نصوص أدبية

محمد الدرقاوي: "حك وصاب غطاه"...

تصحو فدوى على حركة غير عادية في غرفة نومها، من أول خطوة تحس ان أنفاسا أخرى غير أنفاسها صاعدة نازلة في احتراس، تشاركها هواء الغرفة، يدها تمتد الى هاتفها تحت الوسادة..

لا!!.. قد يفضحها ضوؤه، تفتح عينا وتترك الثانية مغمضة.. الضوء الباهت المتسرب من الستائر الشفافة للنافذة يجعلها تتبين الطيف الذي يتحرك في الغرفة وقد اطمأن الى نومها العميق وشرع يقلب دواخل خزانة ملابسها..

هو ليس غيره، ذاك دأبه كل يوم بالليل بعد نومها، ومتى غفلت عنه بالنهار..ما أن يتذكر زاوية من خزانة ملابسها الا وتحيَّن الفرصة لتقليبها..

متأكدة من زائرها، طول قامته وشعره الغزيز يدلان عليه، الم يَدَّع أنه سيغيب يومين؟..فلماذا عاد من يومه كلص متسلل بليل؟..

فدوى من أوهمته كعادتها أنها تسبت في نومها الثقيل وأن رغبة النوم لديها تلفها بمجرد أن تضع رأسها على الوسادة، تعوَّد منها ذلك؛ غباء، أو ربما ثقة زائدة في النفس الى حد الغرور، لم يكن يدري أنها هي من كانت تبني الوهم في عقله بشخير كمدماك يتحصن به في اطمئنان حتى تتابع حركاته وسكناته، لديها،الثقة فيه مفقودة من الشهور الأولى لزواجهما، لا تأمن لوجودها أمنا معه، يتلون كسحلية حرشفية بألف لون ولون،لذلك فهي تحترس برقابة وحرص على أن توقعه في سوء سلوكه..

كل ليلة قبل أن يتسلل من سريرها،يمرر ظهر كفه قريبا من فمها وأنفها، أحيانا يضع سبابته على خدها ليتأكد من استغراقها في النوم، ثم يخرج الى الخادمة التي تكون في لهفة انتظار تلقاه بجسد عار وأحضان مفتوحة..

"صغيرة مراهقة لا تعبأ بالخطر الذي يحدق بها "

ـ يتوهمان أني نائمة، غائبة في رموس الكرى..

"حك وصاب غطاه"..نفس التفكير، والميول الساقطة، كلاهما من طينة واحدة، هو بلا أصل يتفجر ماضيه في دواخله بلا انقطاع، ظل يكرر سنواته الدراسية ولم يصل الى الجامعة الا بعد أن بلغ السادسة والعشرين من عمره، لكنه لم يستطع التزحزح عن السنة الأولى..

تم طرده بعد أن سرق محفظة نقود إحدى الطالبات التي كشفته من جواربه، ولم تكن السرقة الأولى ولا الثانية ؛ أما هي فخادمة لا يتعدى عمرها الخامسة عشرة قذفتها المراهقة بلا توجيه ولا رعاية بل الى تحريض استغلالي جعل افعالها وتجاربها في البيوت وراثة من أدق تفاصيل أفعال بنات إبليس.. تعرف زوج فدوى على الأم قبل البنت التي تنحدر من نفس قبيلته، ظلت تنتقل من بيت لبيت وفي كل بيت كانت تفرخ زلة، لاتوقر صغيرا ولا كبيرا..

ما يغلي في صدر فدوى أقوى من قار الطرقات الحارق، كيف تصطبر أنثى وزوجها أمام عيونها يخونها مع خادمة صغيرة ؟ ألا تكون مسؤولة اذا وقع للطفلة ما يحرك اقاربها باستفسار ؟..:

لون القارما أحسه نحوهما، لكن يلزمني أن أتحمل و أصطبر..

تعي فدوى جيدا أن الخسيس الذي لايتوانى في سرقة زوجته وأم ابنه لن يتحرج في قتل من أجل أن ينهب، فكل حركة من فدوى هي جناية على نفسها، الغبي لن يتأخر عن الفتك بها.. و أقل ماقد يصدر عنه أن يُلبِّسها اللئيم كذبة تأتي عليها ّ وعلى براءتها.. يتوهمها غبية، ساذجة، و الحقيقة أنها بصبرها وقوة احتمالها وذكائها هي من طبعت هذا الاعتقاد في عقله، ما أن تدخل سريرها حتى تستكين وتترك سمعها يشتغل بتسجيل، يناديها فلا ترد، يسألها فلا تجيب حتى اذا صحت، مثلت عليه دور من غرقت في نوم،تصحو فزعة وهي اشبه بمجنونة على صيحاته،كل ذلك ليتمادى في أفعاله، ويزداد استغراقا في سوء أعماله "

أريده أن يغرق بلا نجاة والى الأبد "..

يعود الى غرفة النوم على رؤوس أصابعه وخلفه الخادمة ذيله التبيع، يبحثان عن ذهب فدوى، الذي ورثته عن أمها والذي كم حاول أن يستحوذ عليه رغم ما قدمته له زوجته من تضحيات ومساعدات.. جاحد كفور لايعترف بنعمة..

أين أخفت الذهب ؟..

تدرك فدوى ان زوجها يتهيا للفرار مع الخادمة، بعد استيلائه على ذهبها، فقد سمعت حديث مؤامراتهما ذات ليلة..لذلك حملت كل ذهبها الى بيت خالتها..

حين يئسا، تعانقا بلا حياء أمام سريرها، ثم عادت الخادمة الى غرفتها واندس هو في سريرزوجته..

خفة عقل وطيش خادمة صبية لا تزن سلوكها، كيف تتصور ان يحافظ لها على ود ؟هو فقط يسخرها لأغراضه، يقدمها قربانا اذا ما تم ضبطه، ولن يتوانى في قتلها اذا كان القتل مطية لجشعه وطمعه..خسيس دنيء.

صباحا تحيي فدوى زوجها ببسمة عادية، لكن اعماقها تقطر مقتا وكراهية، تدخل الحمام..ومن خلف الباب تسمع حركات ركضه الى الخادمة في المطبخ، يعانقها من خلف فتسأله بلهفة:

ـ ما الجديد ؟

ـ لا شيء، استغرقني الليل بتفكير.. ألا يكون تحت سريرها ؟

ـ سأقلب السرير من أسفله وبين طياته بعد أن تنصرف لعملها..

حين خرجت فدوى من الحمام وجدت زوجها مع الخادمة، كانت يداه على كتفيها، يتحدثان بهمس،ما أن رأى خيال زوجته حتى ابتعد عن الخادمة، رفع صوته:

ـ بادري خديجة أرجوك لقد تأخرنا عن وقت العمل

تضحك فدوى، وحتى تؤيد قوله فيطمئن تقول للخادمة:

ـ صحيح،لن تُفتح بابٌ الا بحضور سيدك..

تخرج فدوى الى عملها بعد أن يغادر الزوج البيت كحارس في إدارة

تزوجت فدوى صالح وهو طالب جامعي في السنة الأولى، لم يستطع تجاوزها..

صادفته مرة في أحد المنتزهات فاصر على التعرف عليها، أوهمها أنه يسير مدرسة حرة، بعد كتب الكتاب أقنعها بزفاف بلا حفل،بعد شهرين تبين أنه مجرد طالب جامعي مطرود..

وجدت فدوى نفسها محاصرة بحمل مبكر وحيث انها موظفة كرهت أن يشاع بين زميلاتها طلاقها بهذه السرعة وكأنها هي من اشترت رجلا لانقاد نفسها من عنوسة بدأت تطول..

فكرت فدوى أن تبحث لزوجها عن عمل حتى تحافظ على لحمة الأسرة فيتربى وليدها في كنف أب وأم ملفوفا بحنانهما..

استطاعت أن تشتري لصالح دكانا صغيرا بالتقسيط، من مالها تقدم تسبيقه الذي يتجاوز نصف ثمنه حسب رغبته وشرطه أن يكون الدكان كله في اسمه يتكلف فقط بأداء المبلغ المتبقي اقساطا شهرية

جرب بيع الخضر والفواكه فخسرلإهماله وكسله حين كان غيره يجني أرباحا اتسعت بها تجارتهم،كان صالح ينام الى الضحى، ولا ينتبه الى الفواكه التي قد مسها الخمج فيفصلها عن غيرها، ثم غير الخضر والفواكه ببيع الدجاج والبيض كلما ارتفع ثمن الطيور كلما ارتفع دخله لكن الكثير من الزبائن ضبطوا غشه حيث كان يذبح الدجاج النافق ويبيعه قطعا كما وجدوا حصوات وطين تحت أجنحة الدجاج لزيادة ثقله بالميزان فقدموا به شكاية وتم إلقاء القبض عليه وحوكم بسنة سجنا، وقد ازداد ابنها وأبوه سجين، وظل يقسم كذبا أنه لم ينتبه للحصى تحت الأجنحة وربما يكون هذا من فعل صاحب مزرعة تربية الدجاج..

استطاعت بتدخل من أحد اقربائها الذي تم انتخابه برلمانيا أن يشتغل الزوج حارسا في أحد مدارس التكوين المهني الخاصة لكن سرعان ما تم ضبطه مع منظفة هناك في وضع مخل بالآداب فتم طردهما وبنت المنظفة هي خديجة من صارت لدي فدوى خادمة بعد ان ماتت أمها إثر سقطة على رأسها بعد عراك مع إحدى السجينات حوكمت على أثرها بتهمة إجهاض طالبة في بيتها

كانت فدوى تعي أن نهايتها ونهاية ابنها لن تكون الا على يد زوجها وخديجة خادمتها أو هما معا لهذا جلست الى قريبها البرلماني وأبلغته بكل هواجسها، نقلت له ما يقع ليلا بين الخادمة وزوجها، ومقدار صبرها الذي فاق كل الحدود، هد نفسها وكيانها، صبرا لضمان حياتها وحياة ابنها.الذي تعبت من وضعه كل يوم في ضيافة إحدى الجارات.

طرق البرلماني قريب فدوى بابها ذات صباح بعد أن أيقن من خروج الكل الى عمله، كان في رفقته شاب عشريني يحمل محفظة رياضية من كتان ملونة، طلب القريب من الخادمة ان تصاحبه لمساعدة زوجته في أعمال البيت، حاولت الخادمة أن تعتذر لان وراءها اعمالا يجب إنجازها لكنه أكد لها أنه اتفق مع فدوى فلا خوف عليها.. قبل أن يركب الجميع في سيارة البرلماني الرباعية الدفع طلب منها مفاتيح البيت قدمها الى مرافقه الشاب قائلا:

ـ بشير !!.. ربما قد تعود قبلا منا، ادخل كل شيء الى البيت وانتظرنا..

حرك الشاب رأسه ببسمة توحي أن اتفاقا قبليا ما بين الرجلين قد تم،ثم خطا في الاتجاه المعاكس للسيارة..

وصل البرلماني الى بيته، دخل والخادمة معه،طلب من خادمته أن تدل خديجة على ما يجب القيام به في البيت الذي كان يخضع لبعض الإصلاحات..

عاد زوج فدوى بعد منتصف النهار بقليل طرق الباب فلم يتلق أي رد..

انتظر عودة فدوى التي فتحت الباب بمفاتحها، اين الخادمة ؟لا وجود لها..

ظل زوج فدوى يلفق التهم لزوجته تارة يدعي ان فدوى من طردت خديجة وتارة يقول:إن فدوى هي من ضيقت الخناق على الخادمة حتى ملت وأبقت، يصيح بذلك كأنه يريد إسماع الجيران بما اقترفته فدوى في حق صبية لا ملجأ لها ولا مأوى..

ماذا أقول لأهلها إذا ظهر أحدهم ؟

بعد أن اشتد خصامهما اقبل البرلماني ومعه خديجة والبشر على محياها منشور..

غضب الزوج يبلغ مداه وهو يرى خديجة تضحك من أذنيها والبرلماني معها وقد وضع يده متعمدا على كتفها، أكل الشك وسوء الظن كل بقية من صدرصالح وعقله، البنت صغيرة وجميلة وفي يدها هدية، فهل طمع فيها البرلماني ؟ ماذا لو اكتشف أنها غير بكر واستطاع أن يستل منها كل الأسرار..

رغم ما اخبرت به الخادمة عشيقها زوج فدوى من أن البرلماني لم يتجاوز أي حد معها فلم يصدقها..

ـ ممنوع عليك الخروج بلا إذن مني، فأنا عنك مسؤول..

مر بقية اليوم عصيا على الزوج، لكن فدوى أيقنت أن قريبها رغم تكتمه قد رتب حيلة لزوجها أدخلته في أدغال من الشك كثيف،وما أن اتى الليل وأوت فدوى لسريرها حتى تسلل الزوج الى غرفة الخادمة كعادته، شدها من عنقها واقسم انه لن يتركها حتى تخبره بالحقيقة وبأدق التفاصيل..

مارس الزوج على الخادمة كل أنواع التنكيل والفحش فهو لم يقتنع بأن البرلماني قد اكتفى بخديجة لمساعدة خادمته وهو من باستطاعته أن يحرك جيشا من الخدم لبيته،كما ان الهدية التي أتت بها خديجة وهي عبارة عن صندوقة مذهبة وبها ورقة من فئة مائتي درهم لم تكن غير ثمن لما مارسه معها البرلماني.. هي غرة بطيش،عقلها يطير مع الذهب والمال..

شرعت الخادمة تستغيث من ألم فما تعودت أن يمارس عليها صالح من الشذوذ ما حققه فيها الليلةعقابا على استجابتها للبرلماني، وحتى يتم اسكات صوتها أنامها على وجهها وضع الوسادة على رأسها من خلف ثم جلس بكل ثقله على الوسادة ضاغطا بقوة يديه على مؤخرتها الى ان انقطعت أنفاس خديجة ففقدت الروح، ألبسها ثيابها، أنامها على الجانب الأيمن،خمش وجهها وعنقها بأظافره، مسح يده بعناية في إزار غطاها به ثم تركها وعاد على رؤوس أصابعه الى فراشه متوهما أن زوجته نائمة..

في الصباح أيقظ فدوى ليخبرها أن الخادمة قد وجدها ميتة، وما أن هرعت فدوى فزعة وأطلت على جثة الخادمة حتى دفع الزوج فدوى لتقع فوق الخادمة ارتمى عليها من خلف ومسكها من معصمها وظل يحاول خمش وجه الخادمة بأظافر يد زوجته فتترك بصماتها واثرها في مكان الحادث ثم شرع يتهمها بقتل الخادمة..

حضر رجال الشرطة وقد لحق بهم البرلماني.. كان أول ماقاله الزوج:

ـ زوجتي هي من قتلتها للعداوة المتحكمة بينهما والشك الذي كان يركب زوجتي اتهاما أني أخونها مع هذه الطفلة الصغيرة البريئة، وليست هي المرة الأولى التي تحاول زوجتي القيام بذلك، أنظروا الى اظافر زوجتي على عنق الخادمة وخدها..

ظلت فدوى تبكي وتقسم ببراءتها وان زوجها كاذب، خسيس ودنيء، لكن إشارة خفية من البرلماني أفهمتها أن تلتزم الصمت والامتناع عن الكلام..

البرلماني عانق قريبته، اسكتها لتطمئن ثم قدم هاتفه الى رجال الشرطة حيث الحادثة مصورة وبالتفصيل كما التقطتها الكاميرات التي ركبها الشاب الذي كان في صحبة البرلماني صباح أمس..

***

محمد الدرقاوي ـ المغرب

 

في نصوص اليوم