قضايا وآراء

رفقا بالضمير .. أيها السادة / قاسم حسين صالح

 لأن صاحبه يصبح بلا قيم ولا أخلاق.

وانعدام الضمير على أنواع. ففي نهاية الثمانينيات التقيت فتاة تمارس البغاء، ولا تسيئوا الظن، فاللقاء كان علميا لأول دراسة في العراق حجم عينتها  78 بغيا وقوادة. كانت جميلة جدا، ورشيقة جدا. آلمتني فسألتها معاتبا: لماذا تسلكين هذا الطريق ؟ فأجابت محتجة: ولماذا تحاسبوننا؟ انها مهنة حالها حال أي مهنة أخرى!..أي أنها ساوت بين مهنتها ومهنة الطبيب والصحافي وحتى القاضي!.ولما بحثت عن أسباب ذلك وجدت أن هذه الفتاة ولدت في بيت (الناس فيه طابه طالعه).هذا يعني أن الضمير أشبه بالأسنفجه..يمتص السائل الذي توضع فيه ..ويعني أن الأسرة هي أول مصادر تشكيل الضمير ..وأهمها.

ونوع آخر من انعدام الضمير، أنني التقيت رئيس عصابة في منتصف التسعينيات، ايضا في دراسة علمية..اشتهرت في حينها بسرقة السيارات السوبر وقتل أصحابها. كان شابا صاحب موبليات ، يعني أنه لم يكن محتاجاً في زمن الحصار الذي تراجعت فيه مكانة الأستاذ الجامعي من رتبته الرابعة في سلّم المكانة الأقتصادية الى الرابعة والعشرين بعد مصلّح الراديو والتلفزيون!. كان هذا قد قتل ستة أشخاص وسلب منهم سياراتهم السوبر، فسألته عن شعوره بعد قيامه بعملية قتل، فأجابني ببرودة أعصاب: عادي!. وسألته: لو أنهم ألبسوك البدلة الحمراء وأخذوك الى الاعدام، فعلى ماذا ستندم ؟ أجابني: أندم لأنني لم أقتل أكثر!.ولما بحثت عن أسباب ذلك وجدت أنه تربّى في بيت ،الأب فيه طاغية..تعامل معه بقسوة وتحقير..فضلا عن أنه (الأب) كان مدمنا على الكحول.

وكنت التقيت في التسعينيات بسجن (أبو غريب) مجموعة من مرتكبي سرقة السيارات ،ولمّا سألتهم :ماذا ستعملون لو صدر عفو وأطلق سراحكم؟..فأجاب أربعة منهم: سنسرق أول سيارة نراها في الشارع. وهذا يعني أن الدولة أو الحكومة شريك في افساد الضمير حين لا توفر مصدر رزق شريف لرعيتها.

ومع بشاعة هذه الأنواع من الضمائر الميتة، فأن أقبحها هو خيانة الأمانة حين تكون هذه الأمانة تخص الناس. فعضو البرلمان مثلا، او المحافظ، أو المدير العام، مؤتمن على أموال الناس ومصالحهم، وينبغي أن يكون ضميره خالصا لمن أئتمنوه . لكنك ترى صحفنا اليومية فيها كاريكاتورات ساخرة بمرارة عن وزير هرب بأموال الناس المساكين بما يعادل ميزانية موريتانيا، وموظف كبير يستحرم أخذ الرشوة في الدائرة لأنه صائم، ويطلب من الراشي ان يأتيه بالدبس الى بيته بعد الافطار! . ولك في ما تقوله الناس والصحافة عن أمثال هؤلاء ما يجعلك تظن أن كثيرا من المسؤولين في الحكومة هم أصحاب ضمائر ميتة.. فتستعيذ بالله وتدفعها بقولك: ان بعض الظن إثم.

انك قد تعذر انسانا بسيطا. مضنوكا ان يكون بلا ضمير.. لكن أن يكون موظفاً كبيراً ورازقته الحكومة وصاحب شهادة جامعية..ويكون ضميره ميتا ، فهذا مخجل وعار وقبيح. والأقبح منها أنه يبررها لك قائلا : وليش هو ظل واحد ما يسرق او يرتشي. والأوقح من كل ذلك أنه يخرّجها لك بحيل شرعية قائلا لك، وهو يستغفر ربّه بسبحته: الضرورات تبيح المحظورات أخي!.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1541 الاحد 10/10/2010)

 

 

في المثقف اليوم