قضايا وآراء

نزلاء الأرض الحرام .. هنَّ في ... شعرهنَّ (2) هناء القاضي

باعتبار أن النص الجميل كالجبل .. تتوزع على سفوحه القراءات المتعددة بين مادح وقادح، فلكل منا قراءته وحكمه في القراءة والتحليل .. وهذا التنويه أحسبه الأساس الموضوعي  قبل الولوج في الكتابة عن أي مبدع، فليتسع قلبنا للمراجعة النقدية بقبولها مهما كانت، بعيدا عن نوازع آنواتنا وما يتصل بها .. وهذا ما أتمناه حتما وفي كل وقت ..

يتسم  الخطاب الشعري عند  الشاعرة هناء القاضي،  في اغلب ما قرأت لها  منذ نصها الأول المنشور في موقع النور بعنوان  (علقت بحلم) في 15/1/2008، وحتى نصها الاخير  بعنوان (قل لحبيبتي أن تنتظرني) المنشور في 6/7/2009 ما يمكن أن يصطلح عليه بالواقعيةالتعبيرية، وبتشاكل شعري يقوم على سرد وصفي مشعرن، يطرق المباشرة الكتابية سبيلا للبوح،  السبب الذي جعل خطابها يقترب الى ما يسمى ( بالسهل الممتنع  )، والذي درج عليه أغلب  من كتب قصيدة النثر في بداياتها الأولى ..

علقت بحلم... علقت بوهم 

بأنك ستأتي مع الغيم

مع حبات المطر

تنقر شباكي بحذر

وتحملني علي أرجوحة من نغم

وإذا ما قرأنا نصوصها اللآحقه، نجد تأكيدا بينيا ينتمي  لهذا الاسلوب حتى في العنونة ولكل قصائدها تقريبا ... وقد لا أكون مخطئا بأنني قد وجدت اسرافا لغويا زائدا وهدرا مفرداتيا لا أجد ما يبرره، السبب الذي  وضع بعض ما تكتب على محمل السرد العاطفي القريب من الشعر في البناء والتكثيف أواستهداف الجمال من خلال وخلل المعنى، اضافة الى شيوع المطروق التعبيري في التركيب البنائي في معظم ما تنشأ من نصوص ..

 

لاتسأل عني 

ولا تحاول أن تفهم  

.......من أنا...لأني

لا أعرف ...ما أنا؟

فأنا في هذا العالم....مبهمٌ

اختبأ خلف ظلٍ

ليس ظلي

واخترتُ اسما...

غير اسم

 

وكم كنت اتنمنى أن تنتبه شاعرتنا الى ما يُخرج النص من جلدة الإرسال الشعري  صوب الإرسال الحكائي في تكرار الفردة، ولنا في هذا البناء مثال واضح ..

 

(من أنا...لأني .. لا أعرف ...ما أنا؟ .. فأنا)  فما مبرر هذا الحشد من 

(الأنوات)  الزائدة، دون ضرورة توظيفية، لا في مداميك البناء ولا في استشراف الجمال كمستهدف شعري ..

الذي ذهبنا اليه في هذه القراءة الإستعمالية المنتجة، يتضح بشكل اكثر في نص  (اغتيال بغداد) فما الحاجة الى القافية دون حضور عروضي صحيح، رغم أن النص يحفل بمشاعر وطنية عالية تلخص حب الشاعرة لوطنها وادانتها للموت والعنف بكل صوره ....

 

ألقتلُ.....مُباح 

وألسلبٌ وألنهبُ.....مُباح 

أُغتيل وطنٌ.... 

ف..جولي ياكلاب 

وأطيلي ألنباح 

لا شاهدٌ...يحكي

ولا خبّرتنا الريح....

عن ساحات الوغى......

رؤوسٌ فوق الرماح

وفي ضوء ما قراءة للشاعرة، كنت اتمنى بكل محبة أن يتصاعد الخط البياني لما تكتب، وأن تحقق ذاتها شعريا بشكل يقربها الى نظام القصيدة المحكم، لا أن يبقى خطابها قائما على آحادية  شكلية ذي وجه تفسيري واحد، لا يتشظى الى المعنى الشعري الواسع والمقترن بالجماليات المترادفة والمتعاكسة .

وهنا أتساءل  ..ألم تقم  القصيدة الحديثة على نظام الصورة المركبة وتتنبى التورية والترميز والإطواء نظاما لها .. ناهيك عن ضرورة تفجير طاقة المفردة بكل ما تحمله إستهدافا لذروة المعنى .. ؟

أنني وبكل تواضع .. اتمنى أن يساهم الأخوة على صعيد المراجعة النقدية أو ما يشابه لما يكتبه مبدعونا، خدمة للأدب العراقي الذي نريد له أن يكون في المقدمة دائما .. لاسيما وإن العراق من حمل الحداثة سمة له وخرجت من جعبته كل حركات التغيير الشعري قديما وحديثا .

وفي عودة على بدء .. لنقرأ للشاعرة هناء القاضي من نصوص متفرقة لها، كيما نقيس ونؤشر ونعطي الرأي المتبادل بييننا، فنحن كأهل مكة في شعابها أدرى .. وكل ما نبتغيه هو  خدمة الأدب بشكل عام والشعر خاصة ..

وفيما يلي جملة من المقاطع المجتزأة من نصوصها المتعددة ..

في الليل تجتاحُني....

كالسيلِِ.ِ...كالطوفان 

تُغرقنُي في الاحزان 

تُمحيني من الوجود 

أهربُ منك.... للنسيان 

وأُدركُ أنك تُقيدني بسلاسلَ حديديه 

تجُرني ألى ...عُمق البحار 

لاأسمعُ..... أصواتا 

ولا أرى سوى....

أشكالاً..... ضبابيه 

والغريبُ أني لا أُصدِرُ أيَّ إستغاثات.....

                                 *********

إلى جاري الطيب السيد سعد رحمه الله

منوليا...سيدتي

ذَوقُكِ..من الزهور

وما تُفضلين...

 

قطفتُها من جنُينتي 

وتركتها...

عند بابك ِ

علّك ِ بها... 

تصُبحينَ ...وتسُعَدين 

                                   **********

شاركني نخب اللقاء

وكن رفيقي... هذا المساء

حدثني بشتى المواضيع

حدثني مثلاً... عمن أحببت من النساء

وسأسمعك من ألالف...للياء

                                    ***********

بالرغم من أنك..لم تكن لتمتلك الوقت

لتحُبني

ولم تحاول يوماً أن ...تفهمني

فالكتابة لك.. صارت

من طقوس عشقي

وفي وقفة قرائية متفحصة لنصوص هناء  المتأخرة نجدها،  تحلق في بعض جملها الشعرية بشكل جميل، وتتمظهر صورها بهيئة شعل شعرية متوقدة كما في ( مقهى الذاكرة وقل لحبيبتي أن تنتظرني (..وهذه اشارة على أنها بدأت تدرك خطورة بناء النص وفق شروطه المطلوبة، الأمر الذي سيجعل نصوصها المقبلة

حسبما أرى في خانة النصوص المتميزة ..

 

هو معي طول الوقت 

لم يقولوا أنه.. ماحَضَر؟  !

هو معي  

علبة سكائره

صحن دخانه!

على مقعد قرب الشباك

ينام كتابه

.....عطرهُ

في كل ركن ...ضحكاته

هو معي..

                              ****************

الوقت يلعب..لعبته

والغياب يمدّ لي..أذرعه 

في مساءات الرحيل

حلم وحيد..يصاهرني

صوتٌ تحمله لي الريح

(قل لحبيبتي أن تنتظرني)

......

فراغ ٌ يتسوّل الأقمار

وياليت الوقتَ تفاحة ً...يقضمني

كأن حضورك الموعود الذي لا يأتي

صاعقة ٌتضربني مرات ٍومرات

ولا تقتلني ....

لقد سقت هذه الأمثلة البسيطة والمبسطة كمهماز برهان، نحو دليل كتابي يؤشر الشعر في ما يكتبنًّ زميلاتنا، وفواصل الفرق  مابينهنَّ .. هنَّ ) شعرا وغير شعر .. فهي أمانة كتابية من المفروض أن يضطلع بها النقد بكل مناهجه الى جانب القراءات الشعرية للشعراء وارجة أن تكون هذه القراءة جزءا منها ..

أخيرا ... وللحقيقة التي لابد من ذكرها هي .. أن اسلوب الأخت هناء القاضي يقترب من السرد الشعري الوصفي وينبىء عن موهبة اتمنى أن تأخذ سبيلها الراكز في الشعرية العراقية، اذا ما ارتأت البقاء في عالم الشعر الشائك .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1105  السبت  11/07/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم