نصوص أدبية

نضال البدري: الناب الأفريقي

انتهت بها الغربة بعد عناء طويل، خادمة في منزل، اعتادت على مفاجآته وغرابة أحداثه. كان نومها متقطعا يوميا فهي تنهض بين الحين والاخر، تتفقد زوجته المشلولة وتقلبها كطفل صغير،لا أحد في المنزل سواهما هي والزوج الذي يرعاها .

بشرتها السمراء اللامعة وشعرها المجعد القصير، وخصرها النحيل، يوحي بجمال افريقي مميز لم يألفه من قبل. غير حياته و حرك حواسه من غفوتها التي اتجهت نحو جسدها، الذي ظن انه يملكه ويملك روحها ايضا، مقابل الأجر الذي تتقاضاه منه. كانت لديه رغبة جامحة بالتحرر من أغلال زوجته، التي باتت تشبه شجرة عجوز تحط عليها الذكريات، وأصبح يضيق ذرعا بها، لذا قرر ان لا يفوت هذه الفرصة، التي أصبحت في متناول يديه، محاولا التقرب منها بكل الطرق، ومنها المداعبات التي كانت تمهد لما يبيت له !؟

لم يكن الامر صعبا عليه ولا عليها ايضا، خصوصا انها شعرت بنظرات الاعجاب لديه، وراحت تبادله الاعجاب هي ايضا بنظرات غريبة وغير محتشمة، أصبحت ترتدي له ثياب مغرية و بصدر مفتوح، بينما كانت تسير امامه بطريقة استعراضية، تظهر فيها مفاتن جسدها . بدأت الفكرة تكبر في راسه وتسيطر عليه، وفكر أن يقدم لها اول عربونا، فكان خاتما ثمينا وزيادة في اجرها الشهري، تقبلت الامر بسهولة وسعادة كبيرة، فليست هناك عوائق تقف امامها، فقد اعتادت ان تصادف في مثل تلك الحالات كثيرا في حياتها ومن خلال عملها، والتي كانت تسمح بها عادات بلدها .

اطلق لرغبته العنان ليمارس حريته بالعبث فوق جغرافية جسدها، دون النظر الى مطبات الطريق، الذي مشى فيه او حساب اي شئ اخر ... اصبحت ايامه دافئة بصحبه تلك السمراء، وطعم شفاهها العذب، الذي كان سعيدا به وكأنه في حلم لا يود ان يصحو منه .تسارعت الايام، التي ضمت بين طياتها ليال حمراء، سرت سخونتها في جسده وعقله . واعادت له فحوله قد نساها، او ظن انه قد فقدها، لكنها لم تدم طويلا وانتهت كحلم جميل، سرعان ما أفاق منه حين طلبت منه بلغتها الركيكة، مبلغا كبيرا من المال كانت بحاجة اليه، واجازة كي تسافر لرؤية اهلها واجراء عملية لوالدها المريض . والعودة اليه بعد اسبوع، تقبل الامر على مضض واعطاها المبلغ الذي طلبته وكذلك الاجازة، وآثر الانتظار والصبر وعدم الاستسلام والرجوع لحياته السابقة لحين عودتها . مضت الايام وتساقطت اوراقها يوم بعد يوم، دون اي اتصال منها، او رسالة يستعلم فيها عنها وعن وقت عودتها؟ طال غيابها وفقد الامل برجوعها لا امل يلوح له سوى نظرات زوجته، وهي تدور في كرسيها المتحرك بدوائر فارغة، رسمت تساؤلات عديدة لم تجد لها اي اجابة . ازداد الحزن لديه وسبب له صداع شديد وارتفاع في درجة حرارة طال أمدها، والتهابات في باطن الفم، جعلته يشعر بصعوبة في تناول الطعام، أجبرته على الذهاب الى الطبيب و بعد معاينته أخبره : انت مصاب بتعب وارهاق بسيط من اثر الحمى سيزول بعد اخذ الدواء والانتظار، تحسن قليلا بفضل العلاج، لكنه سرعان ما بدا أكثر ضعفا بعد ان ظهرت عليه، أعراض جديدة اخرى فقد اصبح يعاني حرقة وصعوبة في التبول، عاد لطبيبة ثانية وحدثه مستغربا عن تلك الأعراض التي تحصل له لأول مرة.

أثارت حفيظته هذه الاعراض الجديدة، وطلب منه اجراء فحوصات شاملة . كان الوقت يمر ببطئ مصحوبا بقلق شديد بانتظار نتيجة التحاليل وبعد ان استلمها الطبيب، الذي قطب حاجبيه وسالة حدثني: عن حياتك في السفر.. أين تسافر عادةً؟ صمت ونظر في عينيه طويلاً فأجابه لم اسافر .. زوجتي مقعدة.. السفر يصعب علي كثيراً في هذه الحالة. سأله الطبيب مرة ثانية هل انت متزوج بأخرى؟ ولكنه نفى ذلك ايضا، انتابت الطبيب الحيرة ونهض من خلف مكتبه وكأنما يسره بشيء ما قائلا له: الالتهابات قد نالت من جزئك السفلي كثيرا .. لعلك تشم رائحة غير طبيعية؟

***

نضال البدري / العراق

في نصوص اليوم