نصوص أدبية

حامد عبد الصمد: أبي طعم الحب.. رائحة الأحزان

1- طيبة

كلما جلس على حافة النهر

ومدّ كفه المباركة المخشوشنة

في مجرى الماء المترقرق

في فصل الصيف الساخن

تحوّل النهر

إلى سماء نديّة ...

تتناثر أضواؤها

قطرات ياسمين

ومطراً مملوءً بالخير

والحبّ

و الأشواق

للناس.. للطائر المسافر...

وتطرق بابه الطفولة

خلف جدران وحدته

وهي تمضي

بالصبر

لمستقبل

الازدهار

تمضي ..

بشوق يطير

برؤية...

طليقة

ليزدهر الحظّ

أندى من حكايات المطر

ويكون دائما

على قيد الحياة

أريجاً

في محطات الأحبّة والفقراء ..!

**

2 - طقس

يومه ملئ بالحيويّة

صلاته ..

صلاة الجمعة،

التي لم يعزب عنها

أبداً.. أبدا...

على الرغم من المسافات البعيدة

فكأنّه في جرم سماويّ اخر

بين نخيل .. ورمان واشجار البمبر

"الجامع رائحة نبويّة "

هكذا كان يردد ..

وهو يستعد للخروج من البيت

حيث كان يقصد بسرور، وبهجة

جامع السيّد عباس جمال الدين

في البصرة الفيحاء

في منطقة (السيمر) التي رآها ...

وسمعها

وعرف كل أزقتها

حتى صارت بعض أنفاسه

لأن بيتاً من بيوت الله (هنا)

نعم كان هنا يصلي

صلاته،

تفتح للقلوب الكبيرة بابا ..

بابا ...بابا

هي تراتيل،

من اشتدتْ محبته لله،

وأنس بقربه

وقطع من الدنيا حاجته

**

3- بصيرة

يغيم الطريق

وأنا أنحني على الورقة

أ تـ...راجـ...ــــع

قليــلا.. قليـلا

أراك يا أبي

تضع الحبوب، في وسط كفك

اضطرب

- لا تخف، يا ولدي -

أتأمل وجهك،بودٍّ عميق

فأراه ...في جهاده الحيّ

يغرس في أفئدتنا أشجار الأيمان

ومحبّة نبيّنا الكريم (ص)

وآله الميامين ..

الأطهار عليهم السلام.. قبساً.. قبساً

(جرس ساعة الحائط، يدقّ... يدقّ)

وتمرُّ أمامي الأشياء

أراك واضحاً..

كالقمر اليقظان

وأراك، أراك

كما رأيتَ الطريق

بعيدا ..

بعيدا من الاغترار

بزخارف الأيام

فقد كنت – حقّاً –

تمتلك إقامة الشكر

على كلّ حال

..وحال

وأنت تشقّ

تشقّ

أغوار السنين

الطويلة المضنية

في الخريف الأصفر

المحدودب المتجعّد

تنحت من الصخور

جبهتك العالية

لكي لا يهجر الحفيف الغصون

كنتَ تمشي في الطريق الصاعدة

تقتلع الأشواك منها

بالأصابع البريئة

وترشّ الزهر في الأزقة القاحلة

فتحييها ...

بقلب يخفق.. وعرق ينبض

فأينعت في الرمال

دموع ذرفتها

ترانيم الشقيقات

وصداح العذارى

وأغنيات الأمهّات

وأناشيد الزوجات

فكان حقّاً لك العطاء

أنتَ الوفاء

تحدّثنا :

وفي صوتك تهدّج

ونرنو اليك

وفي العينين بريق ألم

وفي القلب جرح طاهر

وفي الخاطر عهد إلى الإنماء

وأن "تعمل لدنياك

كأنّك تعيش أبداً

وتعمل لآخرتك

كآنّك تموت غدا "

ليس هذا القول

بعيدا عنك

يا سيّدي يا أبي

يا أحبّ الناس

(يجب أن أكرر

آلاف المرات

- يا أحبّ الناس - )

حان الوقت يا أبي

لأقول مرة أخرى

ليس هذا القول بعيداً عنك

فقد كنت َ تردده كثيراً

وتقول:

هذا القول جميل حقاً

يتألق فيه الزمن

في جوار المعرفة الطليقة

وتكبر عافية الانسان

بحنين إلى دنيا صافية الأديم

براّقة الأنجم

عاطرة النسيم

لا جدال في ذلك

لأنّ هذا الكلام من القرآن الناطق عليّ

سيّد البلغاء

والفصاحة

وسلطة الحق، واليقين

عليه السلام، الذهب المصفّى

**

4- انتظار

رياح المحبة

تسقط..

كلّ المسافات...

..وتهدِّم كل الجدران

آه، وعلى الرغم

من التشنج في رقبتي

رحلتْ روحي متلفتة

إلى الوراء

لتحقق الرؤية.. الصالحة

فرأيتك يا أبي

وأنا أتعثّر بالضوء ,

في منعطفات الزمان...

نعم يا سيّدي الجليل

رأيتك

متجها هناك

إلى منزل الذكريات

أنا مثلك، يا والدي

أحبّ مسقط الرأس

أحبّ بيتنا

في قرية الحمزة

وأنتَ الذي علّمتنا المحبة

والمروءة ..

وحقيقة المصابيح التي تشعّ

في حياتنا الشاسعة

"كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبداً لأوّل منزلِ "

كنتَ دائما تردد هذا البيت الجميل

كم كنت تحفظ شعراً، ايها الحكيم ....!

سلاماّ عليك ...

على النخل ...

وعلى منزل الذ كريا ت

***

حامد عبد الصمد البصري

في نصوص اليوم