نصوص أدبية

يوسف يحكي قصته

صالح البياتيذئب يوسف

لم يقتل

لم يكذب

برئ من دمه، لم يُذنِبْ

اخوته..

أليسوا ابناء نبي أب!

لِمَ استذأبوا 

وتأنسن الذئب

لِمَ  كذبوا

وصدق الذئب!

الم يتدنسوا

وتقدس الذئب

الم يطرحوه أرضا في الجب

مضوا تصطفق نعالهم 

بطرق آخرى وتنكبوا الدرب

الذئب انبل منهم: ما كان ابوه نبي

لا يحمل اسماءً غير اسمه

لا يتشبه مثلا، بحمل وديع، او مسكين أرنب

او يتسمى زيفا بأسماء عَبيد الله، او أيديه التي تبطش او تضرب

او خدام بيوته، وسدنة المعبد

الاسم الأعظم، لو انكشف سره

لسرقه الانسان

وصار هو الرب

2

استأنس يوسف ليلا، حين عوى الذئب

واستوحش حين استذكر ترانيم ادعية فتعذب

من يقرع ليوسف تلك اللحظة أجراس الفرح؟

فيوقظ  ليلا أغراه النوم بسرير يعقوب

من يقرع نواقيس الحب بأرض الله 

ويرفع آذان سلام ملتبس بصيحات الحرب؟

من يوقظ ناطور البستان من النوم، فلا تُسرق عناقيد الكرمة

في الليل، ولا يُبـَرئُ الجاني او يهرب.

      

3

جاؤا اسيادهم عشاءً، يضجون

ركعوا ، جثموا ، قبَّلوا الأيادي والقدمين

احرقرا بخور الجاوي وعود الصندل الثمين

فتقذت القذارة، من مآقي العيون

بصبصوا بأذيالهم المعقوفة دوما، جهة الأفق الغربي

اقتحم الروم الليلة، المدينة العريقة المدورة

فاّ ُطفئت حزنا انوار المدينة المنورة.

 4

لم يكن سوى صوت عويل الريح، تنتحب

لم تشبع او تغني روحا أثقلها حزن في القلب.

هل يخفي ضوء الفجر الصادق، سواد عيون ابناء الجلدة؟

او يستر الليل الوحشي، بياض عورات الأعداء، تحت عباءته

يبتلع الليل نفايات نهار ابلج، يتقيؤها أفاع سوداء 

نأت المسافات، وتلاشت وشائج القربى

في أقصى العدوة نصبوا هناك خيام الشَعـر

يا لقساوتهم، يا لغباوتهم، هم عدو اشر

ألم يسمعوا وجيب قلبه المضطرب 

يخفق كطير مقطوع النحر 

 **

 5

ما قص يوسف لأحد قصته

 ما امتحن أحد  محنته

في الجب الأظلم تركوه

مقصيا يوسف نبذوه

ما كان مكانا عنهم يدنيه

ما كان زمانا عنهم ينسيه  

الزمن افرخ ازمنة

فطوى اجنحته وارتحل

وبعد كان وما كان

حط اخيرا في بغدان.

  6

الأخوة في ذروة النصر سكارى

الأكبر بخمر الخبث توارى

اصواتهم شوك العوسج، جرحت طيور السما

نعالهم الرعد، تقرع الحصى، فتفزع القطا

رنين الفضة تملا أسماعهم طربا

تتماهى قاماتهم في الأفق المحترق شرقا

**

7

يوسف البابلي يحكي قصته

في تلك الليلة، تراءت أشباح أخوتي، لم يكن سوى الليل وحده

غاص الزمن بالقذارات، لكن أمثال أخوتي طفحوا فوقه

اقتحموا بغداد فتوارت اشباحهم في ليله

في رأسي كان رجع صراخهم يتصدى

فوقي بروقا تقدح في سماء سوداء

بكى ابي بغداد لؤلؤة الشرق الأبهى

حتى إخضلت لحيته البيضاء دما

8

قالوا لأبيهم حين عادوا:

تهنا أياماً وليال في عاصفة الصحراء

وكنّا قبائل من عرب المغرب والمشرق، وعشائر شتى

دخلنا بغداد مع جحافل الروم الزاحفة، من باب البصرة

في الطريق نحرنا لجنودهم  الجزور طعاما

أشعلنا في كتبنا المقدسة نيرانا

فأنرنا لهم الليل نهارا

ارقنا خمرتنا المعتقة في الدنان، مزاجها الدم وماء الوجه انهارا

انتزعنا الأحجار من الزقورة اثافي لقدورنا 

عبثنا معهم  بأوراق الإرشيف البابلي

أمام بوابة المتحف القديم، ربطنا خيولنا في عروته

حطمنا غطرسة أشور، وبابل، كنّا مع الغزاة أدلاءً

 نصحاء وأصحابا أحباء 

رقصت فتياتنا الدبكة حتى الفجر

حين سألهم أبي :

أين تركتم أخاكم يوسف ؟

قالوا عجباً تسألنا عنه

وهل كان لنا أخ أسمه يوسف! لا ريب أن أبانا يهجر

العزلة والشيخوخة أنسته من نحن فإختلط عليه، فتوهم إنَّا كنّا نلهو

نستبق كالصبية نجري

ألا يعلم أبانا إنَّا كنّا، نستقبل الروم، كما فعل آباؤنا من قبل

رموا أمامه أكياساً ملآى بقناطير الذهب

قال : صبرا حتى ينجلي الأمر

ولكني أشم رائحة الموت تفوح من أكياسكم

وأرى بغداد قنديلا يضاء  بدم يوسف

يسطع كنجمة الصبح، يخترق أطباق الدخان 

يتوهج  دمه بالنبوءات وسط النيران

بحروب قادمة تكتسح البلدان

وحينما طردهم أبي من خيمته

 حملوا أكياسهم الثقيلة ورحلوا

نكصوا على أعقابهم صوب الجنوب المُخْصى

حملوا  معهم راياتهم المنكسة كالعصا

ليستخفوا وتذهب ريحهم سدى

9

نبوءة يوسف

 في تلك الليلة رأيت مرايا تسطع كالاقمار

 رأيت ابرهة الحبشي ببدلة جنرال اميركي

فوق رأسه أسراب أبابيل

تحجب عين الشمس العربية.

سمعت صوت الذئب يناديني:

لا تخف يا يوسف

أن دماً كذباً يلوح في أفق الصحراء

يتدفق من أبراج النفط على شواطئ الخليج

يتلوى ثعبانا اعمى وسط الضجيج

سينير كالشمس جبل أبي قبيس

وبيوت نار المجوس

لا تخف يا يوسف، النار المتأججة في أصول القصب وجذوع نخيل ألبصرة  سترتد قريبا

لا تخف يا يوسف

لن تبقى وحدك في الجب طويلاً

ستخرج معافى، حين تفيض أجران قرى السواد بالغلال

سيأتي أخوتك الأعراب، حين يعضهم الجوع بناب

يأتون من كل حدب وجدب، جرادا أسراباً

***

صالح البياتي

 

في نصوص اليوم