نصوص أدبية

فُرَصٌ سَانِحَةٌ لانْتِقَاصِ الرَّغْبَةِ

بليغ حمدي اسماعيلأتحول كل مساء إلى وجه حزين

ما لهذي الليالي تريدني شهيداً،

أو، إماماً مقتولاً قرب الصلاةِ،

وكأني أصارع وهماً أرفضه،          

                     ويمقتني ...

أهربُ من ليلي،

ومن كل المساءات القابعة بحجرتي،

أدخن منذ شهرين، هكذا أدعي شجاعةً أني أراقب موتِي،

ولعلني ألبس الأخضر .. أحياناً ..

ليتكَ يا ولدي المسيحْ،

كي تنطق وتبصر وتسمع بإذن ربكَ،

ليتك تُعْلِمَ أني سماؤكَ، وأني الطلق الفسيحْ ..

وأنك لن تنتظر من يدي هديةً،

فأنا عطيَّتُكَ، وأنا للكيد القتلُ، والمحاولةُ، والضريحْ ..

واضرب بيديك فودي،

علَّني أسَّاقط شوقاً،  وأُمْطرُ فِضَّةً .. وأبوحْ ..

وقل لمن يسوغ مودةً : إنكَ واحدي،

فهل أشرك بكَ،

وأنت المطرُ للعطشى، وأنت الريحْ ..

أيا ولدي، مرحباً ألف دون عناقٍ،

فأنا الهوى بالفضا، وأنت مستقرُ بالفيحْ ...

ابدأ تيهك وقت العصر،

ولا تنتظر صبحاً قريباً يجئ،

فأنتَ حُجَّةٌ في شرخ الفضا،

وانظر في مرآة الريح وجهَكَ،

ما أجمل أن تضيع وحدك أيها الفتى،

وامتلئ وحدي بالنار ...

وتعاطفي معي يا أميرتي حين أغني،

وحينما أرقص، فالأطفال أنفسهم يرقصونْ ..

ولا تدعيني ألعب بالأشجار وحدي،

فالعصافير هنالك ؛  تلهو بصوت حنونْ ..

واقطعي مهلة هجرك لأناملي،

أما رأيت الأنامل لا تجيد العزف بعدك

واختزلتْ الحنينْ ...

يا ليتني علمت أن البعد يورثني نصاً كاملاً

دونما تصحيف، دونما تحريف،

          فسافرتُ منذ سنينْ ....

وأتَحَدَّثُ العَرَبيَّة، فَأنا لا أُجِيدُ سِواها،

وأنا لا أحتاج لسُؤالِ مُفتشِ المطارِ عن هُويتي،

 فَلَونُ سَمْتي أسمرُ،

وأعْتنق الإسْلامَ منذ سِنين بعيدةٍ ؛ دون حُروبٍ،

وأبي مات يقرأ الفاتحةَ بغيرِ لحنٍ،

هكذا أنا ؛

منذ عَرفتُني قبل ثلاثين عاماً وأكثَر، لا أفطن الصَّمتَ

أتحَدَّثُ العربيَّةَ،

لكنَّ وَلَدِي لا يُجِيد هَوَسَ المتنبي، ودَهْشَة أبيْهِ،

وحُرُوفُه مثل حُرُوبي تماماً ؛ فِطْريةٌ

دُونَ نَقْطٍ، أو ضَحَايا

أما عَن امْرأتي التي تُعَانق بِحُسْنها السَّماءْ

فأنا لا أُجيدُ الحديثَ عن النِّساءْ ..

ثلاثون عاماً وربما أكثر،

وشاهدٌ على ثلاثة حُروبٍ، أو ثلاثْ

وثورة مخاضها بغير اكتمالٍ،

مُدجَّجاً بالإحساسِ، هكذا أنا

رَجُلٌ لا أعْتَابَ له،

وتَضِيع سَاعَاته مُنْتظراً

والموتُ ليسَ كَعادَتِه يَفُوته مُتَجاهلاً ..

ألْفُ مرةٍ يزدادُ الليلُ ظلمةً لِغيَابِ نورك

وأنا مُقْتنعٌ أيا وَطَني الغَائب عن الخَارطةِ

أنَّ كلَّ لَيلٍ لَسْت فيها مُشْتَعلاً

                      أنِّي كَذِبٌ،

وسيفٌ دُونَ عراكٍ ..

قَذْفٌ هنالك،

وهنا من يتربَّص بِخِدْرِ نِسَائي في الصَّحْوِ، هي عادته،

أو إن شِئت أيُّها الشُّرطي الدَّولي فقل :

هؤلاء أقوامٌ اسِتأثروا بالوَسَنِ وحدهم،

فما يعنيني أن تَفْجُرَ ذاكرتي بحديثِ حضارةٍ،

أو تفجؤني بِعَلَمٍ ؛

ظنوا أنه يحمل علاماتِ نصرٍ ..

واذكرني في أوراقكَ ككلِّ المدنِ الثَّكْلَى،

وكلِّ التي تحمل اسْماً عَرَبِيَّاً كَجَنِينْ

وتحمل شُخُوصاً عَربيَّة كالمَسْرحيَّاتِ المَرِيْضَةِ ..

هَلَكَ،

واسْتهْلكتْ كل الأصْواتِ النَّائِحَةِ خَلفَ مَوتي،

أمتَقِعُ مُنفَرداً ..

***

الدكتور بليغ حمدي إسماعيل

 

في نصوص اليوم