قضايا وآراء

نزلاء الأرض الحرام هنَّ .. في شعرهنَّ

لكن هناك خيط تواصل  جلي يفصح عن ترادف بياني شعري يضع هنة التشابه سمة لجل ما يكتبنَّ من خطاب.. هذا التشابه أجده ذا حدين ويحمل من السلب أكثر من الإيجاب خصوصا ذلك الذي يجسد مفهوم (النص = الرجل):

 أي أن الرجل هو سمة هذا الخطاب وظلاله الأوحد في المعنى واستهداف البوح، وأجدني غير مبالغ .. بأن سطوة هذه الثيمة في البوح تكاد تسيطر تماما على  نتاج أغلب من يكتبنَّ شعرا أو ما يشبه الشعر في السرد المشعرن أو الخاطرة أو التداعيات الأنثوية الطافحة، باستثناء بعضهنَّ القليل ممن لهنَّ من اسلوب مميز وشخصية شعرية تقترب من الإرتكاز في بلوغها الإقناع القرائي، أو تدرجن في خط بياني شعري تصاعد اضطراديا ليؤكد الشخصنة الشعرية في جماليات الإسلوب وتشظيته الى المعنى التبادلي أحيانا، والمعنى المتجاوز في التفسير والتأويل  في آحايين كثيرة أخرى.

لقد وقفت على شعر أغلبهن ومن خلال موقع النور الأثير، فوجدت ممن لاتزال تراوح في مكانها الكتابي وأن أنطوت  نصوصها على بعض التعليقات (ألأخوانية)، ومنهن من تجاوزن هناة  تجارب الكتابات الأولى بدرجات متفاوتة مع اقرانها بشكل بطيء، إلا أن بعضهنَّ من تميزن بخطاب جميل يشار اليه ببيان التجسيد والترسيخ في الاسم والقصيدة معا، وأن  لاتكاد أن تكون كثيرة، لكننا سنأتي على بعض تلك الأسماء من خلال سياحة قرائية لبعض قصائدهن  الجميلة ..

في بداية عرضنا لهنَّ .. في شعرهنَّ .. لابد من التأكيد على أنني ليس مع التجزيء الشعري  (بينهن وبينهم) فالشعر شعر في كل زمان ومكان، ولا يوجد هناك اصطلاح يؤكد شخصنة الأدب الأنثوي في الترسيخ إلا جزافاً وبهدف تخنيث النص لاغير، وهذا ما تناءت عنه أغلب المدارس النقدية  في سعيها النقدي الحثيث ..

وأول غيث البحث في نصوص المتميزات شعرا، هي الشاعرة فاتن نور، والتي اعترض آحيانا على بعض تشظياتها باهتمامات كتابية اخرى ، أجدها تأكل من جرفها الشعري على حساب منجزها وتجربتها ..

 لقد أخترت لهذه الشاعرة نصا جميلا يتعدى في خطابه مفهوم (النص _ الرجل) وإن كان يتضمنه في بعض بنياته، لكنه يفلسف المعنى بمفضيات أبعد كثيرا من آحادية الترسيخ  كون النص الحديث يجب أن يعبر عن موقف كوني على حد (د. محي الدين اللآذقاني)، فتلك الأحادية تضعف النص وتجدوله بآسرات المعنى الضيق الواحد .

 إن نص  المبدعة فاتن نور (تسبيحات حمالة الحطب) يشتغل على استعارة المجاز في البوح المقدس، لكنه يؤكد حلول المحرّم بحلالين هما  التفاعل والتجاوز الجميلين وبما يشرعنه الشعري على أقل تقدير ..

تسبيحات حمالة الحطب..

 لرنين نواقيسي...اختصاراتٌ شائكة

قد تبلل المعنى على بياض الكنيستين : عينيك

ساعة الفصح بقرميد عقاربها، تحجب قليلا لوحة التكوين/

 تلك البائرة خلفها

اكاد لا ارى الأصبع المصلوب يقابل اصبعي المقدس ..

 لنحت شرارة زرقاء ..

أنا امرأة من زحافات عصورك الحجرية

بدائيةٌ آيلةٌ للدفء ..

أدعك حاستين فقط .. لأشعل نار طقوسك الباردة.

لاحظ التحايل في متقابلات التضارع والتخالف لخلق المعنى وأستهداف الجمال المقصود (على بياض الكنيستين .. "عينيك") .. (الأصبع المصلوب _ أصبعي المقدس) . .. "ويالهما من كنيستين تكتنزان الدفء بحاستين تتوقدان صوب الطقوس الباردة  .. "

قيامتين مسجعتين بضمور الأنا ...

وحيثما اتسلل.. بين الأنوف الجاثية على معبد مدينتي المحاصر

أعلم، كما تعلم آلهة الحطب،

لِمَ تتكرر تلك البسملات مع كل فراغ

لن ابتلَّ بالحرف في باكورة يوم ٍ آثيم ..

لكنني .. نحوها استشف .

حرفٌ في صمت سطر... كي لا يطير ..

نصفُ سطرٍ معجزة .. كي يقبع بين الوعي والخدر ..

وخيمياء آدم .. حبرٌ تسترسل ديماته على فخذ حواء ..

كي أتأكد يقينا ...

من أن غنج الضاد، ما انفك يشذب ايقاعات العاشقين /

 الهابطين الصاعدين دون سلم / دون حطب.

قد يكون البوح على سلم الجرأة، فضيحة الشاعر .. بأنه يدعي خارج ممكنات الفعل الإنساني إيحاءً، لكن جرأته تؤكد صواب مدعاته في الفعل البيني كأنسان أولا وشاعر ثانيا، وعبر هذا التزاوج يكون االبوح الشعري  مهماز افصاح لا مجازي بل حقيقي في الواقع والواقعة، ولو على صعيد التمني المتخيّل  وهذا يتجلى بمباشرة الطرح بغية الإيصال والتوصيل ..

ففاتن تريد أن تتأكد (يقينا .. من أن غنج الضاد، ما انفك يشذي إيقاعات العاشقين/ الهابطين الصاعدين دمون سلم/ دون حطب ..).

وحين يكون التبصّر تسبيب البصيرة، تعلن ..

لا احسبك كفيفا

كجهابذة التحطيب القسريّ في الحاويات.. وتأويله الى فاكهة مطهرة

لكنني أذرع على جيد البراءة، بشغف، حبلا من مسد.. فأسأل :

 من يشرب ماء هذا العهد الممنوع من الصرف..

وجرائد امسياتك الثملة..

تقرأ أحطاب صباحاتي الوقورة

على الطاولات المملوكة.

...طويلةٌ معركتي معك ايها القديس..وشهية..

أنت ترتمي على كلأ الجسد كـ العاديات

وانا أمضغ كعادتي..

قطعة ًغجريةً ًصغيرة من لحوم النبلاء

مع قهوة الصباح.

وفي غمرة الغرق الشعري وأنثيالات (الأنا) المشتعلة رغم ادعاء ضمورها .. تحمل الشاعرة وهج (أصبعها المقدس) كدالة اشارية للتنبيه تارة  وللتهديد تارة أخرى لتدفع مخاطبها الى  الفعل المقدس في النادر من الفعل لا الساذج منه كبقايا الفاكهة المتروكة (على الطاولات المملوكة) .. وهذا أفصاح عن نادرها وشوارد أمنياتها في (لحوم النبلاء) .. ما يفصح أيضا عن مكنون توقها كحلم غجرية تتناصف في لذّة  التوق مع ما يخالجها على النار (مع قهوة الصباح).

عذرا ايها الحطاب الكونيّ..كلنا عراة ما لم نتعرَ ..

هلا فهمت حداثة الغاب / هلا تفهم تستفد

نسقط بعورة.. ولا نصل / نسمو بأخرى.. ولا نطير..

نحن سحرة رغم فضاضة الأقنعة ..

 وشيوع المواخير على رقعة شطرنج..

وانا القديسة الخاشعة في معبد العرجون العتيق،

 لا اجد في المتاجر/ مضاحل التهافت لعصمة البيادق والقلاع..

...قطعة شكولاته طيبة..

تعصمني عن المضغ الإنتقائيّ .. او الذوبان ..

سأتكئ ..

 على حزمة حطبٍ جليل..واحك ظهري بثقاب الملك الأبيض..

أينا سيحترق!

أن حرائق نور ..تتوزع مابين  حصاد  غابها وجنتها في آن (القديس والحطاب) وهذه المزاوجة لها صدى انفعال (الأنا) المنكرة في الترميز والتورية، واحسب أن نور من الذكاء الشعري الميداني ما يجعلها تضع البناء الجملي في مفضيين مركبين يلخص (الأنا _ الهو) في اتحاد وتخارج المعنى المركب لا لشيء غير استهداف المعنى المتشظي الى ممكنات التأويل الواسعة .. وكذلك في تأكيد شخصيتها كأنثى تجد في القديس حطابا والحطاب  قدسيا في أحايين الحب .. لذلك كان التميّز سمة لهذا النص في  بنية الخطاب وجماليات المعنى وفي مدارك مداميك البوح الشعري  لإنسانة وشاعرة  لها ما

 ليس لغيرها وهذا من حقها تماما..

ولندع فاتن نور (تحك ظهرها بثقاب الملك الأبيض .. أينا سيحترق) أو سنحترق ..

يبقى شيء لابد من الإشارة اليه  .. ذلك المتعلق ببعض المفردات التقليدية التي لا أجد لها مايبررها في استخدامها الحداثي، إذ لم تعد لازمة معبرة في بيانها الشعري الحديث لخشونتها أولا ولقدامتها ثانيا، ولنأخذ مثلا المفردات (العرجون، مضاهل) وغيرها لا على سبيل الحصر فهي مفردات لا أجدها شعرية بمكان،  لا سيما وهناك بدائل مفرداتية تؤدي أكثر في الفعل الشعري اذا ما أخذت على محمل الجد الكتابي..

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1099  الاحد 05/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم