قضايا وآراء

قراءة في نصوص الشاعرة العراقية رنا جعفر / قاسم ماضي

هي لغة ليست جافة مقفلة و إنما فيها العديد من الاشارات والدلالات،تمتطيها وفق تصوراتها البنيوية وتتعامل معها وفق قوانينها الخاصة التي تدربت عليها منذُ أن شحنت حواسها بكل انفعالات القصيدة، وبما أن لغتنا العربية توسع في المدارك والمعارف الثقافية استطاعت ومن خلال همها الأول استيعاب لغة أمتها عبر مقاومتها للضغوط التي تحيط بها من كل مكان "

                                  وإنا مبعدون

                                  زر بيتي

أي ان هناك تكالب علينا حددته الشاعرة عبر دراسة مستفيضة منذ الانتداب الانكليزي والفرنسي إلى يومنا هذا، ولكونها شاعرة ورافضة لكل الدول التي تحاول مسخ هوية العربي نتيجة القرارات الاستعمارية من الدول الكبرى، فالشاعر مختلف ويمتلك الشجاعة مستخدما فكره بنفسه ذلك هو شعاره، بوصف  الشعر  حالة وجودية نادرة لا يعرف أحد منابعها، وكما يقولون يلعب الشعر دورا ً كبير ا ً في هدم العالم وإعادة ترتبيه أو هدم الذات وإعادة ترتيبها، مضاف الى ذلك أن الشعر هو في تركبيته يحدد ماهية ما تصبو  إليه  وهو وجودها  وكذلك يصدر من ضمائر حية وحقيقية في سبيل الوصول الى اعماق النفس البشرية،والشاعرة تبحث عن اجابات للاسئلة وهي تحفر في التعامل مع النص للتنقيب في الماكث خلف السطور التي تكتبها،

                                            حين ترجع ُ يا صديقي

                                            خذ جراحي في حقيبتك

كذلك يرتبط بصلتها القوية في وطنها الأم عبر عالمها الذي تسيطر عليه هواجس الأحلام والأحزان عبر استخدامات تعابير جمالية مجازية شعرية مفضية الى عالم سوداوي نتيجة الاحتلال الذي نهب البلاد وفتك بأهلها الطيبين، يبدو أن مهمتها التي خرجت من أجلها حساسة وهي غير قادرة على رؤية بلادها بهذا الصخب والموت، وصوت الطائرات تمرق في سماء وطنها، فعملت على تصويب قلمها نحو الأحتلال وهي تشم  رائحة الموت والنهب والخوف والجوع والعطش عبر عيناها التي ما أغمضت طوال ابتعادها عن أهلها،

                                                   إنهم سلبوني منك َ

                                                 وفي صباح ٍ عابس ٍ مني سلبت

                                                 أغمضوني

                                                وأغمضوك

تتقافز كلماتها المعبرة عن  إنفعالتها الداخلية وهي تهاجم ألاخطبوط الذي أحال وطنها الى رماد وموت وفقر وتعامل مع لصوص قرن الواحد والعشرين الذين سبوا البلاد والعباد، ملحمة دامية تجسدها لتدون على جدران منفاها مصائر شعب لم  ينهزم   وهو قادر على فعل المنتصر قادر ان يقلب موازين القوة ؟ فلو حفرنا أركيولوجيا الأنا عند الشاعرة لوجدنا ان هناك في اعماقها حزن كبير نابع من ضياع وطن نتيجة المؤامرات  والحقد الذي تبنوه في عقلوهم المسمومة التي كشرت أنيابهم على ثروات  أوطاننا، أذن مهمتها عميقة مستندة الى قراء تها الفلسفية التي جذرتها منذ صباها، حيث عبرت عنها كما عبر عنها " كانط " ذلك الفليسوف الذي كانت مهمته أن يعرف العالم ويسبر أغواره أعتمادا ً على حواسه ومعطياته الفكرية وهو يعتقد مسبقاً أن ما يعرفه عن العالم هو الواقع " الوقائعي " اذ لا غشاء عليه ولا على الواقع، فالواقع على شاعرتنا هو حصتها في سبيل التفاني وزرع قيم العدالة في أرض الله الواسعة،

                                               حين ترجع ُ ياصديقي

                                              خذ  جراحي في حقيبتك

                                             خبأ بين طيات الثياب وريقة ٌ من شعر

                                            احفظ ما تبقى من ملامح ذلك الوجهِ

                                           وقل للأ صدقاء

                                          إنني جرح ٌ بساقين

ولا شك أن تنوع التجربة الإبداعية لشاعرتنا بين فضاءات جمالية  مختلفة حلقت خلالها بين عوالم السرد القصصي وبين ثنايا القصيدة فضلا ً عن نشاطها الفني التشكيلي أفضى على تجربتها نوعا ً من النضوج الفني والتفرد في كيفية صياغة خطاب جمالي نأى بنفسه عن الخطابة والشعاراتية في وصف تفاصيل يوميات الخوف البغدادية التي عاصرتها الشاعرة وإكتوت بنارها كما إكتوى أبناء شعبها، فراحت تجسد مفردات ذلك المشهد الرهيب ببلاغة معبرة، ومتماشية مع جو الحداثة الذي نعيشه مع مختلف ألوان الإبداع الفكري والتكلنوجي، ولعل إختلاف إشتغالاتها الأدبية إنعكس على كيان قصيدتها التي إحتفظت بخصائصها الفنية والجمالية في التعبير .

 

قاسم ماضي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1604 الاحد 12 /12 /2010)

    

 

 

في المثقف اليوم