نصوص أدبية

تماضر كريم: مشاهد ايروتيكية

ما إن خرجتْ قصتي ذات المشاهد العاطفية الحميمة إلى النور صباح اليوم، حتى أصبحتُ كمن أفاق من غيبوبة. لم أعرف كيف أتصرف، إزاء تلك المشاهد الصارخة التي توسطت صفحات أكبر جريدة في البلد.

حاولتُ أن اتذكر بماذا كنت أفكر عندما ضغطتُ زر الإرسال إلى مدير التحرير. لكن يبدو لي أني كنتُ مخدّرة، أو مأخوذة بفكرة ما، فغاب عني تماما وجه أمي الزاهد في الحياة، وملامح أشقائي الصارمة، وغابت وجوه الجيران، والصديقات في العمل، والزملاء. وأبناء عمومتي وأولاد خالتي، والأهم أني نسيت عيني والدي اللتين لا تتوقفان عن النظر إليّ من إحدى أركان جدران المنزل.

والآن هذه الصحيفة ستدور أحياء العاصمة، ومن يدري! ربما ستمضي إلى محافظات البلد الآخرى، حاملةً معها القُبل التي رسمتها، وتشابك الجسدين، والتأوهات الحارة المتلاحقة، وسائر التفاصيل التي في لحظة مجنونة وجدت طريقها نحو لوحة المفاتيح!

يا رباه! سيطردونني من العشيرة، ويعزلونني عن العائلة، في حجرة مظلمة، ولن يقدموا لي الطعام والشراب حتى أموت!

أكاد أسمعهم جميعا يصيحون بي (حقيرة ..سافلة)، حتى لو تأكد لهم أنها محض كلمات كُتبت بلحظة جنون.

أسرعتُ إلى مقر الصحيفة. هناك رئيس التحرير، صاحب الإبتسامة الأبوية! ياويلي! حتى هو ابتسامته اليوم تبدو مختلفة! بدا كأنه يغمز ُ لي (ها نجوى)!

إرتبكتُ كثيرا وأنا أحاول لملمة الكلمات لأسأله عن عدد النسخ التي تُطبع من الصحيفة وأماكن توزيعها.

قال لي مستغرباً: ليش؟

- هكذا أستاذ.

- ‏نحن نطبع بحدود خمس مئة نسخة، يذهب نصف العدد لبعض المحافظات.

- هل استطيع معرفة منافذ البيع أستاذ؟

- ‏نعم بكل تأكيد.

ناولني ورقة فيها أسماء بعض المكتبات.

صممت على شراء جميع النسخ في المدينة الكبيرة.

لقد جمعتُ المال، عبر عامٍ كامل، من عملي كبائعة في أحد المحلات التجاريه. كنت أدخره لشراء المزيد من الكتب. لكن تباً! لن يكون ذلك مهماً الآن. سأجمع المال مجددا وأواصل شراء الكتب، والكتابة، وكل شيء جميل ..ما يهمني الآن هو إفراغ العاصمة من الجرائد.

في حوالي الساعة الرابعة مساءً أصبح لديّ مئة وأربع وستون نسخة،

نصف العدد طار لمدن وسط وجنوب البلاد، بعد عملية حسابية صغيرة، عرفت أن ثمة ست وتسعون نسخة تم بيعها في العاصمة قبل أن تقع في يدي. إستبعدتُ أن تكون إحدى هذه النسخ الست والتسعين، قد وقعت في يد شخص أعرفه.

بقي أن أذهب للنهر، وأرمي النسخ التي اشتريتها.

هناك ساعدني سائق السيارة التاكسي، حيث كان يقذف معي بالجرائد وهو يضحك بقوة. في الحقيقة لم أعرف حتى هذه اللحظة لماذا كان يبدو شغوفا ومأخوذا برمي الجرائد بيديه بتلك الحماسة، وهو يقهقه سعيدا، دون أن يعرف السبب.

عندما رجعت للبيت إستقبلتني أمي بابتسامة حانية وهي تقول لي مثل كل مرة ( الله يساعدج).

وأنا في طريقي إلى غرفتي، لمحتُ نظرات أبي، من الصورة على الجدار.

نظرت فورا إلى الأسفل متجنبةً إياها.

تمددتُ على السرير. تنفستُ بعمق، أغمضتُ عينيّ، وكدت أنزلق نحو غفوة أشتهيها، لولا أن دوّى صوت شقيقي من مكان ما في المنزل: (نجوى)!

***

قصة قصيرة

تماضر كريم

في نصوص اليوم