدتي.

- أعوذ بالله لم أقصد أحداً بعينه، فدعينا الآن من سيرة الناس.. ثم علقمت مبدية اعجابها:

صحيح.. كم هو رائع عرس ندى وبهيج!! والعريس!! يا لله ما أوسمه! تتهنوا..

- دقي على الخشب.. قولي ما شاء الله!

بكر السباتين

 

في نصوص اليوم