قضايا وآراء

وساطة نفسية لحل الازمة السياسية / قاسم حسين صالح

وما يبرر مقترحي هذا ان السبب الرئيس لعدم اتفاق القادة السياسيين العراقيين على تشكيل الحكومة يعود الى أن عددا منهم تتحكم به سيكولوجيا الاسقاط وهواجس من صنف البرانويا السياسية، لأن من طبيعة هاتين العمليتين النفسيتين أن ينتج عنهما في اوقات الأزمة تضخيم الجانب السلبي للخصم، وايعازات تحذيرية لاشعورية من ترسبات متراكمة لنصف قرن من العنف السياسي، وافكار خاطئة تتحول الى اوهام تجعل السياسي يرتاب في نوايا منافسه، ينجم عن تفاعلها حالة من التشوش الفكري وضعف في آلية التفكير المنطقي تحول دون اتخاذهم قرارا" يريح الناس وينهي الأزمة. فالمواطن العراقي صار، بعد أن صدمته الخيبة والشعور بالخذلان، مقتنعا بأن الكتل الفائزة في الانتخابات ليست أحزابا سياسية بقدر ماهي تجمعات طائفية أو عرقية أو عشائرية تسعى الى أن تكون لها اليد العليا في السلطة..وأن مناداتها بالشراكة الوطنية خدعة أو قناع يخفي خلفه نوايا مبيتة لاقصاء الآخر والاستفراد بالسلطة.وواقع الحال ان غياب وجود دولة هو الذي شجّع هذه الكتل على عدم الاتفاق وهو الذي مكنّها عمليا من الغاء دور الدستور بوصفه المرجع في العملية السياسية، كما يرى المحلل السياسي محمد عبد الجبار الشبوط، ..فراحت كل كتلة تلوي ذراعه من المسكة الرخوة فيه.

والذي حصل نفسيا ان أعضاء هذه الكتل تشرنقوا وصاروا، ذهنيا، مثل عاملات النحل.. يدورون حول أفكارهم.وحال كهذا يؤدي الى العصاب المرضي الذي يجبر الكتلة على ان تكون حرونا الى أن يتهددها خطر أكيد..وقد يتمكن منها هذا العصاب ويدفعها قسرا باتجاه المجازفة. وشاهد على ذلك، دكتاتور العراق السابق..ولا فرق بين دكتاتور وديمقراطي، داخل او خارج السلطة، يسعى الى التمسك أو التفرّد بها ويدرك انه سينجم عن موقفه هذا حرب أهلية مثلا. ويبدو أن تاريخنا نحن العراقيين، شكّل فهمنا للقائد السياسي بأنه الذي يبقى في المنصب، وزودناه بتغذية راجعة أن يتصرف هكذا!، فيما البطولة السياسية تكون احيانا أصدق وأروع وأبقى في قلوب الناس حين يتخلى القائد السياسي عن منصبه اذا كان في تخليه هذا حلّ لأزمة تنذر بكارثة..وهذا ما لم يجد به تاريخنا، وقد تلد هذه الأزمة بطلا من هذا النوع!.

ان ما يجمع بين القادة السياسيين العراقيين هو اكثر مما يفرّق، وان لدى كثيرين منهم نوايا صادقة ومخلصة في خدمة العراق والعراقيين..ولكنهم بحاجة الى وسطاء غير مسيسين، افضلهم أطباء نفسانيون وخبراء في علم النفس متخصصون في ادارة الصراع وسيكولوجيا الاقناع، يلتقون بهم في جلسات حوار صريح ومنفتح يوصل الى (ترهيم) مفتاح يفك ّقفل الأزمة. وعليه فنحن نبدي استعدادنا للقيام بهذه المهمة بفريق من الأطباء النفسانيين وخبراء في علم النفس السياسي، للكشف عن فهم كل كتلة لطبيعة الصراع مع الكتلة الأخرى، فالمشكلة ليست في الصراع نفسه بل في طريقة ادراكه وكيفية التعامل معه. ومعرفة ما لديهم من مخاوف مبالغ فيها، وأوهام عدائية متبادلة، ودوافع تسلطية خفية، وافكار غير عقلانية من قبيل ادعاء كل كتلة بأنها الممثلة لاغلبية الشعب العراقي وأنها الأفضل في خدمته. ومعالجة ذلك بطريقة تخرجهم من تخندقهم وتجنبهم والبلاد ثلاثة حلول كارثية لحل الأزمة: تدويل القضية العراقية، أو الحرب الأهلية، أو اعادة الانتخابات.

 

أ.د. قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1508 الاثنين 06/09/2010)

 

 

في المثقف اليوم