قضايا وآراء

إدراك الفضاء النصي: ما وراء القص الكنائي عند خوان كارلوس أونيتي

احدث قطعية مع التناغم الوحدوي إلى القناعة بان وضع الحكاية على الورق أمر مزعج، إذ تعد افتقادا لحياة لا تعدو كونها افتراضية، خداعا ممكن، عذابات هزيلة، أمرا متكلف وكينونات بليدة فاترة الهمة. هذا الانتباه إلى صناعة النص هو الذي قاد النقاد دون أدنى شك إلى النظر إلى اونيتي ليس بوصفه مجددا حداثيا في الرواية الأمريكية اللاتينية فحسب، بل وبدلالات أهم كونه منظرا لما وراء القص الذي ابتدع نظريه في القص من خلال تطبيق القص (باتريشيا واو).

إن تحليل أربعة من أعماله المنخبة من بين قصصه ورواياته سيساعدنا على فهم مركز واضح لتوظيفه تقانة ما وراء القص مستندة إلى سلطة الكناية أو المجاز في إدراك فضاء النص وفي تحقيق التواصل لأي رسائل تتعلق بثنائية الخيال/ الواقع التي ينشدها المؤلف. ان الأعمال: حلم تحقق "(1941)، الوداعات (1954)،فلنترك الحديث للريح (1979)، ثم عندما (1987)، تمايز مذهب اونيتي عن طريق كشفها المختلف في التزام مبدعها بما وراء القصة. كان لمحاولات اونيتي المبكرة منذ العام 1939 سحب الأدب في اوروغواي بعيدا عن الطرز العتيقة و الأساليب والثيمات الضيقة الأفق، الفضل في تحقيق أول قرقعة للهدير المتبجح للرسائل الأدبية الصادر عن أمريكا اللاتينية. إصراره على لغة جديدة لرواية جديدة سبق بعقود الاعترافات المماثلة لاثنين من المدافعين الصاخبين: كارلوس فيونتس و جوس دونوسو. يقول اونيتي: الاعتقاد بان اللغة في (ريفر بليت) هي لغة المؤلفين الأصلية ليس اعتقادا ساذجا فحسب وإنما وخطأ أيضا. أنا لا أتحدث عن ابتذال الروايات المختزلة لحوار الشخصيات فهذا لون محلي لإرضاء سياح لا يأتون. أنا أتحدث عن لغة الكتاّب، عندما لا تولد هذه اللغة آنياً ودون خطأ في تربتها تماما كالفاكهة على أشجارها، فإنها لن تكون أداة جديرة بالتعبير الجامع.

اللغة الكلية أو الجامعة التي أرادها اونيتي لجيله كانت لغة النصوص الفنية، المتولدة لخدمة ابتكار عالم مغاير منفصل" heterocosm" وتعزيز قضية اورتيجا " الفن للفن"، خدعة المرجعية الذاتية للحداثة.

مبتدءا عام 1939 برواية " البئر" الاعترافية: مذكرات متعلقة بالوعي الذاتي لليناسيرو المخرف الكذاب، تعهد اونيتي بفضح عالم خيال الكاتب بوصفه لا يكون حياً إلا بالأخبار، كل عناصر فعل العملية السردية يجب بالتالي أن تحتشد بصخب أمام عيني القارئ، مع ايلاء اهتمام خاص ـ تدعيه قواعد الإنشاء ـ باللغة ذاتها.

إن تركيز اونيتي على الحقيقة الروائية بوصفها بناء لغويا متعاليا يفي برغبته قطع الرواية الأمريكية اللاتينية عن أجيالها السابقة وتشريع أوراق اعتماده مبعوثا لما وراء القص. وبهذا فان ما وراء القص ينشئ معارضة، ليس للحقائق الموضوعية المزعومة ، ولكن للغة الرواية الواقعية التي واصلت وأيدت هذه النظرة للواقع (باتريشيا واو). لضمان أولوية اللغة في بناء العالم النصي، فان اونيتي يضع بالضرورة أجزاؤه ثم يوظفه_أي العالم_ للتقصي والتحقيق،فابتدأ بتأسيس "ما وراء لغة/ لغة انعكاسية" تحولت بوساطتها أمكنته اللفظية إلى مشهد خيالي. ونحن نعترف هنا بحضور مؤثر لقواعد ما وراء اللغة لياكوبسون، التى قام اونيتي بتصدير وتشريع هيمنتها الشعرية.

هنا نعرض لموقف اونيتي في تحديد صيغ ما وراء القص على طول محور الحداثة- ما بعد الحداثة التطوري: السارد عند اونيتي يعي ما حوله من ظروف و يأخذها بعين الاعتبار، بطريقة " التركيز على تطور السارد في الاهتمام الحداثي بالوعي بدلا من الاهتمام ما بعد الحداثي بقضية الخيالية (باتريشيا واو). يجب أن يكون العالم مسرودا في عقل السارد بوصفه ذاكرة، ذكريات من الحركة مثلت بواسطة كائنات مفعمة بالنشاط والحيوية وأيضا بوساطة مخلفات ما قبل ادراكاتها. هذه الشخصيات هي نفسها جزئية ظاهرياً، محددة من خلال إغفالها... أنها تجتاز الأوهام والخيالات التي تومض داخل وخارج الوجود كشخوص الحلم (هارس و دوهمان 184). مزيداً من التركيز على ولاء اونيتي لما وراء القص يظهر في قوله: في النهاية لا يوجد واقع بل وعي، والوعي يمكن تخيله كصانع لا يمل التراكيب الشعرية، كمخترع لخيالية لا متناهية.. أو إذا رغبت. كإحداث خيالية تتحكم ببيانات التجربة ، تجعل العالم حقيقة.. الملخص الضمني في النهاية.... هو أن: الرواية هي واقعنا.

 إذن فالرواية التي هي واقع اونيتي هي مشروع، تجميع مواد، مسودة، مادة خام للتكرير فيما بعد، رواية سوف تقود لرواية، تستبق الخاتمة، نهاية مطلقة. وكما لاحظ هارس و دوهمان:" اهتمام اونيتي بالوصول إلى حقيقة اقل من اهتمامه بالحقيقة ,لذا فانه  يعزل مكوناتها  الاساسية وبدائلها، التي من المرجح أن تولد عددا من الأكاذيب يساوي عدد الحقائق.

يخلق الافتقار إلى الأسماء المتماسكة والمرجعيات المحلية، وندرة الأسماء الصحيحة و الكنايات، انطباعا بفضاء التقمص، الذاكرات المضجرة والجزئية، السيماءيات الشبحية أو الطيفية، لذلك فان كل روايات اونيتي تترك القارئ في ضياع، ذلك انه لا يخبرنا بكل الحكاية على الإطلاق". (الوداعات).

في ما وراء اللغة التي يوظفها اونيتي فان المجاز المتصل والكناية هي التي تضيء العملية حيث يتخيل المؤلف الرواية بوصفها ذكريات متصلة، والتي لا بد أن تحيا في عالم نصي مستقل وتلقائي هو ما نقترحه على القارئ. ما وراء القص عند اونيتي ـ مشروع أو وعي ـ يجيد توظيف " تلك الخاصية حيث يقال شيء ويقصد شيء آخر ملامس له، والكناية هي الوسيلة التي تمكننا من فعل ذلك (Tambling 46). ولان اونيتي يقدر ويتقن التجريب ـ وعد بالمغامرة ـ فإننا سنواجه نهايات محتملة متعددة لسرد واحد، ازدواجية جدلية، ومآزق بلا انحلالات، انه يتقدم نحو القضية الحداثية التي ترى" أن الواقع أو التاريخ افتراضيان، لم يعد العالم حقائق خالدة بل سلسلة من التراكيب والخدع والهياكل الزائلة ( باتريشيا واو ). الكناية هي أداته البارعة في تهذيب الغموض الحداثي لان " لان رموز الفكر ليس لها الكثير لتفعله مع الأسلوب الخارجي، وإنما تتعامل مع الطريقة التي يواصل بها الفكر تحويل الجمل إلى ثنائيات غير متكاملة ـوبمصطلحات دريدا ـ متميزة بالتشتت والاختلاف((Tambling 103. تعامل رومان ياكوبسون مع الكناية في التحليل الأدبي والذي طبقه بصورة خاصة على نثر بوريس باسترناك، يمنحنا خلاصات دلالية لدراسة المجاز المرسل عند اونيتي ، رابطا بذلك أستاذين من أساتذة الحداثة ومشرعا أهمية النقد اللغوي في دراسة ما وراء القصة. مبتدئا بمحصلة ما وراء القص الحقيقي لباسترناك ـ " بينما تربط الأعمال الأصيلة في الفن كل أنواع الأشياء، فإنها في الواقع تنبؤ عن ولادتها الذاتية" ـيحدد رومان ياكوبسون ندرة النثر الحداثي الذي يمكن نسبته إلى لعبة الكناية المسيطرة على العمل في النص:

النبض الأساسي في النثر السردي يرتبط بالتماس، ويتحرك السرد من جسم إلى آخر محاذي له عبر مسارات من الفضاء والزمن أو من السببية، الانتقال من الكل إلى الجزء وبالعكس ليس إلا ضربا خاصا من هذه العملية. كلما زاد تجرد النثر من المحتوى المادي كلما تعاظمت الاستقلالية التي تحققها هذه الترابطات. وبالنسبة للاستعارة فان الخط الأقل مقاومة هو المقطع الشعري أما في حالة الكناية فإنها نثر أزيح أو كبت محتواه الذاتي.

التوافق بين، ياكوبسون و باسترناك و اونيتي، تام إن لم يكن ملهثا ومثيرا. استقلالية ياكوبسون وجدت نظيرها في استقلالية وتلقائية ما وراء القص في عناصر الفن المجمعة في عرض والتي تخضع لفعل القول بلا حدود، القضايا الذاتية الضبابية أو المطموسة تتموضع في بؤرة أسلوب اونيتي الضنين: كل إنشائه،تقاربيته، تستدعي تقييم بورخيس في أن " الأدب في الأساس نحوي". منذ بواكير سردياته القصيرة وحتى آخر قطعة نثرية له " عندما لا نصل" (1993)، كانت هذه هي رؤيته للفن والحياة. سوف تحكى القصة، يصرح اونيتي بسحر بالغ: إلا أن القليل منها فقط سيمنحها حرفية: هذه المواقف، هذه المحطات عبر الفضاء، هذه المشاهد المستدعاة بتجرد. القصة يجب أن تحكى لأجل أن تستمر الحياة في محاكاتها الرديئة للفن.

وعلى الرغم من أن تدشين رواية البئر (1939) كان إعلانا عن مشروع ما وراء القص (الوعي بتبجح، تلمس العلاقة السببية) إلا أن قصة اونيتي القصيرة" حلم تحقق" تنقي فكرة " المغامرة" من البئر إلى هيمنة الفضاء المنجز، لم تكن فعلا يتسم بالتقليد. مشاعر العزلة والتشظي كانت بالذات هي مساهمة رواية " البئر" في التفهم الكنائي لما وراء القص عند اونيتي وهي التي أعطت أعمال اونيتي جوهرها من تلك النقطة فصاعداً. يشير أيان آدمز إلى هاتين الخاصيتين ويسمح لنفسه أن يقول" عند بدء محاولة التواصل يرى "ليناسيرو" غرفته مرة أخرى من منظور جديد عندما ينظر الآن نحو الغرفة كما لو أنها المرة الأولى، لم يعمم ما يراه، بدلا من ذلك يصف الأجزاء المنعزلة، مستبدلا بذلك النظرة الشمولية ".

إن اليقين بالمطلق الحاسم النهائي فد راوغ اونيتي طوال مهنته، ولهذا فإننا في " حلم تحقق" نجد أنفسنا في حضرة صانع – خيال متفاخر يتكئ،بدرجة عالية من التوقع، على قلة متجمعة من العناصر، والممثلين، ومواضيع أحداثهم المتعددة و المتضاربة بعنف. توظيف اونيتي للكناية،لتوصيل القاري إلى عالمه البديل في الخيال، والإيحاء له أن الوجود ابعد من الوصول التجريبي يقطن مجاورا لكلمات هذا النص الأدبي الرقيقة و القابلة للخطأ، له دلائله من السطر الأول. وكما أعلنت الملكة في "الحياة القصيرة "أنه: " عالم مجنون" كتحد للواقع، فان السارد في "حلم تحقق" يطلب منا في البداية أن ندخل الى عالمه الرائق المضيء" نكتة الملك التي اخترعها بلينز" تشير النكتة إلى تلك التي اختلقها الممثل بلينز بحق السارد لانغمان، صاحب العمل المسرحي ، وإفلاسه المالي المزعوم بسبب العرض الفاشل لهاملت. ينصب سوء حظ لانغمان على المتلقين التعساء لكل انتاج يقوم به وليس على عجائبية شكسبير وخروجه عن المألوف. في سياق القصة تحضر امرأة إلى لانغمان وتطلب منه أن يعرض عملا مسرحياً"لحظة، مشهد يمكن أن يقال، ولا شيء يحدث هناك" تحولت المسرحية إلى حلم للمرأة يقول بلينز" الأكثرية في هذا الجنون تقول أن الحلم لا يعني لها شيئا.... قالت ذلك بينما كان نائما وحلم بأنني كنت سعيدا ولكن ليس سعيدا الكلمة بل شيئ من نوع آخر... لذا أريد أن أرى كل شيء من جديد" بعد ان انجز المشهد، وبينما لاحضور للجمهور، تموت المرأة. التابلوه المعروض في المسرح الخالي، هو المسرحية، الحلم الذي ينبثق من الحياة. الموت في نهاية المسرحية، وداخل القصة المحكية على لسان لانغمان، والذي منح حياة على يد اونيتي، هو موت الرواية بعد سردها من جديد. ولكن هل الموت بين طيات الرواية من الرواية يشبه الموت في الحياة؟ المسافة التي يضعها ما وراء القص بين القصة والقارئ ستقودنا الى ان نقول لا، ما وراء القص الكنائي سوف يحفزنا لان نقول أن هذا الموت حقيقي. واقفا على المقاربة الفنية للحياة، مع شيء ما يريد أن يعلمنا إياه يتعلق بالغائية وبالحقيقة المطلقة شيئ لن نتعلمه من الحياة على الإطلاق. وبالطريقة نفسها فان بيراندلو، بشخصياته الست وبحثه عن خالق، يبدع امرأة مبطنة تنشد الخلود في الفن، لهذا فان اونيتي يرسل حالما متزيياً مثخنا بالماسي يخبرنا أن التنهيج قد منحها السعادة ( أو نوعا من المقاربة مرة أخرى). الكناية عند اونيتي تطهر أشياء العالم المادي بعيداً عن النص وتجعلها مناسبة للخيال، وباختصار،بديلا عن الحياة بكل جرأة. الصور البلاغية في هذا النص الانتقادي يفترض تلقائية الفن" أرقام مرور هذه الفترة الحرجة من خلال قصة تحمل استقلالية الفن: "تحت الضوء الرقيق والنقاء، وجه المرأة مشرقاً على جسده ، يتوزع على يد بلا قفازات، مشجب الملابس ، وشيء ما مجاور حدث أن يكون مظلة ، الساعة و سلسلتها أظهرتا نفسيهما من جديد ، متحررتين من تعذيب ضوء النهار.

الحلم الذي تحقق هو ذكريات الفانتازيا الحالمة محشوة في عالم من الأشياء توازنت لتخدم حكيها. السارد يضخ الحياة في الأجزاء وعندئذ نحصل على شيء شبيه بالحياة. تعتبر الوداعات علامة فارقة في إنتاج اونيتي بوصفها عمله الوحيد الذي يحتوي على ما يقارب الظروف الزمكانية الواقعية، تصاعد للحدث بمقدمة ووسط ونهاية، و مرجعيات زمانية مستديمة. هذه الرواية القصيرة مفعمة بالتفاصيل الطبيعية. تحدث في منتجع جبلي حيث الفصول تتغير بوضوح، القطارات والحافلات تعمل بانتظام، وتلويحات الايدي تطفو في الهواء بفتور. وفي الحقيقة فان باقي انتاج اونتي يعرف باتساق من خلال انزياحه الظاهري إلى طائرة ما وراء القص خارج المكان والزمان المتعارف عليهما، عالم الفن، الذي يقودنا إليه التماس الكنائي.

كيف يمكننا إذا أن نصل إلى مصطلحات ما قد يبدو شاذا في الوداعات، تدريب على المحاكاة لم يظهر لنا لا من قبل ولا من بعد الوداعات.

إجابة مترددة ترقد في حقيقة أن، بخلاف نمط اونيتي الذي اعتدناه، لا نجد التنقل البارع من حكي قصة إلى قصة أخرى هنا حتى نهاية الرواية عندها فقط نجد المفاجأة، شحنة وجودية للقارئ: ما هي الحقيقي النهائي الذي يجب أن نعرفه عن الشخصيات؟ ساردي اونيتي الآخرين يزيحون أنفسهم عن طيب خاطر، تأكيداً لثقة القارئ بأن الحكي، وليس الحاكي، هو الأسمى. السارد غير الجدير بالثقة في الوداعات يوطن نفسه في قابلية التنبؤ للسرد الواقعي، منجذبا إلى تقارير تصله من مصدرين هامين للمعلومات: ممرض و خادمة، ويركز انتباه جنوني على موضوع لاعب كرة سلة سابق جاء إلى هذه الضاحية الجبلية ليعيش آخر أيام حياته، ويضفي على السرد كله جاذبية غنية بالأحاسيس. إلا أن اليقين الكنائي لأسلوب اونيتي يبقى متفوقا على كل الاعتبارات الأخرى. لسارد لا يفضح سر تدابيره الخفية ومكائده حتى النهاية. حكي القصي يبقى خاضعا للقصة حتى نهاية العمل ونحن يزداد انبهارنا بالشخصية لاحتماليتها وليس لحضوره الموجه للكشف. ولكن مرة أخرى فان هذه الأجزاء من الحياة سامية. نحن نفهم عالم اونيتي المغاير المنفصل كما نفهم عالمنا بفضل مسارات الوصول الخاصة.

فهم التركيب الكنائي في الوداعات فهما مغايرا بوصفه "ملصقة تجميعية تكعيبية" (مايو178)

وعرض متشظي ( ريتشاردز)، التركيب الروائي للسارد الذي، تشي انتقائيته للتفاصيل ولحظة النهاية، بدرجة عالية من الصناعة البشرية. هذا صحيح في الحقيقة، ولكن بمواصلة التحليل المتعلق بكون اونيتي قاصا ما ورائيا يخلق قصصا متحدة المراكز بتشبيهات وصيغ بلاغية من التخوم. المحاكاة الظاهرية قي الوداعات تنبع من التركيز المتعاظم على التفصيل الكنائي وعلى الأدوات الكنائية: من الكل إلى الجزء وبالعكس، من السبب إلى النتيجة وبالعكس، من العلاقات المكانية إلى العلاقات الزمانية.. فعل بدل الفاعل، حالة المرء أو إحدى علاماته أو سماته المميزة بدلا من المرء نفسه والنتيجة المنطقية لفصل ثم جعل هذه التجريدات موضوعية. ( ياكوبسون). وقد قال ياكوبسون أيضا أن الكنائية قابلة للتطبيق على الرواية الواقعية أكثر من الاستعارة التي تجد لها مسرحا واسعا في الشعر (Tambling 48). وعلى الرغم من أن الكناية موجودة دائما عند اونيتي، إلا أن قوتها الكاملة هنا تعطي انطباعاً بأنها رواية واقعية، بينما في أعمال اونيتي الأخرى فإننا نتوقف قليلا عند الملامح الرئيسية الملامسة لتحديد إيماءتها وعلاقاتها بالحقيقة الروائية. يدل حديث ياكوبسون عن باسترناك، ضمنيا على التناقض الذي يمكن أن ينسحب ليصف التناقض بين الوداعات وبقية أعمال يونيتي " كل الصور تخومية متماسة بجهد إذ كلما انعدمت الألفة وكلما زادت غرابة المجتمع الذي يخلقه الشاعر كلما زاد تفتت الصور المتجاورة بل وكل سلسلة الصور إلى قطع متكسرة وكلما فقدت وضوحها اللفظي حسب الأبجدية المعروفة(312).

صحيح أن ليونة الوداعات تميل إلى منحها هدوءا واستقرارا غائبا عن سرديات اونيتي الأخرى، ولكن في هذا العرض التصوري: منحنا فرصة لتثمين أسلوب اونيتي العبقري في حبك الصور المناسبة بينما تسير الرواية بهدوء إلى الأمام وتتكشف لنا شيئا فشيئاً. عول اونيتي على توظيف المضارع المستمر بقوة في هذه القصة من اجل إحياء عرض التفاصيل بإثارة.

حالات الكينونة والتجربة ترشح وتبدو للعيان في صورة لن تتحول إليها بالمطلق. وقد أشار تامبلنج إلى ذلك حين قال " البنود اللفظية يجب أن تنقى من لفظيتها، يجب تأويلها ضمن سياقها النصي بحيث يمكن أن نوصل الرسالة التي تحملها بطريقة صحيحة. سواء كانت مصادر أو اشتقاقات من أفعال " وكلما قلت فعلية الأفعال في القصيدة كلما زادت قوتها المعجمية هذه القوة التي تتناسب عكسيا مع عدد المصطلحات المختلفة التي يرتبط بها مصطلح ما بحكم العادة( 62). اقتراح التحويل الذي يوفره لنا الاشتقاق يعدنا مرة أخري بتمام البراعة والحذق.

وإذا ما وضعنا جانبا السارد الإشكالي والمخادع و تخميناته المحرّضة لصالح الصورة المخططة للطبيعة، فإننا سنجد احتكاكا واضحا بين عالم الواقع الجوهري وعالم الخيال البديل، نحن نفهم امتياز اونيتي الفني.إن مهارته التي لا تنكر في خلق الجمال، ذو الثبات المتشامخ والسمو، الذي يحي هذا الأسلوب الذاتي الذي يصف عمله قائلا " أكتب من اجل لذة الكتابة الخالصة" (فيراني) التراكم الفاعل للتفاصيل في الوداعات الذي يقترح موت البطل يبني بطريقة مثيرة للمشاعر في الفصليين الأخيرين من الرواية"هل يسمح نص حداثي بذلك؟.

إن الرياضي السابق المريض يشغل هنا منصب "رجل " هبط من معتزله الجبلي لطلب الطعام من السارد، كان قد التقيا عندما كان السارد يصعد الشارع إمام متجره" السماء الباردة زرقاء ورمادية، الرياح التي بدا أنها تخرج من الجبل، ولكنها تتشكل في رؤوس الأشجار على الطريق وتهجم من هناك، مرارا وتكرارا، و كانت في كل خطوة تقريبا تطرح مرارة ومرح "(الوداعات 198)، فيما نحن نقرأ المقطع ، فإننا نواجه التركيب "باردة زرقاء ورمادية" في تأكيد استنكاري ل " التي بدا أنها تخرج من الجبل "، وتجسيد الريح إنسانا في " "مرارة ومرح".

ولكن النص مثقل بملامح التواصل والتماس( "الباردة"، و "الرياح"، " و "الأشجار"، و "الطريق"، و "خطوة"). ممرات ياكوبسون السببية تتضخم أمامنا تساعدنا أن نفهم كيف ترتب لغة الأدب لتستثير الواقع خارج النص وتستثير واقعية ما وراء القص. الرياح الباردة التي تصفع قمم الأشجار تدور حول خطوات السارد، لتضخ الحياة في إنهاك الطبيعة و في الوعي وفي اقتحام الموت للحياة ولكن شيء ما يجب أن يبقى ليمنحنا الاعتبار: الفن.

في اليوم الذي ذهب فيه السارد إلى الكوخ حيث أقدم " الرجل" على الانتحار للتو، علق قائلاً " الهواء منعشا باردا وجافا بلا نباتات " الوداعات 175" هذه لحظة من لحظات اونيتي الكنائية الفخمة. التماس الأول بين " النباتات" هو مع كل الحياة النباتية، أما الهواء فهو مع البيئة البشرية: فنان يصنع خيارات تداولية حين يبدع عمله ويرسلها إلى الخط التلاؤمي للعرض. يعيد القارئ بعد ذلك إبداع عالم الفنان بالقراءة، وبتأويل غرضه ومقصده. بين الإبداع وإعادة الإبداع تسترخي رفعة الفن، والمسحة الفنية للموت التي برزت من خلال تجاور كلمات: الهواء، البارد، الجاف، بلا نبات ، كانت تامة:كل خلق تم تحطيمه في هذا العالم الخيالي أعطي الحياة ابتداء من قبل قارئ برئ يقوده سارد مزدوج.

 روايته " فلنترك الحديث للريح " 1979 مناسبة تماما لدراسة كنائيته في كتاباته الما وراء قصية لسببين مقنعين: حضور قوي للتناص ( كتلة روائية التحمت بكتلة روائية أخرى) ، وسرد متقطع مفكك ذاتي المرجعية ( جزء حاضر من كل متوقع، " رواية بلا أحداث" [Millington 317]) فضلا عن حدوث الإحلال المواقعي " " فان اونيتي سيتخلى عن الذكريات والحنين و التنازل".

" إلى سانتا ماريا في مونتيفيديو.... دعونا نتحدث عن مدينة تسمى ريح الخزامي ونقول برقة نحن في 19 ابريل في مونتيفيديو/ الخزامي".

أدوات الحبكة الكنائية تتمثل بطرق ذات مغزى تمنحنا ارتباك "عدم اليقين " بالشخصيات والأحداث التي تميز نصوص اونيتي الما وراء قصية. وفي بعض العروض النهائية من التجاور المعترف به.

رواية " فلنترك الحديث للريح "، هي الرواية التي يكتشف عدد من شخصياتها إنهم ليسو أناسا حقيقيين بل شخصيات في رواية، ولان إنتاج اونيتي قل في سنواته الأخيرة ـ خصوصا منذ إقامته في اسبانيا عام 1975 يقول فيراني " لقد كتب القليل في منفاه" ـ فيبدو انه كان أكثر استعدادا لاستغلال مخزونه من الشخصيات والظروف الزمكانية، ليس لخدمة سرمدية عالمه المغاير المبتكر " مدينة سانتا ماريا" كما في بواكير أعماله، ولكن في جهد منه لتجميع أجزائها التأسيسية في نوع من المواجهة النهائية.

فكرة التناص التي وظفها اونيتي من أعماله السابقة ليبني هذه الرواية هي الفاعلة بخصوصية في هذه النبوءة الما وراء قصية. الحضور التبعيضي واضح تماما ونزوي. لقد أطلق هيوجو فيراني على " فلنترك الحديث للريح" اللوح الممسوح أو الرق حيث صيغ الذات: معجمية، تراكيبية ، لفظية، وبنيوية.

ربما الأكثر دهشة في الأمر إدراج اونيتي ـ في الفصل السابع الجزء الأول ـ مقطعين من روايته الأولى "البئر" بتغير وحيد فقط حين استبدل "الربع" في البئر ب " ورشة العمل في السوق القديم " في " فلنترك الحديث للريح " وفي الحالتين فان الفنان يذرع المكان جيئة وذهابا بحثاً عن الإلهام.

 لاحظ مارك ميلينجتون أن الفصل السابع و الجزء الأول، " قد نشر بنفس العنوان " فقط 31 في مارس، 1220 ( اب 1964 ) وقد ضمنت في الأعمال الكاملة ( كاراكاس: مونتي افيلا 1968).

اما فيراني فقد اكتشف أيضا أن مقطعين من " الحياة القصيرة " و"جامع الجثث " موجودين في هذه الرواية. فضلا عن أن الريح التي يترقبها ميدينا في نهاية هذه الرواية " الوصول الهادر إلى سانت روزا"، وسانت روزا بعاصفته" تعيد إلى ذاكرتنا ريح ماكوندوز المدمرة في نهاية رواية غارسيا ماركيز مائة عام من العزلة. في

تلميح إلى بطريرك آخر للرواية الجديدة في أمريكا اللاتينية. باختصار، هذا الاعتماد على أجزاء من النصوص السابقة هو إذعان متعال لعالم اونيتي الروائي. سانتا ماريا، الخزامى ، مستعمرة للمزارعين السويسريين، ومنتجع جبلي، مجرد خشبة في مسرح فارغ، مكان عليل للفصل الأول من "فلنترك الحديث للريح ": هذه المواقع تقترح على القارئ أن حياة الخيال تستحق الاهتمام لأنها كلية الوجود مثلما هو الحال في الحياة الأخرى، كما أنها غير مكتملة مثلها تماما..

 الذي يجمعة السرد الموجود في "فلنترك الحديث للريح" هو فصول غير مترابطة، وحتى لو عرضت بتماسك مراوغ فإنها لا تستطيع أن تتحدث بحقيقة أحادية إلا أن ما وراء القص عند اونيتي يسود بسلطة ظاهرة. في الفصل الخامس الجزء الثاني فان السارد ميدينا يربط أجزاء الروايات:

" أريد أخا، جامع جثث مثلي، شخص قد هرب من سانت ماريا بلا إذن من بروسن سانتا ماريا، بروسن والقرف من كل شيء يسيل منها " حقق مادينا استقلالا عن بروسن المؤذي إلا أن الآلهة المتجسدين كانوا في كل مكان". لارسن الذي عاد إلى الحياة و كان الاسوء في موته المحاكى مع: "رائحة الأرض البرية الرطبة المنعشة والديدان التي تنزلق من انفه الى فمه" يفند أعمال رفيق مادينا غيوريسا، يطمسها مؤقتا حين يرثى مع مادينا تبعيتهما ودونيتهما الروائية. أعطى مادينا ورقة " من مركز للسكان" تحكي عن: تأسيس بروسن لسانتا ماريا. وعندما احتج مادينا بأنه ولارسن كانا هناك يوما ما حرره لارسن من الوهم قائلاً:

" لا يوجد دليل. حتى أنا، هذه الكتابة، ولا شيء أكثر، يكرر: افعل الشيء نفسه، قطرة في بحر، أنت أيضا اخترعت سانتا ماريا، أنت مثل معظم الناس، تكذب، أنت مجرد شعب فقط ، وحدثت الأشياء "". وعندما عاد إلى سانتا ماريا البروسنية، رأى ميدينا لوحة في السوق القديم "كتبها بروسن". العالم والكلمة: قصة اونيتي تقودنا إلى حقيقة إبداعها، هذا كل ما في الأمر.

 الالتباسات المتواصلة والمتعمدة في الشخصية والحبكة تخدم هدف اونيتي الما وراء قصي عن طريق إثارة مزيد من الشكوك حول شرعية أي نص من شأنه أن يجرؤ على أن يبدو قاطعا و حاسما ، ومختزلا إلى" مجرد منتج يتجاهل عملياته "(Hutcheon 5).

العملية في الواقع تمنح امتيازا عند اونيتي وجميع الهويات الغامضة والأفعال التي تبرز أثناء قراءة "فلنترك الحديث للريح" تقلد بسخرية الرواية الواقعية. ولكن ما هو تأثير الاحتمالات المتعددة في نص ما وراء القص الذي يخلق معناه بالكناية ؟ الافتراض الأمن هو أن الآثار، المقترحات، الانزياحات و التشابهات لا يسمح لها بالتضخم بلا تفكير.

 ورغم كل شيء فان روائي ما وراء القص مسيطر بقوة يعطي،بتقتير وبلا مبالاة محسوبة، وجهة نظره في الفن والحياة ممتزجة بتناسب. بل أن كنائية اونيتي الشاملة كانت موجز الحياة الكاملة.: الحيوات المتلاحقة والموجزة للشخصيات المتنكرة، إلى درجة انه يمكننا القول أننا نعترف بها على هذه الصورة، الحياة الموجزة في نص مقروء ، كلها محتملة كلها واعدة،. السيرة الذاتية المتحولة لشخصياته في هذه الرواية لا تقل في تجريبيتها عن تلك التي في كتاباته الأخرى، الشخصيات هنا أكثر فضفضة من حيث الترتيب من أي وقت مضى وكان اعتراف الشخصيات بحالتها الروائية خلخل إيمانها بالنفاق النصي.

حياة جوليان سوان نمطية هنا. يلمح ميدينا من البداية أن جوليان ابنه، ولكن جوليان يقول له فيما بعد"أردت أن العب دور ابنك" فصلين في الحقيقة معنونان ب " طفولة سوان " وفيهما يتخيل ميدينا حياة للصبي يكون والده فيها جرنجو سيوزو، حكاية مقحمة جديرة بالمغامرة الموعودة في البئر فضلا عن أن دياز غراي المواطن المؤسس في سانتا ماريا، كتب عن موت "فريدا " الشخصية الرئيسية في العمل عارضا أنها ماتت في ذات المكان حيث ماتت أم ميرسو على الرغم من استحالة الأمر. هذ الوثبة إلى عالم كامو الروائي تعطي دليلا إضافيا على أن عمل اونيتي الأخير يميل إلى الإبهام متستر دائما وراء طقوس لعوب. شعائر اونيتي التكوينية ـ ليلة، فكرة، حياة خاطفة، الرغبة في الخلاص، الكلمة ـ قد قادت إلى تحرير إلى تأمل فكاهي في عوالم تتجاوز هذا. الشخصيات الأخرى تتجسد وتنحسر، من بينها غيوريسا الذي قال عندما أعطاه ميدينا هذا الاسم " أي شيء تريده إلا الاهانة" وجوانينا التي تستحضر الأرواح وتمارس الشعوذة لأن " هنا في هذه الشهور التي تبدو ذكريات بعيدة تظهر امرأة أخرى ، جوانينا " الوفيات الطارئة أو المفترضة للشخصيات ـ المشهورة، المتنازعة، المنسية، ـ تعطينا نظرة نهائية على ما وراء القص المبهم المكثف في" فلنترك الحديث للريح" يأتي القاضي ليحقق في جريمة فريدا وفي انتحار جوليان سوان. يرى مذكرة سوان التي يدعي فيها انه قد قتل فريدا ويرى جثة جوليان. مدينا الذي عبر عن هذا قائلا" الغريب الذي كره ذلك الرجل، دون أن يراه على الإطلاق منذ بداية حياته وربما قبل أن يولد" القاضي نفسه امضي النهار مع دياز غراي الذي قال " أتمنى، لو كان ابني، ابني المخلص" لا بد أن يكون بروسن.

خاصية الإبهام في رواية اونيتي القصيرة تبلغ ذروة لم تصلها من قبل، لحظة لعوب، فانتازيا بريئة عن فعل الكتابة. ينطبق عليها تماما فكرة أن هذا الروائي البارز فيما وراء القص جمع تقنيات حياته المهنية ـ الأصوات السردية المتنوعة، الزمن المتقطع، الهيمنة الكنائية، المرجعية الذاتية، الغموض المدروس ـ في هذه الرواية الحداثية التي نعلن عن وتشحذ هذه الأدوات الإبداعية الخاصة.

الرواية مذهلة وساحرة فضلا عن المرجعية الموضوعية المحددة ( ديكتاتورية عسكرية في مكان قريب ) و صورة امرأة ليست واهنة أو مبهرجة في موقع بعض من سلطة.

أحداث القصة وموجز الحيوات اللاحقة موجودة هنا أيضا ولكن مرة أخرى نجد أن المخرف الكاذب يغزل خارج حكايته المؤثرة. اهتمامات ما وراء القص عند اونيتي، تعويله على الكناية و تسمياته لعالم مغاير مخلوق تظهر جلية في أول جملتين من القصة" مرة أخرى تبدأ القصة بالنسبة لي ليلا ونهارا في سانتا روزا، كنا مع لاماس في مصنع جعة ميونخ المسمى خزامى. "مرة أخرى" تشير إلى أن الدائرة ستستمر وان القصة ستتحول إلى حياة حالما تنكشف صفحاتها. " ليلا ونهارا هو الانزياح الكنائي المثالي للزمن الفني الخالد المتكرر وزمن اونيتي، انحطاط التجربة التي تجعل ليل الذكريات مظلما وكئيباً. سانتا روزا هي اسم على مسمى للريح المنتظرة في" فلنترك الحديث للريح" تظهر هنا " خزامى ودعابة في بونيس ايرس …. لكن يجب إن تثبت كصديق متعرق ، تحجب الحرارة والرطوبة" التناص مرة أخرى يوضح الطبيعة التصميمية لهذه الروايات المتكررة. مع تلفظ اللعنة على سانتا ماريا في "فلنترك الحديث للريح " ترشح الخزامى بوصفها مجال اونيتي البديل ويبدأ السرد. يبدأ لاماس بحكي قصة ماغدا لرفيق السارد الأساسي الذي يبدأ وينهي الجزء الأول ولكن بتشويش متوقع لا يستطيع (لاماس) التأكد من اسمها " لا تقسم، إنها كانت تدعى ماغدا، ماغدالينا" ولكنه يستطيع التأكيد على علاقتها الليلية بعسكري في الحانة. وبعد مناقشة بين الصديقين حول الصحيفة التي يعملان لصالحها يأسف الراوي انه لا يمكنه أن يلتقي مجددا مع لاماس رجل سانتا روزا و رجل الريح والصيف القادم و الرجل الذي يجلب الإلهام. في الجزء الثاني يتولى (لاماس) مهمة السارد الأساسي " حيث ماغدا يكون الحب" يصاحب ماغدا ويكسب ثقتها لدرجة أنها تسمح له بزيارة الشقة التي تركها لها القائد واضطر إلى العودة الغابة " أفضل شارع ودائرة ومنطقة" ". في وصله لقصة (ماغدا والقائد) مع طرف ثالث يستنج (لاماس) جملة حول عشيق ماغدا "المخترع ". الأسلوب الذي يحتل الشق السردي ويزود عادة بأشكال ملتوية من القول و العبارات. الإحلال الكنائي للأفعال المعيارية في العلاقة مع الابتكار أو في حالات أخرى مع التخيل بدت شائعة في انتاج اونيتي وأشارت إلى المعنى الحقيقي لما وراء القص: الحكي هو كذب مفعم بالفن. كل الكذب المقنع مع الحقيقة المتسامية غدا ابعد من أنقاض المحاكاة المرجعيات إلى" شعر ماغدا المستعار وأسنانها الاصطناعية الخاصة بشخصية أخرى "سيتانو" تذكرنا بالطبيعة التلامسية لواقع اونيتي الروائي: الذي يضجع إلى جوارنا.

الواقعة الطويلة في الجزء الثاني تمثل فرصة لاستسلام اونيتي العجيب والحنيني إلى القوة المبهمة والقوية التي يفرضها ما وراء القص. فقد استدعي (لاماس) للإجابة على تساؤلات بشان ماغدا والقائد من قبل مالكة الملهى حيث كان العشيقان يلتقيان. مدام سافو الاسم المحتمل للمحققة تمتلك كثيرا من خصائص نساء اونيتي ( " صوتها. من السهل تخيله.لينا متملقاً مبتهجا غير متقطع ") لكنها تمارس سلطة على (لاماس) عديم الشخصية. في مكتبها توجد طاولة كبيرة ترسل السارد إلى تحليق بهيج فيما وراء القص:

"الطقم أثار في حنين إلى الماضي إلى سطح مكتبي و سنواتي الممحية و لأني لست مجنونا مطلقا فقد كانت ملكي في ماض يبتعد أكثر يوما بعد يوم...... وأنا أتخيل نفسي، بطراوة بالغة، جالسا أمام خزانة و اكتب في غروب...... لا اعلم مطلقا أني كنت اكتب، من المحتمل رواية جامعة.... في كل ورقة لافتة اقتباس بين قوسيين مربعين لأني كنت روائيا عبدا للأوامر والتعليمات ، اقتباس بين مربعين محجوز لجمع الصفات المستهلكة و ملجأ مؤقت للظروف والأسماء والعبارات الجنينية " هذا إقحام غير مبرر ولكنه متفرد في رواية اونيتي بسبب هزله البرئ والصارخ.انه يذكرنا بخواتم بورخس و بنبرة وداعية: ذاكرة المهنة في منتصف رواية تتجلى تدريجيا. الجزء الثالث من الرواية القصيرة يسرد من خلال الكاهن ديلابيه الذي يحكيه لمفوض: مونولوج امرأة جالسة على عتبة حانة والتي نعرفها من قبل من خلال المقترحات المحيطة: ماغدا. يوجد شيء ما من مانويل بويغ في هذا التقرير البوليسي ليحكي القصة بوصفه قناة من قنوات العلاقة المحبطة: مرة أخرى، يظهر اونيتي متجاوزا لحدود عالمه الروائي. تتحول قصته لتصبح قصة بوليسية مصغرة عن موت ماغدا " الغطاء على المقعد، المرأة المرتدية ملابسها، خضراء ، بلا رأس، و بجواره المسدس العسكري الضخم ، هل كان انتحارا أم جريمة؟" وسيقرأ عنوان ورقة لاماس كما تكشفه البرقية الأخيرة " في الجزء الأخير من الزمن ". (ماغدا) كانت بترونا غراسيا: اسم مستعار لحياة زائفة تماما مثلما أننا غير متيقنين من هوية مدام سافو. او غيورسا في" فلنترك الحديث للريح" او الرجل في الوداعات. في هذا الغموض، هذا الإبهام الذي يعلم ما وراء القص عند اونيتي والذي يتبئر في "حلم يتحقق" و"الوداعات" و"الحياة قصيرة" و"فلنترك الحديث للريح". كطاقات كنائية. يقول اونيتي" هناك شقوق لا بد أن تملا في هذه المخططة الروائية. لان الرواية هي شخصيات تقود الحيوات وسط كتلة متشابكة من الكلمات". اسم شخصية يذهب هنا، وفعل تقرير يستعدى هناك، وبعض أجزاء الطبيعة نحتاجها كدلائل وشواهد هنا وهناك: تقود هذه العملية القارئ إلى الحبكة ثم تعود به مرة أخرى. ولهذا فانه اونيتي يعرض أثناء خلقه لبدائل الحياة ( الاستدعاء والتذكر هو الثانوي، البديل، غير المضبوط المناسب للكتابة) مهاراته الفائقة في فن الخلق " الفن بوصفه براعة... الشيء الفني محررا من الأتمتة عبر إدراكه من جديد يعني: التفرد. نحن أيضا نرى اونيتي وسارديه المتعددين يعملون معا لوضع الحقيقة الماكرة، الخيال جنبا إلى جنب مع قرينها غير المكتمل، الواقع بلا وسائط.

 

ترجمة: أماني أبو رحمة

 

........................

المراجع:

Adams، M. Ian. Three Authors of Alienation: Bombal، Onetti، Carpentier. Austin: U of Texas P، 1975.

Alter، Robert. Partial Magic: The Novel as a Self-Conscious Genre. Berkeley: U of California P، 1975.

--. The Pleasures of Reading in an Ideological Age. New York: Simon and Schuster، 1989.

Balderston، Daniel. "Juan Carlos Onetti." "Fires Down Below." Ed. Michael Ventura. L.A. Weekly June 6-12 (1986): 15-17.

Donoso، Jose. Historia personal del boom. Barcelona: Anagrama، 1972.

Fuentes، Carlos. La nueva novela latinoamericana. Mexico: Cuadernos de Joaquin Mortiz، 1969.

Harss، Luis and Barbara Dohmann. Into the Mainstream. New York: Harper and Row، 1967.

Hutcheon، Linda. Narcissistic Narrative: The Metafictional Paradox. London: Methuen، 1984.

Jakobson، Roman. Language in Literature. Ed. Krystyna Pomorska and Stephen Rudy. Cambridge: Harvard UP، 1987.

Juan Carlos Onetti. Ed. Pedro Amorin y Beatriz Pereda. Montevideo: Ministerio de Educacion y Cultura، 1985.

Lagmanovich، David. Codigos y rupturas: textos hispanoamericanos. Rome: Bulzoni، 1988.

Maio، Eugene A. "Onetti's Los adioses: A Cubist Reconstruction of Reality." Studies in Short Fiction 2 (1989): 173-81.

Millington، Mark. Reading Onetti. Liverpool: Francis Cairns، 1985.

Onetti، Juan Carlos. Cuando entonces. Buenos Aires: Sudamericana، 1987.

--. Dejemos hablar al viento. Barcelona: Bruguera، 1980.

--. Goodbyes and Stories. Trans. Daniel Balderston. Austin: U of Texas P، 1990.

--. Los adioses. Triple espera. Ed. Djelal Kadir. New York: Harcourt Brace Jovanovich، 1976. 121-78.

--. "Selections from 'Ripples in the Pool' and Other Writings." Intro. Hugo Verani. Trans. Peter Egelston. Review 29 (1981): 21-25.

--. Tan triste como ella otros cuentos. Prologo Joaquin Marco. Barcelona: Lumen، 1982.

Richards، Katharine C. "Playing God: The Narrator in Onetti's Los adioses." Studies in Short Fiction 2 (1989): 163-71.

Tambling، Jeremy. What is Literary Language? Philadelphia: Open UP، 1988.

Ulla، Noemi. "La recepcion de la escritura coloquial rioplatense." Nuevo Texto Critico 2 (1988): 353-60.

Verani، Hugo. "El palimpsesto de la memoria: Dejemos hablar al viento de Onetti." Nuevo Texto Critico 2 (1988): 329-42.

Waugh، Patricia. Metafiction، The Theory and Practice of Self-Conscious Fiction. London: Methuen، 1984.

 4-7-2009

في المثقف اليوم