قضايا وآراء

الكتابة والكتـّاب.. (ن والقلم) وما بعدهما

وبما ان المفردة تأمر بالقراءة فهي تستبطن وجود الكتابة واتقانها والا كيف سنقرأ؟ لذا جاء قسم الله تعالى بالقلم في قوله: (ن والقلم وما يسطرون).

 الكتابة فن يعبر عن فكرة مثلما هو فن الرسم (كلاسيكي وتشكيلي) والنحت وكذا فن الخطابة وربما تعد بعض الاشارات فنا تعبيريا عن مفاهيم ومقاصد مطلوبة. فهي اذن تعتني بايصال فكرة ما الى المتلقي، والفكرة مرة تتقوم بصيغة مقالة او عمود صغير في صفحة جريدة وربما تتعمق في كتاب كبير او سفر موسوعي حسب نوع وطبيعة الفكرة المستقاة.

في اكتابات النت - المقالات مثلا- لابد من توافر الامور التالية لتكتمل الصورة:

-     اولها اشتراط الهدفية واحترام عقل القارئ دون اهدار وقته.

-     الضبط اللغوي المقبول باسلوب يريح المتلقي دون تعقيدات.

-     تقديم الجديد باعتماد الرقم والدقة دون استطالة وتشعب بما ينأى عن جوهر الموضوع.

-     الاشارة الى الجمل الاقتباسية او الافكار ومصادرها وتوثيقها.

-     المعالجات اللائقة وجر المتلقي الى مناقشات جادة وهادفة.

-     اتباع النهج العقلي في المعالجة بعيدا عن اسلوب المهاترة.

-     الاتزان في معالجة القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية بغرض التوصل الى هدف مشروع.

-     احتساب الوقت ومناسبة مكان الحدث.

    اهم ما تتمتع به المقالة المقروءة ابتعدها عن التكرار الممل وعن الزيادة المؤدية الى التشويش والتهالك في الطعن دون مبرر. وان لا تمثل اجترارا لكلمات اخرين ورتابة مستنسخة كاستنساخ نعجة (دولي) كيما يتوحل الكاتب بزبد الركة التي تنفر المتلقي من اسم الكاتب وكتاباته. فلا بد من الابداع واستخدام البيان في تكوين صياغات جديدة تجتذب القراء وتأملهم الى افكار جديدة جادة. وقيل: ان من البيان لسحراً.

 اما الفكر فليس حكرا على كاتب او مجموعة، بل هو تجاذبات تستنفر مكامن العقلية التي يقرأها الحال في جدليات روحها الاخذ والعطاء. وافضل الكتـّاب الصاغي الى انتقاد الاخر الموضوعي بتخادم يحقق هدف الفكرة. اذ سيكون للكلمة بالغ الاثر في محيط المتلقي فرب كلمة خير من كتاب. ومن مقومات الكتابة الانفتاح على فكر الاخر ومحاورته باسلوب المجادلة التي حث القرآن الكريم على انتهاجها "وجادلهم بالتي هي احسن" و " قل هذه سبيلي ادعو الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني".

 ما انفكت الكتابة عن الانسان يوما، هناك نظرية تقدمها على الرسوم والنقوش التي وجدت في بعض الحفريات التأريخية او على جدران الكهوف الاثرية التي تعود الى نشوء الانسان وتطور فكره. بينتها الاثار المستخرجة من بواطن أرض اثينا وروما وافريقا ووادي النيل وبلاد ما بين النهرين حيث الحضارة الاكدية والسومرية والبابلية. وما مسلة حمورابي وقوانينه الا الدليل الأوكد على رقي الحضارة وتجذيرها بالكتابة.

 هذا غير ما وجد في الكتب السماوية التي تعود الى مراتب تحول الانسانية كصحف ابراهيم وزبور داود وصحف موسى وانجيل المسيح والقرآن الخالد. كلها تحث العقل على التدوين والكتابة واستكشاف خفايا الكون عبر القلم. (ن والقلم وما يسطرون) لها فضل كبير في حفظ علوم الانسان واستنباطاته واكتشافاته ولولا الكتابة والتدوين ما وصلنا شيء من ابداعات الاولين وحضارات الاجداد. لذا ورد في الحديث الشريف: (قيدوا العلم بالكتابة) والعلم هنا مفهومه شامل.

 خريف ملبورن2010

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1381 الاربعاء 21/04/2010)

 

في المثقف اليوم