تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

عبد الوهاب البراهمي: أعقل "المجانين"

عبد الوهاب البراهميكان الوقت مساء والشارع مزدحم بالمارّة، كلّ يتحسّس طريقه بين الجموع ذهابا وإيابا يطلب لنفسه سبيلا ولا يأبه بالازدحام، فالطقس حار والشمس تكاد تختفي في الأفق البعيد. تاركة خلفها أثر حرارة ثقيلة تكاد تقطع الأنفاس. خرجت كعادتي أطلب شيئا من نسيم المساء مثقل القدمين رغم خفّ رقيق ولباسي صيفي خفيف. وكنت أجيل النظر حولي كأنّما أبحث عن صديق حتّى وقعت عيناي على شاب في مقتبل العمر، يقف بين الناس حافي القدمين متّسخ الثياب، يتصبّب عرقا ولا يأبه لنظرات الناس وهو يصيح فيهم بأعلى صوته مردّدا قوله باستغراب شديد:" لماذا تذهبون وتجيئون بلا هدف كالمجانين؟". لم أملك نفسي عن الوقوف غير مكترث بتدافع المارة من حولي، وأخذتني حالة دهشة غريبة. أعرف الشابّ ومن يكون. ولكنّي لا أفهم ماذا يقول. تزاحمت الأسئلة في ذهني ولم تسكن. ما هذا الذي أسمع؟ هل يعقل أن يكون هذا كلام " مجنون"؟ أصابتني ريبة في "جنون" هذا الشابّ،  وظننت للحظة أنني قد أكون أنا " المجنون".  ألست من هؤلاء الذين يذهبون ويجيئون بلا هدف كما يقول؟ أيّنا "المجنون" حقّا؟ وماذا يعني الجنون؟.. وسرعان ما انتبهت إلى نفسي وقد دفعني أحد المارّة بكتفه حتى كاد يسقطني، لم آبه لاعتذاره وقلت لنفسي:" الآن أفهم ما يقول "ميشيل فوكو" عن الجنون؟" ثم تابعت سيري بين أشباه " المجانين" أتفحّص عقلي و أنظر إلى هذا الشابّ وأهمس لنفسي:" يقينا هو أعقل المجانين.

***

قصّة قصيرة جدّا:

عبد الوهاب البراهمي

في نصوص اليوم