قضايا وآراء

هل سيحصل المالكي على الدعم المسؤول من مؤيديه في مهمته الصعبة؟

 ورغم أن أسئلة كبرى بقيت دون إجابة، ورغم أن الشفافية بعيدة كل البعد عن أبسط طموح عراقي، فقد حقق المالكي وحزبه في فترة حكمه الأولى انتصارات مهمة لنفسه وللعراق. فمجرد إنقاذ العراق من حكم القائمة العراقية هو إنجاز كبير للرجل. هذه المجموعة ذات العلاقة المخيفة بالإحتلال وتوابعه من العرب، وبقايا البعث معاً، وأحتقارها الصريح للدستور ومؤسساته، واعتماد الكذب والمغالطات وتزوير الإنتخابات والدفاع المستميت عن التزوير، وما كان يخطط للعراق من خلالها كانت خطراً حقيقياً على مستقبل العراق في هذه اللحظة الحرجة.

 

ورغم أن تكل المعركة لم تخل من الخسائر، وأنها لا تعتبر انتصاراً حاسماً، فأن خوض المعركة نفسه كان له مكسباً مهماً من الدروس وكشف الحقائق وفضح ما يخطط للعراق، خاصة من قبل الإحتلال الذي اضطر إلى كشف جميع أوراقه والمراهنة عليها قبل أن يخسرها.

لقد اكتشف أثناء المعركة الدور المشبوه للمفوضية المستقلة للإنتخابات وممثل الأمم المتحدة وجهات قضائية أذعنت لضغط السفارة الأمريكية في إصدار قرارات عجيبة، واحد منها بالإمتناع عن إصدار قرار بشأن منع متهمين بالبعث، والثاني بإصدار قرار بمنع لجنة إعادة العد من مقارنة نتائج العد مع سجلات صناديق الإقتراع، وهو في تقديري دليل قاطع وحاسم على أن القضاء تم شراؤه أو ابتزازه، لكي يصدر مثل هذا القرار الغريب. وهو دليل قاطع أيضاً على تزوير الإنتخابات وعلى أن من وقف ورائها قوة كبيرة قادرة على تسليط مثل ذلك الضغط على القضاء، ولا يوجد في الساحة قوة بهذا الحجم في ذلك الظرف سوى الأمريكان.

أكتشف أيضاً تعامل المفوضية مع شركة مشبوهة في تركيب أنظمتها الإلكترونية، وأن تلك الشركة قد ركبت أنظمة حاسبات وزارة الدفاع ومؤسسات حساسة أخرى.

وأكتشف أيضاً المدى البعيد والوقح الذي يمكن للسفارة الأمريكية أن تذهب إليه في سبيل إعادة البعث، حتى تم تهديد السفير بطرده، أو الإيحاء بذلك، وتم استبداله على إثر ما حدث. ولا يقل أهميةً كشف أعضاء القائمة العراقية وأساليبهم في الوصول إلى الحكم.

 

إنتصارات كبيرة، لكن المعارك  لم ولا تنتهي بهذه السهولة ، بل هي لا تنتهي أبداً في العادة، خاصة مع السفارة الأمريكية.

 

إن مجرد محاولة الكتابة عن ما ينتظر المالكي وحكومته من إشكالات ومنعطفات وضغوط ومفترقات طرق، امر شاق على المرء، فلا يدري أين يبدأ وعلى أي يركز وأيها يترك. لذا نكتفي هنا بإلقاء نظرة سريعة على تلك الإشكالات لتعطينا صورة عامة على حجم تلك التحديات وعلى ما ينتظر المالكي، ثم تقدير ما سيحتاج إليه من دعم.

 

مشكلة الحكومة: رغم أن المالكي استلم رئاسة الوزراء، إلا أنه لن يتمكن من تشكيل حكومة كما يريد. ومهما كثرت المجاملات والتصريحات فأن هذه الحكومة لن تختلف عن سابقتها كثيراً في تكونها من مجاميع متعادية أو متنافسة في أفضل الأحوال، ولا يهدف بعضها إلا إلى الإستعداد للإنتخابات القادمة بتخريب عمل البعض الآخر بقدر ما يستطيع، والإساءة إلى سمعته. سيهدف الداخلون إلى الحكومة اضطراراً، خاصة إن كان أياد علاوي ضمنهم، إلى عرقلة محاولاتها لإنجاز شيء، وإظهار فشلها في الحملة الإنتخابية القادمة، أو الإسراع في إسقاطها والمطالبة بانتخابات جديدة. ما واجهه المالكي في السنوات الماضية سيواجهه في التالية، لكن الفرق أن مؤيديه أكثر حماسة له من قبل، وسيكون هو وفريقه مسلحاً ببعض الخبرة للتعامل مع الموضوع بشكل أفضل.

 

المشاكل المنتظرة:

المشكلة الأمنية، رغم ما تحقق فيها، أوما يفخر المالكي بتحقيقه فيها، مازالت الوضعية الأمنية موضوعاً غامضاً تماماً. وليس من السهل على الإطلاق إعطاء تقييم لما تمكن المالكي من إنجازه وما تبقى له، فتصرفات الحكومة في قضايا أساسية مثل قضية أجهزة كشف المتفجرات المزيفة وطريقة تعامله مع الحقائق التي افرزتها مذبحة كنيسة سيدة النجاة والإفلات المستمر للمسؤولين عن التقصير الذي يؤدي إلى تلك المآسي دون أي عقاب يتناسب مع نتائج تقصيرهم، يشكك بأن المالكي يسيطر على الوضع فعلاً، ويوحي بأنه قد يكون في انتظار فرصة أفضل لضرب الإرهاب، وهو في كل الأحوال أبعد ما يكون عن الشفافية في هذا الأمر.

 

مشكلة الطائفية: الإحتقان الذي سببه التوتر السياسي المصاحب للإنتخابات غير النزيهة، خلفت لدى الجماهير الشيعية إحساساً شديداً بالقلق والغضب، ورأت أن الجانب الآخر لا يتورع عن القيام بأي شيء من أجل حرمانهم حقهم في الحكم كأغلبية برلمانية. ومن ناحية أخرى فأن من وضع أمله في العراقية، وقبل محاججاتها حول حقها في الحكم، يرى أن الجانب الآخر قد احتال لدفع "القائمة الفائزة" بعيداً عن حقها في الحكم. هذا الشعور زاد الإستقطاب في الجانبين، ورفع قدرة الطائفيين بين كل من الشيعة والسنة على إقناع جماعتهم بالتكاتف والتجمع في خندق واحد مقابل الآخر. أي أن التزوير وتداعياته جعل المشكلة الطائفية أصعب حلاً.

 

مشكلة الإحتلال: أفترض أن المالكي يدرك الآن أن الإحتلال لا ولن يريده حاكماً للعراق، وأنه مستعد لإتباع أي أسلوب إن كان يحقق له غرضه. وأفترض أنه يدرك أيضاً أن الإستراتيجية الأمريكية في العراق هي السيطرة الحكومة، وإن لم يمكن، فعلى الأمن عن طريق جهة تطمئن إليها. وتتصف هذه الجهة الأنسب بالنسبة للأمريكان بأنها 1-  تلك التي ليست لها موانع أخلاقية، و2- يفضل أن لا تكون لها شعبية منظمة بشكل حزب يمكن أن يحاسبها ويعرقل أو يحدد أنصياعها للأمريكان في القرارات الصعبة.

الأمن هو نقطة الضعف التي لا تعرف الديمقراطية كيف تتعامل معها، وكمثال على ذلك تركيا، التي لم تتخلص من سلطة الجيش عليها إلا بصعوبة وبعد إسقاط حكومتين منتخبتين ديمقراطياً عن طريق الجيش الذي يتبع بشكل عام سياسة الولايات المتحدة. وكاد الجيش التركي أن يرتكب جريمته السياسية الثالثة، فنذكر أن رامزفيلد قال غاضباً، حين رفض البرلمان التركي التعاون في عملية احتلال العراق، "أن الجيش التركي لا يقوم بما يفترض به أن يقوم به"! أي أستلام السلطة بانقلاب!

من المحتمل أن الأمريكان يفكرون جدياً بالتخلي عن الخيول الخاسرة الحالية، أو بعضها، كما قد يستنتج المرء من حركات الزوبعي ومؤتمره، لكن هذا لا يجب أن يفهم بأنهم غيروا رأيهم بالنسبة للمالكي أو خططهم في نوع من يفضلونه لحكم البلاد، فتلك سياسة راسخة تكررت عشرات السنين وتم صقلها وتثبيتها.

 

هذا هو تصوري للعلاقة مع الإحتلال، أما من الناحية العملية فأن العامل الحاسم الذي سيقيس به الشعب موقفه من المالكي هو تطبيق سحب القوات الأمريكية في موعدها بدون أي تأخير، وهو ما وعد به المالكي قبل أيام، ونتمنى أن لا يقدم لنا المالكي مفاجأة مؤسفة كما فعل حين تحول فجأة إلى قبول المعاهدة بعد رفض حاسم مماثل لها. وهنا يجب أن نقول أن المالكي يجب أن يفهم الأمريكان أن الأمر منته تماماً، وإلا إن فهموا أن الأمر يعتمد على الوضع الأمني،  فسيحصل على كل ما يشتهي من ضربات أمنية "تحمل بصمات القاعدة" لتغيير رأيه وإطالة بقاء القوات.

كذلك يجب عليه أن لا يضيع أية فرصة لتقليل سلطة الأمريكان التي أسسوها في البلاد، وإزاحة المستشارين والمقربين لهم والذين تم زرعهم في كل النقاط الحساسة، وهي قضية ليست سهلة على الإطلاق. سيحتاج المالكي إلى جهد كبير من أجل إقناع الأمريكان بأن عليهم أن يتعاملوا مع العراق كدولة، وليس مجموعة من المغفلين التي تصدق كل شيء، وأن الإعتماد على مخربي البلد سيكلفهم أكثر من التعامل مع الحكومة بشكل طبيعي. إنه أمر لا يقبل به الأمريكان عادة بسهولة، لكن تلك هي "ام المشاكل" وحلها يجب أن يكون له الأسبقية.

 

القيادة الكردية والنفط: تحاول القيادة الكردية اليوم الحصول على وزارة النفط أوالمالية، حسب قولهم. وليس هذا غريباً من مجموعة لم يعترض فيها شخص واحد على سرقة نفط بلادهم بهذا الشكل الفضائحي، وتسليمها رخصية إلى شركات النفط الأجنبية، بعد تزوير الوثائق الخاصة بها وتحويل الحقول المكتشفة إلى مناطق استكشافية، وتوقيع عقود سرية لم تكشف ليس فقط بالنسبة للحكومة العراقية والبرلمان العراقي، بل وحتى بالنسبة للبرلمان الكردستاني. لذلك يعتبر إنقاذ النفط من ما تخططه له حكومة كردستان والشركات التي تقف وراءها مهمة أساسية للمالكي في حكومته القادمة، وقد أجاد الشهرستاني في دفاعه عن نفط العراق بوجه تلك المجموعة، وهو ما جعل منه هدفاً للهجوم والتشويه من قبلهم، ولذا نجد أن من الضروري جداً إبقاء السيد الشهرستاني في وزارة النفط بأي ثمن، والتخلي عن فكرة "نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة"، وإن لم يتم التخلي عن تلك الفكرة، فعلى الأقل يجب في عدم تسليم وزارة النفط إلا لرجل يمكن إئتمانه على ثروة العراق ورئته التي يتنفس منها، ومن خارج التحالف الكردي، بسبب نقص الثقة واستحالة التعاون بين وزير من تلك المجموعة والشهرستاني كنائب لرئيس الوزراء لشوؤن الطاقة.

لقد كان من شروط قادة كردستان لتشكيل الحكومة توقيع قانون النفط العراقي. ومما لا شك فيه أنهم لا يريدون للعراق قانوناً يحفظ النفط العراقي. فلا يعقل أن يكون حرصهم على نفط العراق بأفضل من ما أرادوه لنفط كردستان.

 

الدعوات الفدرالية: هناك دعوتان خطرتان على الأقل في الوقت الحاضر سوف يكون على الحكومة القادمة أن تواجهها، وهي الدعوة إلى فدرالية الجنوب والدعوة لفدرالية البصرة، وكذلك تنطلق اليوم إثر مذبحة كنيسة النجاة، دعوة لمحافظة مسيحية، ولا يستبعد أن هذا هو ما كان قصد من نفذ الجريمة الإرهابية في الكنيسة.

لقد برهنت التجربة العراقية أن الفدرالية نظام في منتهى الخطورة على البلاد في هذه الإضطرابات، وأنه ليس سوى تحضير لتفتيت البلاد كما يحدث اليوم للسودان تماماً. فدرالية كردستان تتعامل بلصوصية مع العراق وميزانية العراق، مثل احتجاز مبالغ الكمارك وتهريب النفط إلى إيران وبيع النفط مباشرة مقابل مشاريع في كردستان، والذي لا يملكون منه سوى 17% . وهي بذاتها نسبة تساوي مرة ونصف بقدر حصتهم الحقيقية التي أقرتها جميع الإحصاءات السابقة للمحافظات الكردية الثلاثة. وحصلت القيادة الكردية على تلك النسبة عندما كان يحكم العراق شخص سهل الرشوة هو أياد علاوي، وتمت الموافقة على الإستمرار باتباعها بعد عملية ابتزاز واضحة في التصويت على الميزانية العامة السابقة والمتمثلة بفضيحة رزمة الإتفاقات الثلاثة والتي خرقها عادل عبد المهدي ليمررها بعد أن قال له ديك تشيني أن يفعل ذلك (حسب حديث لعادل عبد المهدي مع النائب محمود عثمان، وقد أشرت إلى المرجع في مقالة سابقة). وهاهي القيادة الكردية تبتز المالكي اليوم لتضيف رواتب البيشمركة، الذين لم يستعملوا سوى لتحدي الجهات الإتحادية مثلما حدث حول استيلائهم على حقول نفط كركوك، وحول "المناطق المتنازع عليها"، ودون أن ننسى أن قيادييهم مثل برهم صالح وغيره يعربون دائماً عن قلقهم كلما اشترى الجيش العراقي أسلحة جديدة، وهو ما لا تفعله دائماً حتى حكومة معادية.

 

إن الذين يدعون إلى فدرالية البصرة أو الجنوب، إنما يسيل لعابهم وهم يتخيلون ما يمكن أن يحصلوا عليه لو أنهم تمكنوا من ابتزاز العراق كما تبتزه الحكومة الكردية في كل أزمة، وتسرق نسبة الآخرين كما تفعل الآن. لكن العراق لن يتحمل إبتزازين كبيرين يمتصان دمه وكرامته من الشمال ومن الجنوب، وسيسلم الروح بلا شك، كما يريد مشروع بايدن الذي يقول بأنه يفخر بأنه صهيوني، والذي سارعت القيادة الكردية لدعمه بكل قوة، لكن المؤامرة فشلت برد فعل شعبي عنيف.

أما "المحافظة المسيحية" التي اتفقت عليها الأحزاب المسيحية أمس، أو دعوات الحكم الذاتي (بل أن البعض دعا إلى "جمهورية" مسيحية أشورية مستقلة!) إثر جريمة الكنيسة، فقد لا تكون سوى جزء من مؤامرة تهدف إلى جعل علاقة المسيحيين العراقيين بالمسلمين كعلاقة الأقباط في مصر بالمسلمين فيها.

 

التغلغل الإسرائيلي: من المنتظر أن الجهات الإسرائيلية في العراق لن تنتظر أكثر وستقوم بمحاولة جديدة قوية في هذه الفترة. لقد فشلت محاولتها الأولى من خلال القيادات الكردية، و"حزب الأمة – الإسرائيلية" في فرض العلاقة مع إسرائيل على العراق، فشلاً ذريعاً، عبر عنه توقف القيادة الكردية عن تصريحاتها السابقة الإستفزازية، وفشل رجل اسرائيل في البرلمان العراقي في الإحتفاظ بمقعده. ورغم أنهال مؤشرات مطمئنة، لكن من الناحية الأخرى فأن إسرائيل لاتستسلم بسهولة، وحققت نصراً محدداً بإصدرا مجلة علنية باسمها في كردستان، ومن المتوقع أن يتعرض المالكي إلى ضعوط قد لا تهدف إلى إقامة علاقة مباشرة مع إسرائيل، بل أتخاذ خطوات تسهل لها في المستقبل، ربما من خلال حكومات أو شركات أمريكية أو جيكية.

ومن المعروف ايضاً أن إسرائيل إن وجدت المجال، دخلت على نظام الحكومة وجعلته يتحرك لصالحها عاجلاً أم آجلاً. ومن الطرق التي تبدأ العمل بها اختراق نظام الإتصالات في البلد، ليؤمن لها المعلومات اللازمة لإبتزاز المتنفذين في البلاد ودعم من يؤيدها والتخلص ممن يعاديها، كما كشف مؤخراً في لبنان، وكشف تفاصيله حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وفريقه التكنولوجي، حيث بين في خطاب له أن إسرائيل تمكنت من تزوير بطاقة المعلومات الخاصة بأي خلوي، واستنساخها وتمكين شخص آخر من التحدث باسم صاحب التلفون الأصلي. كذلك تمكنت من إدخال كارت معلومات على أي تلفون بحيث يكون له رقم إضافي يمكن الإتصال به والإستماع إلى أية اتصالات يجريها الشخص، وكذلك الإستماع إلى أية محادثات تجري في محيطه. أي أن الموبايل يتحول إلى ميكروفون التقاط إسرائيلي يتجول مع صاحبه، ودون أن يعلم ذلك الشخص أي شيء مما يجري. ما كشف في لبنان من تجسس إسرائيلي وسيطرة على وسائل الإتصال، كشف سابقاً مثله في دول مختلفة مثل هولندا وأميركا وعدد كبيرمن الدول الغربية، وإن كان بصيغة أبسط في ذلك الوقت.

ولاشك بأن وصول إسرائيل إلى شبكة الإتصالات العراقية المركزية وليس في كردستان فقط، هو أسهل وأكثر مباشرة من وصولها إلى لبنان. لذلك فأني أفترض بأن شبكة الإتصالات العراقية مزروعة بأجهزة المراقبة والتجسس الإسرائيلية وأنها تنقل إلى إسرائيل بشكل مباشر، ليس المزاج العراقي بشكل عام فقط، وإنما كل ما يتحدث به أي شخص مهم في العراق، سواء كان سياسياً أو عسكريا أو أمنيا أو إعلامياً، وإنها قد رسمت شبكة علاقات هؤلاء الأشخاص وطرق حركتهم، ويمكنها أن تؤسس على ذلك تقدير ردود الفعل العراقية وبالتالي سياستها تجاهها وتحديد التوقيت الأنسب لإطلاق مشاريعها.

على المالكي أن يتصرف وفق هذا المنظور وأن يخطط للتخلص من الأجهزة التي نصبها الإحتلال في وزارة الإتصالات والدفاع والداخلية وغيرها، ربما ليس بشكل فوري، إنما بأسرع ما يمكن، وأن لا يتم التراخي بهذا الشأن الخطير.

 

العلاقات مع دول الجوار: بشكل عام، العلاقات الدولية بين الدول المستقلة، مكسب كبير وهام لكل دولة. لذلك فإن الدول التي يجب على العراق تطوير علاقته بها هي الدول التي تتمتع بالإستقلالية والتي تمثل حكوماتها شعبها إلى درجة كافية، وهي بالنسبة للدول المحيطة بالعراق، تركيا وإيران وسوريا. أما العلاقات مع الأردن ومصر والسعودية والسلطة الفلسطينية فعلاقات خطرة يفضل أن تترك في أدنى الحدود الممكنة، ولا أرى أي مكسب في إقامة العلاقات معها، وخاصة العلاقات الأمنية. وأضيف إلى تلك الدول دولة جيكيا التي انتعشت مشاريعها في العراق بشكل غير معتاد، وهي معروفة بأنها الدولة التي تمثل إسرائيل في الإتحاد الأوروبي.

جميع حكومات هذه الدول تمت السيطرة عليها وهي لا تهتم بعلاقتها بشعبها قدر اهتمامها برضى إسرائيل عنها، وكثرما تفلت من مسؤوليها تصريحات تكشف ذلك بوضوح، مثل تصريح مسؤول مصري كبير قبل أيام، حين حذر أن فوز "الإخوان المسلمين" بالإنتخابات سيغير علاقة مصر بإسرائيل "100%" ، وهو السبب الذي يقلقه اكثر من غيره كما يبدو.

 

الحكومة والإعلام: برهنت الأزمة الإنتخابية أن الإعلام الحكومي ضعيف للغاية، ولم يتمكن حتى من درء الظلم الواقع عليها في الأزمات، فلم يتمكن من فضح غرابة حكم المحكمة التي حكمت بعدم جواز المقارنة التي تكشف التزوير الإنتخابي، ولا انحياز موقف ممثل الأمم المتحدة المخجل ضدها. خصوم الحكومة أقوى إعلامياً من الحكومة في بلادها نفسها، وهذه حالة خطرة، وليست ديمقراطية كما يدعي البعض الذي يعترض على أي إعلام حكومي. أن المقارنة بالإعلام الدكتاتوري الذي تسيطر فيه الحكومة على الإعلام. ليست سوى خدعة لفظية. فالحكومة ليس من حقها أن تحتكر الإعلام، لكن من حقها بل ومن واجبها أن توصل رأيها وتفسيرها لتصرفاتها إلى الشعب. الحكومة الدكتاتورية عدوة للشعب، فعندما تحتكر الإعلام فأن عدو الشعب يحتكر إعلامه. أما الحكومة المنتخبة، وفي كل الأحوال ومهما كانت الديمقراطية مريضة، فأنها قرب المؤسسات بعد البرلمان، إلى الشعب، وتأثير الشعب فيها أكبر بالتأكيد من تأثيره في ا لشركات الإعلامية الخاصة. فالشركات الخاصة مؤسسات دكتاتورية في طبيعتها، أو بتعبير أكثر علمية هي "فاشستية" ، كما يبين نعوم جومسكي، بمعنى أن الأوامر تسير فيها من الأعلى إلى الأسفل فقط، دون ضغط معاكس من الأسفل إلى الأعلى.

على المالكي أن يحل هذه المشكلة دون اللجوء إلى الحيل الإعلامية الرخيصة أو تقريب الإعلاميين المتملقين وهي نقطتان لم يستنكف المالكي من اللجوء إليهما في حكومته الماضية، ولسنا متفائلين بأنه سيفعل في حكومته القادمة.

 

مقابل كل تلك الصعوبات الكبيرة، هناك بضعة نقاط إيجابية هامة يمكن أن تساعد حكومة المالكي إن هي أحسنت استغلالها. وأول تلك النقاط أن المالكي خرج من المعركة أكثر شعبية وقوة مما دخلها، خاصة بعد افتضاح التآمر عليه والأساليب التي اتبعها خصومه في معركتهم. هذه النقطة، إضافة إلى افتضاح التزوير الأمريكي ورشوة المفوضية العامة للإنتخابات، تضع في يد المالكي ورقة قوية رابحة هي إمكانية إقالة الحكومة وإعادة الإنتخابات للحصول على عدد أكبر من المقاعد يتيح له حرية عمل أكبر.

أي أن سلاح إسقاط الحكومة أنتقل إلى يد المالكي من يد خصومه، خاصة إن أحسن التصرف في السنة الأولى من حكمه.

 

في كل الأحوال فأن المالكي سوف يحتاج إلى دعم جماهيري متميز.

التظاهرات المؤيدة عند الحاجة والإعلام الذي يركز على الإنجازات، يمثل دعم مهم جداً، لكنه النوع الخطر من الدعم الذي يسمى "الدعم الأعمى" أو السلبي، الذي لا يفكر. يصدق ولا يمحص، يوافق ولايقيس بنفسه، يهتف ولا يعترض، ينفذ ولا يسأل، بل يقوم أحياناً بإسكات المعترضين والسائلين بنفسه. إنه دعم يحول الرئيس الذي يتم دعمه من رجل جيد وقائد جيد إلى محتال ثم إلى صنم.

الديمقراطية والصراع الديمقراطي لا يخدمها مثل هؤلاء الداعمين، بل الداعمين الناقدين المطالبين بتنفيذ الوعود والمصرين على أن تشرح الحكومة لهم سياستها والمطالبين بأجوبة محددة على أسئلتهم. داعمين لهم من الجرأة أن يفكروا بتغيير رئيسهم إن هو تحول عن أهدافهم، ولا يرون فيه أملهم الأخير، وأن إزاحته ستمثل لهم كارثة لا يتحملونها. داعمين لا يرون في أحد "قائداً ضرورة".

 

لماذا يحتاج القائد إلى الدعم الناقد الذي يمارس ضغطاً؟ القائد شخص يتعرض إلى ضغوط هائلة خاصة في حالة مثل العراق، ويجب أن يقرر كيف يحل تلك الضغوط وعلى حساب أي طرف من الأطراف. وإذا بسطنا الأمور، فسنرى أن الضاغطين هم الأطراف الدولية والشركات والشعب. فإذا تخلى الشعب عن دوره، وجد القائد أن من الصعب عليه أن يصد كل ذلك الضغط بنفسه، حتى لو أراد. إنه بحاجة إلى ضغط شعبي مقابل يدافع عن مصالح ذلك الشعب لكي يساعد القائد على مقاومة الإنزلاق والتضحية بمصالح الشعب.

على الناس أن لا يفترضوا في قائدهم عملاق جبار يقاوم الضغط لوحده، ويأتيهم في النهاية بدولارات النفط ليتمتعوا بها، ويصرف أموال البلاد على البلاد والشعب دون غيرها، بل عليهم أن يذكروا أنفسهم بأنه ليس سوى إنسان، يجب دعمه عندما يكون محقاً ومحاسبته عندما لا يكون، ومسامحته عندما يخطئ أو يضعف، وعدم تصديقه عندما يقول ما يبدو خداعاً.

 

الدعم الأعمى هو كل دعم ناتج عن الإعلام الدكتاتوري، ولدينا تجربة غنية في ذلك. الإعلام الذي يركز على الصور أو الشعر والأغاني، المخصصة للقائد ، لذا يتوجب الإبتعاد عنه قدر الإمكان رغم الحاجة اليه أحياناً لحشد الشعب لتجاوز الأزمات. يجب أن يحب الشعب قائده لما يقوم به من أعمال وما يتخذه من قرارات وليس لأن صورته تملأ الشوارع وأغانيه تملأ الفضائيات.

 

لذا فأن وفرة الأصوات الناقدة نعمة، وإسكاتها خطأ وخطر يجب تجنبه حتى حين يصدر النقد من الأصوات التي يعتقد أنها مغرضة. إن رد النقد، إن كان ذلك النقد خاطئاً، يعتبر الفرصة الذهبية الإضافية للحكومة لشرح وجهة نظرها والدفاع عنها، وكسب التأييد لها، وهي فرصة يجب أن يرحب بها دائماً، ولا يجب أن يخشى منها إلا من يرى موقفه خطأ لا يمكن الدفاع عنه.

وللدفاع المنطقي وقبول النقد فضيلة قدرته على اكتساب احترام الخصوم وتأييد المحايدين و المشككين، وتقليل التوتر والإحساس بالظلم واليأس من العدل والقانون والديمقراطية، وهي أحاسيس أصابها خلال الفترة الماضية الكثير من الضرر، وهي بحاجة إلى إصلاح سريع من أجل أن يحس المواطن بأنه في مأمن وليس بحاجة إلى الإحتماء بطائفته، بل يمكنه الثقة بالقانون والعدل.

 

أما بالنسبة للقائد نفسه فيجب أن يكون واضحاً لديه أنه سيجد كل الدعم الذي يحتاجه إن هاجمه الظلم، لكنه  ليس محمياً أمام الحق. ولذا فهو بحاجة إلى داعمين يفكرون معه ويساعدوه على اكتشاف الطريق وليس توابع مغمضة الأعين. هو بحاجة إلى داعمين يتحملون المسؤولية معه عن الطريق التي يختاروها معاً، وليس جمع من الكسالى التي تنتظر منه أن يكتشف لها كل شيء ويختار لها كل شيء. فهل سيكون المالكي من الذكاء ليبحث عن مثل هؤلاء الداعمين وهل سيكون سعيد الحظ بالحصول عليهم؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1592 الثلاثاء 30 /11 /2010)

 

 

في المثقف اليوم