آراء

أستراليا.. أزمة سياسية أم أزمة وطنية؟

عباس علي مرادفي الأسبوع الأخير من شهر آب الماضي، ضربت استراليا هزة سياسية عنيفة، قوضت هذه الهزة والهزات الارتدادية التي رافقتها الحكومة الفيدرالية وحزب الأحرار الحاكم، وكان من ابرز نتائجها المباشرة، خسارة رئيس الوزراء مالكوم تيرنبول وظيفته ومن ثم استقالته من الحياة السياسية، وقد تم انتخاب سكوت موريسن خلفاً له، وسط فوضى عمت مجلس الحزب (الكوكس)، وقد تم أيضاً إغلاق البرلمان حتى العاشر من أيلول، وهذا ما لم يحدث منذ زمناً طويلاً.

طغت الكيدية السياسية على حراك النواب والوزراء والأعلاميين، حتى أن العداوة الشخصية والثأر كانا المحرك الأساسي لبعض السياسيين، كرئيس الوزراء الأسبق طوني أبوت وخلفه مالكوم تيرنبول الذي لم يعدم الحيلة، ولم يدخر جهداً، لمنع وصول بيتر داتون حليف أبوت من الجناح المحافظ الوصول الى سدة رئاسة الحزب ومن ثم رئاسة الوزراء.

الأعلام، والذي كان من المفروض به أن يرافق الحدث بتغطية محايدة، انغمس في اللعبة إلى أبعد الحدود، ومارس بعض الأعلاميون المؤثرين أمثال ألن جونز، راي هدلي، اندرو بولت، روس كاميرون، بيتا كريدلن وبول موري دوراً مباشر في الضغط على النواب والوزراء من حزب الأحرار لتغيير مواقفهم من قيادة تيرنبول.

الأعلامي كريس أولمن محرر الشؤون السياسية في القناة التاسعة، شن هجوماً على كل من هادلي وجونز، بسبب دورهما في تسعير الأزمة.

لم تقتصر عملية الأستقواء على الأعلاميين، بل شملت بعض ممثلي الشعب من النواب، وحسب النائبة جولي بانكس نائبة مقعد شيزلوم في ولاية فكتوريا، والتى ستعزف عن الترشح للأنتخابات القادمة، بسبب ما تعرضت له من أستقواء وتخويف وضغوط غير مبررة من زملاء لها في مجلس الحزب، وتعهدت بانكس بمواصلة الدفاع عن المساوة بين الجنسين.

وكانت حالات أستقواء سابقة حصلت في مجلس الشيوخ قبل فترة غير بعيدة، كالذي حصل مع السيناتورة سارة هانوسن يانغ من حزب الخضر، والتى أوصلت قضيتها الى القضاء، او ما تعرضت له النائبة العمالية أيما هيوسر الشهر الماضي، والتي اضطرت الى سحب ترشيحها عن مقعد ليندزي في غرب سيدني، وعدم المنافسة في الانتخابات القادمة ونهاية حياتها السياسية، رغم أن المحكمة الحزبية برأتها من التهم الاكثر خطورة التي وجهت لها.

رئيس الوزراء الجديد سكوت موريسن، تعهد بتغيير ثقافة حزب الأحرار، بعد محنة اسبوع الفوضى السياسية قبل أسبوعين، مذكراً بأن لديه بنات، ليقول بكل وضوح بأنه لن يتساهل مع حوادث الأستقواء.

زعيم المعارضة بيل شورتن، قال أن بيان النائبة بنكس يظهر مدى الانقسام داخل حزب الاحرار، مضيفا أنه لا يعرف عن أي حوادث إستقواء أشارت لها حول حزب العمال، وأكد ان لدى حزب العمال بروتكول حول الموضوع ونعمل دائماً على تطويره.

رئيس حكومة فكتوريا الأحراري السابق تد بالييو، انتقد حزبه بسبب مشاكله مع النساء، واعتبر استقالة النائبة بانكس جرس إنذار للأحراروقيادتهم، واعتبركلام بالييو موجهاً الى رئيس حزب الاحرار في فكتوريا مايكل كروغير، الذي قال ان النائبة بانكس بالغت في ردة فعلها، مضيفا هذه السياسة حيث الناس تتخاطب بهذا الأسلوب وترفع صوتها، وهذا ما يجب أن يفعلوا إذا كانت هناك مسألة وطنية مهمة تناقش.

رئيس الوزراء العمالي الأسبق كيفن راد بدوره شن هجوماً لاذعاً على القطب الأعلامي البارز روبرت مردوخ، واصفاً إياه بأنه السرطان الأخطر على الديمقراطية الأسترالية، وانتقد راد طوني أبوت بسبب أسلوبه التخريبي في العمل السياسي، وقال ان أبوت لا يملك أي برنامج سياسي واضح ( الموقع الألكتروني لصحيفة سدني مورننغ هيرالد 27/8/2018).

ما حصل، يعيدنا بالذاكرة الى النزاعات داخل حزب العمال عام 2010 بين رئيس الوزراء انذاك كيفن راد ونائبته جوليا غيلارد، التي انقلبت عليه، ليعود وينقلب عليها، ويقوض حكومتها ليتولى رئاسة الوزراء عام 2013 ويخسر الأنتخابات العامة 2013.

أقتصاديا،ً مازال إداء الأقتصاد الأسترالي مقبولاً، ولم تشهد البلاد أي ركود منذ 27 عاماً، وأسعار الفائدة الرسمية في أدنى مستوياتها منذ أكثر من 60 عاماً (1.5%) رغم تفلت البنوك وزيادة أسعار الفائدة بصورة مستقلة، نسبة العاطلين من العمل وحسب ارقام الحكومة في أدنى مستوياتها (5.5%) وأستراليا من الدول القليلة التي لم تتأثر بالأزمة المالية عام 2008.

إذن، السؤال الذي يطرح نفسه هل تحولت الأزمة السياسية التي تضرب البلاد منذ عام 2010 الى أزمة وطنية؟

رالف آشتن المدير التنفيذي للمؤسسة الأسترالية للتخطيط المستقبلي في مقالة له بعنوان (أستراليا تتصرف مثل المدلل الشقي س م ه 28/82018 ص 18) يقول: إن الخلل في ألإداء السياسي يعتبر دليلاً على الأزمات والمشاكل التي تواجه المجتمع الأسترالي، ويستعرض بعض المشاكل التي يعاني منها المجتمع ويقول: المؤسسات الدينية تسيء الى الأطفال، المؤسسات المالية تسرق وتغش زبائنها، فريق الكريكت الوطني انحدر مستواه وصولاً للغش من أجل الفوز، وسائل الأعلام حادت عن رسالتها ودقتها، ويضيف ان مجتمعنا المتعدد الثقافات مجتمع ناجح ولكن هناك فشل في معالجة 10 قضايا يرغب الأستراليون في تحقيقها للوطن منها: العناية بالمسنين والمحبطين والأجيال القادمة، تأمين المساكن للمواطنيين، قطاع صحي فعال، نمو أقتصادي، مستوى عال من النزاهة والمحاسبة، تأمين الوظائف والأهم حكومة قادرة وفعالة.

ويتساءل آشتن كانبرا هل تسمعين؟

ويتابع، إن الخبراء ما زالوا يرددون إذا اردنا المحافظة على مستوى المعيشة الحالي، فإننا بحاجة الى نظام ضريبي متطور، منازل بأسعار معقولة، تأمين الطاقة، الحد من الأنبعاث الحراري، تأمين مراكز العناية بالأطفال، حل مشاكل السكان الأصليين، المساواة بين المرأة والرجل، مواجهة مشاكل الأمراض العقلية، معالجة أزمة البدانة، تطوير علاقتنا مع أسيا، تجهيز القوى العاملة لوظائف المستقبل والأستثمار في بناء البنى التحتية.

يجدد آشتن تساؤله ماذا يفعل قادتنا؟ ليس الكثير كما ذكرنا، ومراراً يفعلون العكس، ويضيف ماذا فعلنا كناخبين ومستثمرين ومستهلكين..؟

بشكل عام نقف موقف المتفرج ليختم قائلاً: إننا نبني المجتمع الذي لا نريد.

لقد فات آشتن ذكر بعض القضايا والمشاكل المهمة، مثل تراجع الإداء التعليمي في البلاد في مراحل التعليم الأساسي والثانوي، بالأضافة الى الأفتقار الى سياسة سكانية واضحة، مما حول مسألة الهجرة الى أزمة لا أساس لها ومضللة، فحسب حاكم البنك المركزي الاسترالي فيليب لوي ان أيجابيات سياسة الهجرة تتقدم على مساوئها بكثير، ورغم ذلك لا يتوانى بعض السياسيين والأعلاميين من استغلالها واستهدافها بحملة منظمة لا تخلو من العنصرية، والتي بدورها عادت لتطل برأسها بين الحين والأخر، وما محاولة تعديل المادة 18 س من قانون الذم العنصري، من قبل حكومة الاحرار، قبل التراجع عنه بسبب الضغط الذي تعرضت له من قبل حزبي العمال والخضر وقوى المجتمع المدني، الأ دليل على هذا التوجه وان كان بحجة حرية الرأي والتعبير.

ما تقدم، يُظهر لماذا تراجعت ثقة الاستراليون بالطبقة السياسية، والتي وحسب استطلاع جامعة غريفيت تراجعت الى 46% العام الماضي فدراليا وفي الولايات. وذكر الأستطلاع أيضاً، تراجع ترتيب أستراليا في مؤشر الفساد العالمي من المرتبة الثامنة عام 2012 الى المرتبة 13 هذا العام، وان كانت ما تزال مرتبة محترمة (موقع ذي كونفرسيشن الألكتروني 28/8/2018).

أخيراً، ومن أجل الحفاظ على أستراليا، واستقرارها وتطورها وازدهارها وعدم انزالق الازمة السياسية الى أزمة وطنية، علينا مواجهة التحديات والوقوف في وجه عمليات الاستقواء والتخويف، سواء جاءت من السياسيين أو الاعلاميين، ووضع حد لهذه القرصنة السياسية والأعلامية، لأننا نريد أستراليا التي نمثلها وتمثلنا دون خوف وتردد وتمييز، وهذا حق لنا، وحق علينا، وهكذا نضع حد لهذا الخلل في الإداء غير السليم، لهذه الطبقة السياسية والاعلامية، ووقف توجه الناخب الى الاحزاب الشعبوية، سواء كانت على اليسار كالخضر أو اليمين كحزب أمة واحدة وحزب المحافظين.

علينا تحمل هذه المسؤولية، والقسط الاكبر يقع على عاتق من يتصدى لتحمل هذه المسؤوليات، ويمثل الناس تمثيلاً صحيحاً ويتصدون لحل مشاكلنا الوطنية المهمة، بعيداً عن الأستقواء والأستهزاء والتخويف والهيمنة على الآخرين، من أجل السلطة والمناصب، عبر فرض قيمهم وآراءهم ونظرتهم الخاصة. ما تقدم، يجب أن لا يلغي دور المواطن المراقب والمحاسب، لا بل يجب تعزيزه بالمحاسبة في صناديق الاقتراع حتى تسود الشفافية والنزاهة، لتعود الانجازات السياسية الأسترالية محل إعجاب المجتمع الدولي كما كانت سابقاً.

ونختم مع الدكتور جان هيوسن رئيس حزب الاحرار السابق، الذي يتخوف من أزدياد الوضع سوءاً والتراجع الى الوراء، ويضرب مثلاً عن مسألة الاحتباس الحراري التي أثبتت أنها مشكلة للسياسيين الأستراليين، والنظام السياسي، يتعذر عليهم معالجتها، وشكك هيوسن بامكانية ان يكون اداء حكومة موريسن افضل لمعالجة هذه المشكلة(س م ه 30/8/2018 ص22).

 

عباس علي مراد

 

في المثقف اليوم