قضايا وآراء

قراءة سسيوثقافية في فقه الثورة والدولة (ق3)

ما طرحنا أعلاه، دعوة أو تحريض على التفكير الاستراتيجي، فنحن ندرك أن الأمور أكبر وأكثر تعقيدا من قدرتنا أو قدرة أي كاتب على إنجاز مشروع بهذا الحجم .ما يجعلنا متفائلين بإمكانية تجاوز المرحلة الصعبة هو ثقتنا بشعبنا وعدالة قضيتنا ولأن العمل على هذه الإستراتيجية الجديدة لن يكون من نقطة الصفر فهناك حضور بتاريخ متجذر للشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، وتاريخ نضالي فرض على العالم أن يعترف للفلسطينيين بالحق في دولة مستقلة، أيضا هناك حقيقة أنه بالرغم من كل أشكال الفشل والمؤامرات التي تعرضت لها الأحزاب والقيادات السياسية إلا أنها لم تتخل عن الحقوق المشروع للشعب، نعم فشلت في تحقيقها ولكنها لم تفرط بها.

 نعلم أنها مهمة صعبة وشاقة، ولكن مصير الشعوب لا يرتهن بمصير نخب سياسية أو بموازين قوى آنية أو بإرتكاسات عابرة، بل بإرادة الصمود والبقاء عند الشعب، فلنعتبر أن ما جرى انتكاسة وفشل لمشروع وطني راهن لم تأت الرياح بما تمكنه من الإقلاع، وحيث أن (لكل جواد كبوة )فيمكن للشعب وقواه الحية أن يتجاوزوا ويتغلبوا على المحنة، فتاريخ صراعنا مع المخطط الصهيوني لم يبدأ اليوم، ومن الواضح انه صراع مفتوح على المستقبل .فشل السلطة وفشل الحكومتين في غزة والضفة وفشل كل القوى السياسية لا يعني نهاية القضية الوطنية الفلسطينية، بهم أو بدونهم سيستمر الشعب الفلسطيني في خوض معركته الوطنية، بهم أو بدونهم سيكون هناك مشروع تحرر وطني فلسطيني.إن صدقت النوايا يمكن أن تبدأ هذه الاستراتيجية بلقاء موسع للقوى السياسية الفلسطينية ولشخصيات وطنية من المستقلين والمفكرين، ولأن القضية لها الابعاد المشار إليها يمكن أن يشارك في بدايات هذا اللقاء مثقفون ومفكرون عرب ومسلمون مشهود لهم بدعم القضية الفلسطينية بدون تحيز لأي محور أو ايديلوجية خارجية، ويمكن ايضا مشاركة ممثلون عن جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

 

 

- أ-د/إبراهيم أبراش

أستاذ العلوم السياسية - جامعة الأزهر بغزة

 

...............................

-  من أبرز المظاهر الشكلانية للتيه هو ذلك الخلط اللغوي في توصيف الحالة السياسية، فلا المثقفون والمفكرون ولا السياسيون قادرون على الاتفاق على توصيف الحالة  السياسية بترميزها بمصطلح واحد.تارة يتحدثون عن مرحلة تحرر وطني وتارة عن سلطة سياسية وأخرى عن دولة ومرة عن كيان سياسي، تارة يتحدثون عن النظام السياسي بنفس المعنى الذي يعطونه للدولة ،ومع ذلك يدمجون مرحلتي التحرر الوطني ومرحلة السلطة فيقعون في خطأ الخلط والتلفيق بين القوانين الحاكمة والناظمة لمرحلة التحرر الوطني وتلك الناظمة والحاكمة لمرحلة الدولة.

- بعد مؤتمر حركة فتح السادس في أغسطس من العام الجاري أنسلخ تنظيم فتح عن تراثه وتاريخه النضالي و لم يعد يمثل حركة التحرر الوطني بل تحول لمجرد حزب سلطة.

-  من مظاهر التيه  أن الجبهة الشعبية  وأيضا الديمقراطية تقول بالمقاومة وتملك أجنحة عسكرية في قطاع غزة حيث خرج الاحتلال ،فيما تمالئ السلطة ومجردة من السلاح في الضفة الغربية حيث يوجد الاحتلال.

- (كل الخيارات مفتوحة) شعار الأقوياء وليس شعار الضعفاء ،وبالتالي فلا محل ولا قيمة لهذا الشعار في الساحة الفلسطينية وخصوصا في ظل حالة الانقسام ،فعندما يفشل خيار التسوية ويفشل خيار المقاومة فأية خيارات أخرى.إن استمرت حالة الانقسام  لن تنتج إلا مزيدا من الهزائم أو خيار(عليَّ وعلى أعدائي).

- نشير هنا أن الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني عام 1974 وصدور عشرات القرارات الدولية لصالح الشعب الفلسطيني جاء في وقت كانت تمارس فيه المنظمة الكفاح المسلح وتصنف كحركة إرهابية في غالبية الدول الأوروبية .فرضت المنظمة نفسها بالرغم من كل ذلك لأنها بالإضافة إلى الظروف الدولية المواتية،كانت تمثل الكل الفلسطيني  ،بمعنى أن وحدة الشعب ووحدة ووحدانية القيادة هو ما جعل العالم يحترمنا .

-  عملت إسرائيل على تدمير الاقتصاد الفلسطيني من خلال بروتوكولات باريس الاقتصادية المتممة لاتفاقات أوسلو ومن خلال إجراءات على الأرض كمصادرة الأراضي الزراعية أو تقطيع أوصالها ومن خلال تدمير المنشئات الصناعية وفرض قيوم على تصدير المنتجات الفلسطينية وإدخال المواد الخام أيضا من خلال شراكة مذلة مع نخب اقتصادية فلسطينية.كان الهدف من هذه الإجراءات تجويع الشعب لإجباره على القبول بأي حل سياسي.هذه السياسة لم تنجح ولكنها أدت لتبعية الاقتصاد والمجتمع الفلسطيني لجهات مانحة أجنبية وهي تبعية مضرة بالمشروع الوطني ومعيقة له.

-  انتهت انتفاضة 1987 بتوقيع اتفاقية أوسلو وانتهت انتفاضة الأقصى بالانقسام.فهل كانت الانتفاضتان عفويتين أم موجهتين ومخطط لهما؟إن كانتا عفويتين فيمكن تفهم ما جرى لهما وبالتالي لا نحمل القيادات السياسية مسؤولية مآلهما ولكن القيادات والفصائل تقول بأن الانتفاضتين كانتا موجهتين من قبلهما ،معنى هذا أن الفصائل وخصوصا حركتا فتح وحماس وجهتا أو وظفتا الجماهير المنتفضة لهذه النهاية ،حركة فتح وجهت انتفاضة 1987  لتمرير نهج التسوية وتوقيع اتفاقية أوسلو ،وحركة حماس وجهت انتفاضة الأقصى للانقلاب على النظام السياسي ولتسيطر على قطاع غزة.

-  كتب الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان قبل النكبة واصفا حال الزعامات الفلسطينية:

انتم (المخلصون) للوطنية           أنتم الحاملون عبء القضية!!

أنتم العاملون من غير قولٍ          بارك الله في الزنود القويّة!!

و (بيان) منكم يعادلُ جيشا                  بمعدّات زحفه الحربية

و (اجتماع) منكم يردّ علينا               غابَر المجد من فتوح أميّة

وخلاص البلاد صار على الباب            وجاءت أعياده الوردية

ما جحدنا (أفضالكم)، غير أنّا     لم تزل في نفوسنا أمنيّة:

في يدينا بقية من بلاد...              فاستريحوا كيلا تطير البقية

- غالبية مستشاري الرئيس أبو مازن ، شخصيات غير شعبية وبسمعتها سيئة وفشلوا إما في الانتخابات التشريعية أو انتخابات مؤتمر حركة فتح أو فشلوا وأبعدوا عن أحزابهم ،مما يثير التساؤل حول المعايير التي على أساسها يتم اختيار هؤلاء وهل  هم متواجدين بإرادة الرئيس أم مفروضون عليه من قوى خارجية؟.

-  غالبية  أبناء قادة فصائل منظمة التحرير انسلخوا عن العمل النضالي:ثقافة وممارسة واغتنوا وأصبحوا من أصحاب الثروة والجاه فيما حالة الشعب تزداد سوءا وآباؤهم يتحدثون عن النضال وعن معاناة الشعب !هذه ظاهرة تحتاج لدراسة من علماء الاجتماع السياسي، إن لم يكن القائد قدوة لأبنائه في نهجه النضالي فكيف سيكون قدوة لأبناء الشعب؟ لو كان الأبناء يعتقدون أن آباءهم يسيرون على الطريق الصحيح لاتبعوا نهجه.

- بالرغم من أن رائحة فضائح رموز في السلطة قد زكمت الأنوف فلم تجري أية محاسبة لأي منهم،وعلى سبيل المثال ملفات فساد جميل الطريفي وأبو علاء قريع وروحي فتوح ،فهؤلاء ما زالوا يسرحون ويمرحون كقادة ورجال أعمال والأبناء يراكمون الثروات التي سرقها الاباء ويجدوا في مواقع أبائهم ونفوذهم الرسمي والمعنوي سندا في ذلك.وفضيحة أموال المشاركين في تجارة الانفاق في قطاع غزة والتي تضرر منها آلاف العائلات ما زالت عالقة  وتضرب حركة حماس ستارا من الكتمان حول الموضوع ويقال إن قادة في حماس ليسوا بعيدين عن الفضيحة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،بالإضافة إلى السرية التي تحيط بمصادر تمويل حركة حماس وحكومتها.

- يوجد ما يمكن اعتباره رشوة جماعية للشعب :الدول المانحة من خلال الرواتب والمشاريع ،وكالة الغوث ،المنظمات الأهلية ،الدول الإقليمية والعربية من خلال الأموال التي تقدمها مباشرة للسلطة أو غير مباشرة للتنظيمات ،جماعات الإسلام السياسي عبر العالم  الخ،كل ذلك جعل أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يتقاضى راتبا أو ما يوازيه من المساعدات وهو جالس في بيته ،وهذا خلق مجتمعا غير منتج وبالتالي مرتبطا بهذه الجهات الخارجية ،وبالتالي غير متحمس لتغيير الحال ما دامت نخبه وأحزابه غير معنية باستنهاض الحالة الوطنية .

- جريمة المفاوضين الفلسطينيين لا تقل عن جريمة إسرائيل في موضوع الاستيطان لأنه لا يُعقل أن يستمر المفاوضون الفلسطينيون بالتفاوض حول موضوع الاستيطان لمدة ثمانية عشر عاما فيما الاستيطان يتواصل بتسارع وفيما يوجد مرجعية دولية تقول بعدم شرعية الاستيطان في الأراضي المحتلة؟ والأخطر من ذلك أن نفس الفريق المفاوض وكبير المفاوضين يترقى تنظيميا ووظيفيا ويتهيأ لقيادة ماراتون مفاوضات جديدة تحت عنوان إعلان تجسيد قيام الدولة!.فهل الذين يفشلون في إنجاز المهام الأصغر يمكنهم إنجاز المهام الأكبر؟.

- لم يعد حل السلطة قرارا فلسطينيا خالصا بالرغم من أنها  تأسست شكليا بقرار من المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية،فحيث إن السلطة باتت تخدم إسرائيل وتحضا بقبول الرباعية فهذه الإطراف مستعدة لضمان استمرارية السلطة  ضدا عن إرادة  منظمة التحرير .أيضا المصالحة بالمفهوم المتداول لم تعد خاضعة لشرط فلسطيني داخلي بل تحتاج لتوافقات أو مصالحات عربية وإسلامية وقبول إسرائيلي،كما من الصعب الفصل بين الانتخابات والمصالحة والتسوية.

-  إذا كانت حركة حماس والجهاد الإسلامي تمثلان تيارا إسلاميا مرتبطا بالإسلام السياسي الخارجي ،فلماذا لا تتوحد القوى الوطنية في إطار واحد لمواجهة هذا التيار الأصولي؟ لماذا لا يعيد التيار الوطني بكل فصائله بناء منظمة التحرير ثم يطلب من حماس و الجهاد  المشاركة أو يواجهونها كجبهة متحدة؟

- ندرك الحالة المتردية لمنظمة التحرير مؤسسات وشخصيات وبالتالي لا ندافع عن واقع المنظمة  بل عن صفتها المعنوية والسياسية حيث من خلالها يعترف العالم بالشعب الفلسطيني وبقضيته السياسية ومن خلالها يتواجد تمثيل الشعب الفلسطيني في كل المنظمات والمحافل الدولية، لو انتهت المنظمة أو شكل الفلسطينيون هيئة جديدة سيحتاج الأمر لجهود مضنية حتى تكتسب اعترافا دوليا وقد لا يحدث ذلك في ظل واقع النظام الدولي الجديد،وعليه سيكون من الأفضل الحفاظ على المنظمة  مع  تطويرها  وتوسيعها لتستوعب كل القوى السياسية ،وفي داخلها يمكن تجديد المشروع الوطني .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1338 الاثنين 08/03/2010)

 

 

في المثقف اليوم