قضايا وآراء

"العار".. وأكل المال الحرام / قاسم حسين صالح

 وبرغم انه لا يصح مقارنته بعملين كبيرين هما المسلسل الضخم "كليوباترا" و"ملكة في المنفى-نازلي زوج الملك فؤاد" كونهما عملين تاريخيين فيما "العار" دراما اجتماعية عن اشخاص افتراضيين يعيشون بيننا في الحاضر، الا أنه شدّ المشاهدين اليه ليس فقط لروعة الأخراج وجمال الأداء وحسن اختيار الأدوار "المفصّلة" على أصحابها.. بل لسبب سيكولوجي خفي هو أن الناس وجدوا فيه ما يشفي غليلهم!.

ذلك ان فكرة المسلسل تقوم على ان العقوبة الآلهية تطال من يأكل المال الحرام مهما اعتقد صاحبه أنه سيستمتع به الى الأبد. وأن العقوبة ليست تقليدية، كالسجن مثلا، بل نفسية تجعله يعيش شقيا وتبتليه بأعز ما يملك في الدنيا..مع أن الأولاد الثلاثة الذين طالتهم العقوبة، ما كانوا هم الذين أخذوا المال الحرام، بل ورثوه عن أبيهم، ومع ذلك فان العقاب طالهم لأنهم تصرفوا بمال كانوا يعلمون أنه حرام!.

والمسلسل يتناول ظاهرة مشينة شاعت في مجتمعاتنا العربية هي الفساد المالي. فبحسب تقارير الشفافية الدولية فان سبع دول عربية احتلت مراتب متقدمة بقائمة الفساد بينها الصومال والعراق.

والمفارقة، ان واقع الحال يشير الى أن الفاسدين نهبوا المال الحرام واستمتعوا به..ولم تنلهم العقوبة الآلهية.ولك في مجتمعنا العراقي اكثر من شاهد. فـ"الحواسم"، وهي تسمية أطلقت على الذين نهبوا البنوك يوم التغيير "9نيسان2003"وبعيده..نطوا من الحضيض الى "القمّة"..فبنوا عمارات في بغداد واشتروا "الفلل" في عواصم عربية..وما سمعنا بعمارة انهارت على رأس صاحبها، ولا "فلّه" في بيروت، مثلا، احترقت بـ"حاسم"عراقي اشتراها بمال منهوب، ولا بلغنا- لحد الآن- نبأ احتراق وزير عراقي بطائرته الخاصة التي اشتراها بمال سرقه وهرب!.

 ولأنهم ظلوا طلقاء..مستمتعين بالحياة، فيما الفقراء والذين يشعرون بالحيف زاد شقاؤهم، فان مسلسل "العار" شدّهم اليه لأنهم وجدوا فيه ما يتمنون أن يحصل للفاسدين، سيما الحيتان منهم الذين ما زالوا يسبحون ويبلعون!.

 والتساؤل المشروع : لماذا شاع الفساد في زماننا ونحن مجتمعات عربية نوصف بالكرم! والأمانة، واسلامية يعدّ دينها بكبّ آكلي المال الحرام على وجوههم في جهنم؟

 ومع أن لديكم أكثر من جواب فان له عندي جوابان، الأول : ان الفعل السيء يقوم به في البدء أفراد قليلون، فان سلموا العقوبة..تحول الى ظاهرة..وأحد أخطر أسبابه انه نشأت في الأنظمة العربية، خاصة في العراق بعد عام 2004، فئة سياسية وضعت نفسها فوق القانون. وقد لا يكون أشخاصها من الفاسدين، لكن المنافقين والوصوليّن ومعدومي الضمير عرفوا من أين تؤكل الكتف بأن أقاموا معها علاقة واحتموا بها..فصاروا فاسدين.

 والثاني: ان زمان آبائنا كانت فيه الأخلاق عالية والالتزام الديني قويا، لوجود أربع مؤسسات محترمة تربّى الناس عليها أيام كانت غير مسيسة :البيت والمدرسة والجامع والديوان، فيما انتشرت الآن وسائل الموبقات التي تشيع الفاحشة وتشجع على ارتكاب الحرام..بدءا من القنوات الفضائية الاباحية وانتهاءا بالانترنت والموبايل. فضلا عن طامة كبرى، هي أن القدوة، لاسيما من اصحاب اللحى والعمائم الذي كان مثالا للنزاهة والتقوى، صارت تعلكه الألسن بالفساد واغتصاب أملاك الناس .ومن يحاط بمثل هذا، فمن أين يأتيه التفكير بالعقوبة الآلهية اذا ارتكب فاحشة، ومن أين يتشكّل لديه "الضمير" الذي يريه أن العار..في أكل المال الحرام!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1521 الاحد 19/09/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم