نصوص أدبية

جمال العتابي: بستان التيه

الدليل ..

في يوم قائظ شديد الحرارة، ثقيل الوطأة، كانت الشمس ترسل سعيراً يلفع الأجساد، في السماء تتصاعد أعمدة دخان (التنانير) المسجورة ظهراً بلا حراك، كأنها تخترق السماء، كان طعمة من دكانه الصغير، النازل عن  رصيف الشارع بنصف متر، هو الوحيد الذي يراقب الزقاق الخالي من المارّة.

يتصبب العرق من صلعته الصغيرة،ينساب بغزارة على لحية كثيفة الشعر، غطّت ملامح وجهه، يرفع أذيال ثوبه لمنتصف فخذيه، حتى بانت عروق ساقيه ناتئة متخشبة، بين الحين والآخر يضطر الى ازاحة العرق المتساقط في محجر عينيه بخرقة اتسعت بقعها الرمادية بعرق  ممزوج بذرات الغبار، فيبست أطرافها.

يتدفق عليه الهواء الساخن من مروحة يدوية مصنوعة من سعف النخيل، ينقلها من كفه اليمين تارة، الى كفه اليسار تارة أخرى، وبالعكس، بحركات سريعة متتالية.

فجأة يردّ  طعمة السلام بتثاقل، لرجل وقف أمامه بدأ يتأمله بعد أن هزم النعاس الذي كاد أن يطيح به، وهو يتمايل على كرسي خشب قلق، وبلا مسند، كانت قسمات وجه طعمة تدلّ على انه لم ينم منذ يومين أو ثلاثة بلياليها، يفتح عيناً ويغلق اخرى، حين كان يتأمل وجه الرجل المتلهف بالسؤال عن أحد أقاربه، ليس ببعيد عن داره، طفر من فمه هذا السؤال:

- عمي…ولا بيت عبيد؟

- نعم عمي، وصلت!

- رحمة لوالديك!

بدأ  طعمة يؤشر بيديه نحو هذا الاتجاه وذاك، كانت حركة يديه توحي بحالة جزع مرير تنتابه تلك اللحظة:

- عمي .. تأخذ هذا الشارع، عدل، لا يمنه ولا يسره، ثم تنعطف نحو اليسار، بعد ان تحسب ثلاثة شوارع، في الرابع تدخل الثاني على اليمين، حالما تدخل الثاني سيواجهك في النهاية بستان نخيل، إذا وصلت البستان أعرف نفسك (تيّهت)!!

***

جمال العتابي

في نصوص اليوم