نصوص أدبية

رجل يسكنه الفزع

عبد القهار الحجاريلا يزال الرجل الأنيق مسكونا بفزع شديد ينتابه فجأة من وقت لآخر، في صدره حمامات ابن المقفع يتلجلجن كأنما يحاولن تكسير أضلعه ليعانقن سماء الحرية، من دون أن يشعرن بروحه وهي تعانق السحاب... الرجل الأنيق لا تفارقه البهجة في عيون العالم، دائم الابتسام والدعابة والحيوية، وفي دخيلته سكون ما قبل العاصفة، يداهمه الذعر حتى ليخال مهجته تطير بعيدا لا محالة، في الصحو، في المنام، في العمل .. أثناء عبوره الشارع البليد وهو يتثاءب، في المقهى وهو يحاول عبثا الاستمتاع بمواويل أطلسية بصوت أمازيغي ندي تنبعث من هاتفه الذي يرن وهو يرشف بأناقة قهوته السوداء، فلا يكاد يسهو حتى ليأخذه الهلع، ثم يتنفس الصعداء عندما يقرأ اسم صديقته على الشاشة، حتى وهو يطبق شفتيه على كرز أنثاه، وهو يحاول إغماض عينيه والاسترخاء والذهاب بعيدا في حلم جميل لا يلبث أن يقفز .. يخطف قلبها فتصرخ به:

- ما بك أيها الأحمق!؟

الرجل الأنيق الآن مسكون بالخوف إلى حين، سيبقى مذعورا إلى متى!؟ تبا للعالم وللتوابع التي درسها في أطروحته الجامعية تحت إشراف جهابذة النحو القحطانيين والعدنانيين على حد سواء، تابعة واحدة تكفي لقض مضجعه ما تبقى من عمره ...

الرجل الأنيق يشتري قنينة وشرائح لحم لا يدري إن كان لحم فرس أو بغل أو حمار، وقطعة جبن نتن، يشتري باقة ورد ويمر في الشارع التافه، تتطلع إليه السوابل وهو لا يكاد يخفي الورد والقنينة، يبتسم ببلاهة وبين الفينة والأخرى يقفز جزعا ...

قريبا ربما سيصاب الرجل الأنيق بجنون قاتل، يقود سيارته في هدوء مثير نحو أي مكان، لا يدري لمن اشترى الورد، لكنه يعي تماما ما سيفعل بالزجاجة، يرن هاتفه، يجيب دون أن ينظر إلى الشاشة، كان صوتها الآن ناعما أكثر من أي وقت مضى، سألته إن كان مستعدا أم لا .. فقز، تلكأت السيارة .. اندفعت إلى الخلف ثم إلى الأمام، أثار خلفه موجة سخط وسط المارة، اللعنة ! انتابه الخوف من جديد، كانت أصوات كثيرة تناديه، تتوعده، تساءل في هدوء : "من المذعور الآن!؟ هل أنا أم هذه الشخوص الكئيبة على الورق؟" تطلعت إليه وجوه كثيرة من بين الأوراق المسودة بحبر صيني أسود، ألقى بها جانبا، قام من المكتب، أشعل غليونه ونفث سحابة كثيفة في الهواء تكورت وبدت كوجه مخيف ... انتابه ذلك الذعر الذي يسكن الرجل الأنيق ...

كان ثمة طرق متواصل عنيف على باب الشقة....

***

قصة

عبد القهار الحجاري / المغرب

 

في نصوص اليوم