قضايا وآراء

الشيخ أحمد الوائلي كوكب يأبى الأفول / مصطفى كامل الكاظمي

المعلم الفذ الذي نهل منه خطباء المنبر ودانت له فضائل الصدح بالاء وايات وكرامات اهل البيت عليهم السلام. ذاك هو  العلامة الشيخ احمد الوائلي الذي نذر عمره في خدمة قضايا ائمة اهل البيت عليهم السلام والتنقل بمدرستهم عبر اجيال وامصار تطارده يد الشؤم والغدر العفلقية الصدامية من بلد الى اخر لتخطفه عن اداء رسالته التي ما انفك يصرخ بها وينادي عاليا دون ملل ودون خشية من سيف البغي والتفرعن.

سبعة عقود ونصف من عمره الشريف قضى خمسة عقود منها في مهمته التبليغية في الوعظ والارشاد وبيان مظلومية ائمة اهل البيت المقدسين من على منابر المسلمين وهو بهذا انما اعطى الدروس لمن عرفه وسعى الى السير في منهجه المنبري بعد ان نشر مفاهيم المذهب وشدد على اسسه في الساحة الاسلامية حتى رقى بالدليل القاطع يقصف به المشككين والمخالفين ولطالما سمعناه يتصدى لاي صادر وقانون ينتج حتى من سلطة صدام إحصين الخاشم. واتذكر يوما من ايام محاضراته في جامع الهاشمي بمدينة الكاظمية المقدسة بدايات سبعينات القرن الماضي انه واجه القانون الذي اصدرته السلطة الغبية في بغداد بخصوص الزواج من الثانية. فعرج الشيخ الوائلي رحمه الله يذكر قصة الامام الجواد من ابنة خليفة بني العباس المأمون حينما استشاطت بزواج الامام عليه السلام من ثانية فذهبت الى ابيها المأمون تشكو اليه زواج الامام عليه السلام. فقال لها ابوها: بنيتي ردي الى بيت زوجك فلا طاقة لي على رد قانون السماء.!

وكثيرة هي القصص والمواقف التي مارسها فقيدنا الشيخ الوائلي حيال السلطة وحيال الظلم وخاصة ما يتقاطع ويتعاكس مع اوامر الله تعالى ومع سنة نبيه الاقدس واله الائمة المعصومين عليهم السلام.

من هنا يفجعنا الالم ونحن في ذكرى هذا العلم الاسلامي الرسالي والخطيب المنبري اللامع والاديب االفطحل وبكل ما عاناه وتحمله من اجل خلاص الانسان وسعادة المسلمين واستنهاض هممهم للتمسك بحبل الله المتين وسبيله القويم، وكذا خدمته للعراق والعراقيين ومد يده الحنون الى فقرائهم ومعوزيهم بما قدر عليه رحمه الله، كما لا ننسى خدماته الجليلة للفن الخطابي والادب العربي وللكلمة الحرة النبيلة. ومع هذا وبعد مرور سبعة اعوام على رحيله الى جوار ربه لم نر ولم نسمع الى نتفا من هنا وهناك تؤبنه او تسعى لاستشراف فكره نشر عطائه الذي كنا نعتقد انه ستوقد شمعة اجلالا لهذا الفقيد في كل بيت من بيوت المؤمنين والوطنيين والادباء والشعراء والمثقفين خاصة العراقيين. نعم هناك من ابنه ومن ذكره لكنه اقل القليل بما لا يتناسب مع بيت شعر واحد قاله الشيخ الفقيد في العراق وفي اهل البيت وظلامات العراق وائمته الاقدسين.

مثلي لا يؤبن مثله ولا ارقى الى تناول زفرة زفرها الوائلي أسى على مصاب العراقيين.. ولله دره وهو يتلظى حسرة على ابتعاده القسري عن العراق فيهدر في قصيدة يصف فيها مرارة فراق العراق والائمة الاطهار:

حَيَيـْتُ نهجـكَ واضحا وضّاءا ... حَيَـيَـتُ فيك عـقـيدة ً وولاءا

ومعـاقِـدَ الشرف ِ الرفيع ِتحوزهُ ... من آل أحمدَ عانقَ الجوزاءا

وفطمتَ نفسكَ أن تميل لغيرهم ... نهجا ً وأفنيتَ الحياة َعطاءا

عشــرون عاما ً والفراقُ عـلاقِـمٌ ... بين الضلوع ِ يُسممُ الاعضاءا

عشـرون عـاما ً والحنين ُ يلفـُّهُ ... نحـو العـراق ِ صبـابة ً وبكاءا

عشرون عاما ً تنقضي ساعاتها ... والحلمُ ما برحَ العُيُونَ وفاءا

يرنو الى صوبِ العراق ِ مُعاودا ً... في كل حيـن ٍ يلعــنُ الارزاءا

ماذا جنى حتى يُشـرّدَ هائمـا ً ... يطوي الدروب مشقة ً وعَـناءا

ألأنهُ لم يَطـْر ِ طاغوت العراق ِ ... وحكمـهُ حتى يُســـامَ بــلاءا

تبا ً لها الايامُ تـُعـطي سخيّة ً ... عـلــجَ الخـنا وتمنـعُ اللقطاءا

بابي وامي يا حسـينُ الا ترى ... ها انت تكسو المادحينَ بهـاءا

فالمـادحــــــونَ مُتـَبَّـرٌ اعمالـُهم ... لم يصبحـوا أبدا ً بهِ سُعـداءا

لكنمـــا مَــدْح ُ الرســـول وآلــه ... فضلُ الإله ِِ يتوّج ُ الشـُعـراءا

 

اما اخر قصيدة كتبها الوائلي الفقيد وهو على فراش الموت:

أيهـا الرملـة التـي حضـنـت جسـم حسـيـنٍ ولَفَّعَـتْـهُ رِداءَ

بلّغـي عنـي السـلام حسيـنـا واحملينـي استغـاثـةً ونــداءَ

واسكبينـي دمعـاً علـى رَملَـكِ الأسمـر يجـري محبّـة وولاء

وامزجيـنـي بـآهـةٍ نَفَثَتْـهـا زينـبُ يـوم قـاسـت الأرزاء

وبآهـاتِ نسـوةٍ مـنـذ يــوم الطّـف لـلآنَ ألهبَـتْ كربـلاء

خَبِّريهِ بأننـي لـم أَعُـدْ أقـوى علـى حـمـل مــا أَرَدتُ أداء

لَـمْ أَعُـدْ ذلـك النعيـت الـذي يحمـل ذكـراه لوعـة وشجـاء

ويناغـي بـوجـدهِ ساجـعـاتٍ كَـمْ حملـنَ الحنيـنَ والأصـداء

وأواسـي بـه النَّبـي وأشجـي لعـلـيٍّ وأُسْـعِـدُ الـزّهــراء

عشرات السنيـن وهـو بثغـري نَغَـمٌ عــاش يَسْحَـرالأجـواء

نَغَمٌ يحمـل البطولـة والأمجـاد فـي كـل مهـدهـا والـفـداء

ويحـثُّ الدنيـا لتـزرعَ أغلـى تضحـيـاتٍ وتَـحْـصُـدُ الآلآء

رَغْمَ أنَّ المُصاب شـيءٌ يفـوق الوصفَ وَقْعَاً ويُعْجِزَ الإحصـاء

وسِمَـار السَـرَّاء لا تَتَأتَّـى دون أن يحتسـي الفتـي الـضَـرَّاء

سيـدي إننـي إلـيـك انتـمـاءٌ ولـو أنِّـي لا أبلـغ الإنتـمـاء

وطموحات الطين والحمأ المسنونِ هيـهـات تبـلـغُ الـجـوزاء

بـكـم وأُمَـنِّـي النّـفـس أن تسعـد المُـنـى الإدِّعــاء

فأعدني إلـى رحابـك يـا مـن يحمـل النُبـل كلّـه والـوفـاء

واسـأل الله يـا دمــاً بــارك الأرض وأَرْضَى بما توخَّى السّماء

سَلْهُ دفع السِّقـام عنـي بلُطْـفٍ منه عَمَّ الدنيـا ، ويُشْفـي الـدَّاء

فَـيَـداهُ مبسوطـتـان لمثـلـي يُنفق الفضل فيهما كيـف يشـاء

يا حُسيناً يـا مـن شَـدَوْتُ بـه صُبْحاً ، وناجيته بوجـدي مسـاء

لَـكَ منّـي رسالـة مـن أنيـنٍ في تضاعيفـه سَكَبْـتُ الرّجـاء

أَتَقَـرَّى بهـا جِــداك مُلِـحَّـا وأُرَجِّي مـن الحضـور الدُّعـاء

وأنادي يا من كسبـت الضحايـا سُلَّـمَ المجـد ســادةً شُـهـداء

إنّ أجواءنـا ظَـلامٌ ، فَعَلِّمْـنـا بـأنْ نُسْـرِجَ الدِّمـاء ضـيـاء

وتقبّـل منّـا مـواسـم قـامـت لتواسـي الأئـمـةَ الأصفـيـاء

وأعِدْنـا للصّاعـدات وألهِمـنـا بـأَنْ نَحْمِـلَ الحسيـنَ لِــواء

 

وهذه قصيدة من روائع السيد حسين الشامي يرثي بها الشيخ احمد الوائلي:

عنق يحمل الحسين وساما        وصدى في ربى الطفوف ترامى

وحداء كأن فيه سيوفا                  مزقت غمدها وسالت حماما

وموواويل باكيات حزانى               حملت وجه زينب واليتامى

ايه يا احمد الطفوف وفي عينيك        برق يغري الصقور انتقاما

ايه يا احمد الصفات والفخر          ان ترى (وائل) بك الاقداما

ماعرفت الرجوع يوما وملت           خطواتك الوثابتان الاماما

فهنيئا لك الولاء وصوت                      كلما رن بدد الاوهاما

وهنيئا لك الخلود وذكر                      سوف يمتد عاما فعاما

 

فالسلام ثم السلام عليك ابا علي يا شيخ الخطباء وخطيب المنابر  يوم ولدت ويوم رحلت الى بارئك ويوم تبعث حيا.

الكاظمي- 13 تموز2010 ملبورن

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1457 الاربعاء 14/07/2010)

 

في المثقف اليوم