نصوص أدبية

الطفل هاشم الكردي والطيور الخضر

بكر السباتينخارت قواه فلم يعد يقوى على الصراخ، أغمض عينيه على آخر مشهد طوته ذاكرته قبل أن تأخذه الغيبوبة إلى متاهات السؤال.. فقد تلقى عن والديه الضربة القاضية، وها هي الطيور الخضر ترفرف بأجنحتها من حوله.. تنتظر المشهد الأخير حتى يكتمل بدر الحكاية لترتحل به إلى السماء.. حيث فردوس العدالة.

غاب هاشم عن الوعي فمال برأسه إلى ذراع والدته التي دبت المكان بالصراخ:"قتلتم هاشم". وكان بوسعها وهي تلثم وجهه المليء بالكدمات أن تقرأ في عينيه الغائمتين لهاثه إليها وكأن حالهما يقول:"انقذي بابا" ..

هكذا بدأت الحكاية.. إذ كان كل هذا الضجيج يأتي من طابورِ سياراتِ (فاردةِ) العروسِ التي استحوذت على الطريق.. قالت أم هاشم حينذاك وهي تدعو للعروسين بالرفاه والبنين:

" فقط لو يفسحوا لنا الطريق قليلاً فقد تأخرنا عن الموعد"

 كانت (فاردة) العروس تطوف شوارع عمان معربدة، فتحاصر السيارات الأخرى، تربك الزحام وتأجج بركان الغضب في قلوب أنهكها الضجر:

" افسحوا لنا الطريق يا شباب، سيروا بالفاردة جانباً"

ولكن دون جدوى، كأنه احتلال لا يأبه حتى بعدسات المراقبة المنتشرة عند تقاطعات الطرق المزدحمة بالسيارات.. وكانت الفرصة مواتية للسيارة التي تقل هذه العائلة المسالمة كي تتقدم الطابور.. وقلوب من فيها تدندن مع المبتهجين وتدعو للعروسين بالبهجة والسرور، حتى الطفل هاشم بدا وكأنه يشاركهم الفرح.

وبغتة كأن الأمر تحول إلى مكيدة، كان المحتفلون يعربدون كأنهم في ساحة الوغى، ضاربين بالقانون عرض الحائط، يصرخ أحدهم باستخفاف وغضب حتى بحَّ صوته وانتفخت أوداجه، كان يوجه أنظاره الساخطة إلى أبي هاشم الذي أدرك الموقف محاولاً إخراج سيارته من بين سيارات العرس:

"كيف تتجاوز سيارة العروسين يا ابن (...!).."

وفي لحظات تداعت الذئاب المستعرة إلى والد هاشم.. تتباهى بمضاء مخالبها.. تستبيح من بالسيارة.. تنقض على كل من يعكر سكرتها وتطلق العواء في سماء مهدورة الأحلام.. كل ما يتذكره هاشم، أن الزعران نالوا منه بالضرب.. ونقل مع والديه إلى المستشفى. وهناك ذاب قلب هاشم كشمعة ظلت تستنزف دماً حتى اليوم العاشر.. كان والداه منشغلين به.. يتأملان وجهه الآفل كأنه في رحلة غياب إلى الأبدية.. مات هاشم تاركاً خلفه جليد الخيبة وهديل الحمائم وهي تندب الحقول بعد يباب..

 

بقلم بكر السباتين

...................

قصة قصيرة واقعية، حدثت في الأردن ذات "خيبة"

 

في نصوص اليوم